صفحة 1 من 5 123 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 41
الموضوع:

امهات قديسات فى تاريخ المسيحية(ملف خاص)

الزوار من محركات البحث: 189 المشاهدات : 3128 الردود: 40
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من المشرفين القدامى
    تاريخ التسجيل: January-2016
    الدولة: بيتنا❤
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 13,205 المواضيع: 2,672
    صوتيات: 26 سوالف عراقية: 100
    التقييم: 4079
    مزاجي: عسل
    المهنة: طالبة ة
    أكلتي المفضلة: بيتزا
    موبايلي: htc
    مقالات المدونة: 129

    امهات قديسات فى تاريخ المسيحية(ملف خاص)

    بنعمه المسيح نبدأ:

    أمهات قديسات فى تاريخ المسيحية...







    (( افنيكي . . . أم تيموثاوس ))


    أفنيكي




    لا يكاد المرء يذكر أفنيكي حتى يتذكر قصة تلك الغابة الواسعة في قلب أوروبا، والتي كان يقصدها الكثيرون من الزائرين والرحالة والمولعين بصيد الوحوش والحيوانات، وكان في الأحراش فيها منزل أنيق جميل، هو أشبه الكل بفندق أو استراحة، لمن يصل إلى المكان وينشد راحته.... وقد حدث أن جماعة وصلت إلى هناك، وكان معها أنواع مختلفة من الشراب، وبينما هم يلعبون ويشربون، كسرت زجاجة، وتدفق من الشراب ما تدفق على جدار في القاعة، فأفسدها وشوه منظرها على نحو مثير مفجع، ولم يستطع أحد إصلاح المنظر حتى جاء أحد الرسامين، وغطى البقعة الفاسدة بصورة غزال يرتاد بحيرة ويشرب من الماء.. وقد قيل إن الكثيرين كان يقصدون المكان ليروا المنظر الساحر العظيم، وهكذا حول الرسام الماهر نقطة الضعف واللوثة والقبح، إلى ما لم يكن يتخيل أحد من جمال وسحر وجلال! ومن العجيب أن الرسام الأعظم يفعل نفس الشيء في حياة المؤمنين، عندما يغطي الضعف ويستر العورة والعيب، ويصنع من أقبح ما ترى العين، أروع ما يمكن أن تقع عليه الرؤية وتستريح إليه!! وقد حدث هذا بالتمام في قصة أفنيكي، التي يعد زواجها من رجلها من أقسى ما بليت به، أو سقطت فيه، غير أننا نعلم أن هذا الزواج قد أنجب تيموثاوس الابن الصريح في الإيمان، والذي غطى الصورة البائسة المحزنة في الشركة المنكودة بين الأبوين!! ألا يكون من الطيب بعد هذا أن نتأمل قصة هذه الزوجة والأم، لنرى كيف دثرت زواجها الفاشل بحياتها المنتصرة وابنها العظيم، ومن ثم يمكن أن نراها فيما يلي:

    أفنيكي ومن هي؟

    الكلمة «أفنيكي» معناها المنتصرة السعيدة، وهي كما تظهر امرأة يهودية الأصل، عاشت على الأغلب، في لسترة في آسيا الصغرى، ونحن لا نكاد نعلم شيئًا عن حياتها الأولى، سوى أنها كانت تعيش مع أمها لوئيس تعني «صالحة» أو «مرغوبة» ومن المتصور أن أفنيكي كانت على حد كبير من الجمال، اجتذب إليها زوجها اليوناني الذي أخذ بسحر جمالها، واستطاع أن يفوز بها زوجة حلوة جميلة فاتنة، كما يذهب بعض الكتاب، على أنها كانت أكثر من ذلك دمثة الأخلاق، رضية الحياة، رقيقة المشاعر، ومن المرجح أن بولس كان يأوى إلي بيتها كلما ذهب إلى المدينة في غدواته وروحاته، كما أن تيموثاوس ابنها قد ورث عنها الرقة البالغة، التي يذكرها بولس في لغة الدموع عندما افترق الواحد منهما عن الآخر في قوله: «مشتاقًا أن أراك ذاكرًا دموعك» كما أنها كانت يهودية مؤمنة، من ذلك الطراز الذي يلهج نهاراً وليلاً بالكتب المقدسة، ويرتوي منها، هي أشبه الكل بالشجرة المغروسة عند مجاري المياه التي تعطي ثمرها في أوانه، وورقها لا يذبل، ومن المعتقد أنها آمنت بالمسيحية في رحلة بولس الرسول الأولى، واشتهرت هي وأمها وابنها بالإيمان الصريح العديم الرياء، غير المتقلقل والثابت والمستقر، وهي لهذا كانت مظهرًا من أروع المظاهر المسيحية الصحيحة في الأصل للكلمة «العديم الرياء» - فهي في الظاهر كما في الداخل، وفي السيرة كما في السريرة، وفي العقيدة كما في الأفعال، لا تناقض أو إبهام أو اضطراب أو ازدواج عندها على الإطلاق... ومن أننا لا نستطيع أن نحدد مدى الآثار البعيدة والعميقة لحياة الصراحة التي عاشتها هذه المرأة، سلبا أو ايجاباً على سواء، إلا أنه يبدو أن صراحتها جلبت عليها من الناحية السلبية، واحدا من أقسى ما واجهت في الحياة من متاعب وآلام، إن الصريح يتصور في العادة لما جبل عليه من الوضوح والصراحة، إن غيره من الناس يمكن أن يكون هكذا أيضًا، فإذا ظهر، أو تظاهر إنسان بالصراحة، ما أسرع أن يصدقه ويثق فيه، ولا يرتاب فيه البتة، وقد يكون هذا هو السبب في زواج أفنيكي التعس بزوجها اليوناني، ومع أننا لا نعرف تفاصيل هذا الزواج، وكيف تم، إلا أننا يمكن أن نضع الصورة التي تصورها الكسندر هوايت عندما قال ما ملخصه: «كيف حدث أن هذه المرأة لوئيس التي تخاف الله والقوية الإيمان العديم الرياء، كيف حدث أن تسقط سقطتها البالغة، فتعطي ابنتها الوحيدة لرجل وثني يتزوجها، كيف أمكن للمرأة الطيبة،. وكيف أمكن لابنتها أن ترتكبا هذه الغلطة القاسية الشنيعة بالتزوج من رجل وثني!! دعنا نتصور ونخمن لقد بدأ هذا الرجل المحب لابنتها يأخذ سبيله إلى المجمع اليهودي، حتى أوشك أن يتهود، تحت تيار عاطفة المحبة التي ملكت عليه قلبه، وكان من الممكن، لولا بعض الموثرات الوثنية القوية، أن يكون كما كانت تحلم الأم أو الفتاة وتصلي أن يصبح مؤمناً خالصًا لله، ولعله كان يؤكد للوئيس أنه بمجرد أن تصبح أفنيكي زوجته، فإنه لن يخيب قط الثقة أو الرجاء فيه.. ولا نتصور أن المحب اليوناني كان يخدع أو يغش فيما يقول، بل لعله كان يعني كل كلمة يفوه بها، وكان يعتقد أنه وزوجته سيكونان أسعد زوجين وأوفاهما وأصدقهما في الحياة الزوحية، وقد صدقته لوئيس، وصدقته أفنيكي، وكما يفعل الكثيرون ممن نصدقهم ونثق بهم، دون أن ننتبه، إلى الخداع النفسي الذي يأتي إلى قلوب العشاق من الشباب، وما أكثر ما رأينا الآلاف منهم، وهم يؤكدون، بصدق وحماس وغيرة نبل مشاعرهم، وعمق عواطفهم، وحسن نواياهم، وهم في كثير من الأحايين كذلك، حتى يتم الزواج، ولكن هل يتحقق ما ذكروه أو تحدثوا به، أو وعدوه، أغلب الظن أن هذا لن يتحقق، وترى الفتاة المؤمنة نفسها، في رباط مع قلب وثني، لا يرتد فقط عن الوعود الكثيرة التي أجزلها، بل لعله يعود إلى أسوأ وأردأ، ومع أننا لا نستطيع أن نقطع عندما نذكر كلمات الرسول بطرس: كذلكن أيتها النساء كن خاضعات لرجالكن حتى وإن كان البعض لا يطعيون الكلمة يربحون بسيرة الناس بدون كلمة ملاحظين سيرتكن الطاهرة بخوف الله...» لماذا لم تؤثر حياة أفنيكي في زوجها، وعاش، ومات وثنياً، وهل يلام هو أم تلام لوئيس أم تلام أفنيكي نفسها أم يشترك الثلاثة في هذا اللوم؟ أيا كان الأمر فمن الواضح، أن المرأة كانت تعسة في هذا الجانب من الحياة، وأن غلالة من الألم والشقاء أرسلت ظلالها الداكنة الحزينة على البيت، ومع أن البعض يعتقد أن الرجل كان قد مات، وأنها كانت أرملة يوم عرفت المسيحية وآمنت بها، وأن هذا قد أعطاها فرصة أوفى وأوسع في تعليم ابنها والتأثير في حياته، إلا أن صمت الكتاب على أي حال عن الرجل سوى أنه يوناني، لا يمكن تفسيره إلا أنه النقطة السوداء في كتاب ناصع، أو البقعة المشوهة لجمال عظيم!!.

  2. #2
    من المشرفين القدامى
    أفنيكي وابنها تيموثاوس

    وعلى قدر ما أصاب أفنيكي من الفشل في الحياة الزوجية، على قدر ما أصابها من النجاح مع ابنها العظيم تيموثاوس، وقد ساعدنا بولس إلى حد كبير، في إدراك سر هذا النجاح الباهر، وأغلب الظن أن ثلاثة عناصر أساسية مكنتها من الوصول إليه، وهي الزمن، والمعلم، والكتاب! أما الزمن فواضح أنه «منذ الطفولية» أي منذ اللحظات التي تفتحت عيناه فيه على الحياة، أو كما يقال منذ نعومة أظفاره، أو عندما بدأ مع الأيام عودا رقيقًا رطبًا لينًا سهل التوجيه والتهذيب والتقويم، ولعل المرأة وأمها وقد أدركتا مبلغ المعاناة والصعوبة التي لاقياها، وهما تحاولان المحاولات المتعددة اليائسة مع أبيه الوثني، لم تريا بدا من البدء مع الصغير من المهد حتى تقتربا من النجاح الذي عز عليهما، وهما تحاولان شتى المحاولات مع الكبير المتقسي المتصلب العنق والإرادة، وربما يذكرنا هذا بجواب ذلك الغلام الذي سئل ذات يوم عما يتصور أن يكون مستقبله مع الأيام، فقال: سأكون أما مرسلاً أذهب إلى حقول الخدمة المسيحية أو بائعًا للخمور، ولما أظهر السامع تعجبه أجاب الصغير: إن الأمر يتوقف على من يستلمني أولاً وهل هو يسوع المسيح أو الشيطان؟ ولعل أفنيكي أرادت أن تقطع الطريق على الشر وهي ترى زوجها يدب بقدميه فيه، فآلت على نفسها، أن تأتي بصغيرها إلى الله، قبل أن يتعامل معه الشيطان أو يستلم حياته ليفسدها ويهدمها ويدمرها، إن المأساة القاسية أن الكثيرين من الآباء أو الأمهات لا يحسنون التصرف في الزمن الأول من أعمار أولادهم الصغار، أو كما قال واحد: متى نبدأ بتربية الولد وأجاب: قبل أن يولد بثمانين سنة أو بتربية جده أو جدته، كما نرى هنا الجدة لوئيس والأم أفنيكي.. وتساءل آخر عن نصيب التربية الدينية في كل أسبوع، وقال إنه من المثير حقًا أن يحظى النوم عند الطفل بسبعين ساعة أسبوعيًا، والأكل واللعب والعمل بسبع وستين ساعة، والدرس بثلاثين ساعة، وكل هذه لفترة حياته القصيرة الأرضية، في الوقت الذي لا يعطي فيه أكثر من ساعة في مدرسة الأحد، لاعداد حياته المسيحية والأبدية الطويلة التي سينتهي إليها، ولا حل أو علاج على الإطلاق الا بأن يعطي الصغير أفضل الأوقات وأحلاها وأجملها على الإطلاق، للربط بينه وبين سيده، على النحو الذي فعلته لوئيس وأفنيكي منذ الطفولية مع الابن الحبيب الحلو تيموثاوس، ولكن هل يدرك الكثيرون أن مأساة عصرنا الحاضر، أن التربية الدينية أن وجدت عند ملايين الأطفال، تأتي في المركز الخامس كما قال أحدهم بعد الأكل والملبس واللعب والمدرسة.. ومع أن الشريعة اليهودية تعتبر الابن الآتي من زواج مختلط يهوديا، وتنادي بالبدء في تربيته ابتداء من الثالثة من عمرة، إلا أنني اعتقد أن أفنيكي ربت ولدها قبل هذا التاريخ، اذ أرضعته مع لبنها الحق الإلهي، تماماً مثلما فعلت يوكابد مع موسى، وحنة مع صموئيل، واليصابات مع المعمدان، وكل أم عظيمة تحرص على سلامة وسلام ابنها أمام الله والناس، والحياة الحاضرة والعتيدة أيضاً، فإذا أضفنا أن الفتي وقع تحت يد ثلاثة من المعلمين الممتازين العظام، وهم لوئيس، وأفنيكي، وبولس وأن الثلاثة أعطوه أصفى تعليم وأتقاه، ومن ثم شب على الصورة الحلوة الرائعة التي قال عنها أحدهم أنه يشك في أن واحداً كان أقرب إلى قلب بولس من تيموثاوس، ولا شبهة في أن أمومة أفنيكي كان لها الأثر المعلي في هذه التربية القويمة، والأم تعلم بحياتها قبل قولها، وبصلاتها قبل كلامها، وبحبها قبل تعليمها، وما أكثر ما جاءت الشهادات المتواترة في كل الحقب والعصور عن هذه الحقيقة الرائعة في حياة أعظم الأبطال في المدنية والحضارة والتاريخ،.. كانت أم تشارلس كنجلسي تأخذ ابنها الصغير إلى مناظر الطبيعة الرائعة في هولن ودارتمور، وهي تأمل أن السعة والجمال والشاعرية تأخذ بلباب ابنها من مطلع الحياة، وقد صدقت، إذا أن الولد تربي ليكون واحدا من أصفى النفوس وأرقها وأزكاها في هذه الأرض!... وقد قال أحدهم، وهو يتأمل حياة روبرت لويس استفنسون: «ان الوراثة تفعل أثرها العميق في الحياة الدينية، كما تفعل في سائر الأمور سواء بسواء».. وقد لاحظ واحد وهو يقرأ خطابات توماس كارليل خطابا كتب بيد مرتعشة وتحت عنوان «خطابي الأخير لأمي» وفيه يقول «لقد سرت مع الأيام في خطى واسعة نحو الشيخوخة، وقد كان لي الكثير، مما عملته أو احتملته في السنين الكثيرة من حياتي، ولكن ليس هناك ما يعدل شكري في الحياة عن أمي الحبيبة! ليكافئك الله يا أمي لأني لا أقدر على هذه المكافأة!!»... وكتب يوحنا ويسلي عن أنه يقول: «كان فهمها جيداً مثل قلبها سواء بسواء، وقد أخذت عنها يقظة الذهن، وسرعة الإدراك، وكان من المستحيل بدونها أن أنجز نصف ما وصلت إليه أو ما أتيح لي أن أقوم به من أعمال؟!» أجل وهذا حق تمامًا، ويفسر ما قاله نابليون عندما سأل: «ما الذي يحتاجه الشعب حتى يتعلم تعليمًا صحيحاً سليماً؟ وردت عليه في الحال مدام كامبان: «الأمهات» وإذ سمع أجاب : «أجل.. هنا نظام من التعليم في كلمة واحدة»... ولا شبهة في أن أفنيكي بحياتها وحكمتها وسهرها وصبرها ودقتها ورقتها، وجمال أسلوبها وهي تنحني على ولدها في مهده، أو في الإصباح والإمساء الكثيرة وهي تنتقل به هنا وهناك، تصلي معه، وتعلمه روائع القصص الكتابية، وسير الأبطال، وتفتنه بحياة يوسف وموسى وداود وصموئيل ودانيال وغيرهم، كانت تزرع فيه أحلى حياة وأجملها، على الصورة التي عرفناه عليها فيما بعد! أجل كانت أفنيكي معلمًا عظيمًا وأمينًا وحكيمًا معًا، وهي نموذج رائع للأمهات والمعلمين الدينيين في كل زمان ومكان!.

  3. #3
    من المشرفين القدامى
    لم يكن الزمن أو المعلم، بل كان هناك الكتاب أيضًا، وقد أحسنت أفنيكي عرضه على ولدها، لقد أكلته هي وتشربته، فسرى في شرايينها مسرى الحياة والدم، وكان هو الحياة بعينها للأم والولد جميعًا، أليس هو كلمة الوحي التي لا يوجد كما يقول - الفرد بلامر - لها ضريب أو مثيل في تاريخ العالم. وحتي ما يحسب منافسًا من آداب العالم أو تعاليمه لا يمكن أن يرقي البتة إلى مستواها العظيم.. فإن لها من السمة أو القيمة الروحية أرفع المستويات وأعلاها، وأى كتب أخرى يمكن أن تمنح الرجاء والتعزية لقارئيها، وصلاحيتها لكل العصور أو الأحوال، ومجابهتها لأرفع لاحتياجات القلب وآماله مثل الكتاب المقدس، قد يجد المرء في الكتب الأخرى ما يفيد في المعرفة أو التقدم أو المسرة أو البهجة أو الثروة، أو ما أشبه، لكن هذا الكتاب وحده هو الذي يدفع إلى الحكمة التي تعمل على خلاص الإنسان ومجده الأبدي، إذ تقدمه لحياة البر، بما له من قدرة تعلم الجاهل، وتقنع المذنب، وتقيم الساقط، وتدرب الجميع على حياة القداسة، حتى يضحي الكل كاملين كأبناء الله، مستعدين تمامًا لكل عمل صالح، أو كما ذكر دكتور سكوفيلد: «هذا الكتاب المقدس يواجه كافة الاحتياجات للقلب البشري المعقد، وهو يمسك تمامًا بهذا التركيب المحير والسري والذي يطلق عليه الإنسان! افتح الكتاب، وستجد أنه يتحدث إليك في لحظة عن حياتك، مالا تستطيع أن تصل إليه بالبحث الذاتي طوال حياتك على هذه الأرض! إنه يتحدث بالحق عن الإنسانية، ويرشدك بالنصيحة الصادقة والأمينة، ويجيب على كل ما تحتاج إليه النفس من كل أسئلة في هذه الحياة، إنه ليس بالكتاب الأثري، الذي ينظر إليه ككتاب قد انقضي عهده إذ أنه يخاطب القلب العصري، تمامًا مثلما خاطب قلب الآباء فيما بين النهرين، وليس هناك كتاب أكثر تقدما منه، وفي كل التقدم والتطور الحضاري ليست هناك تجربة صادفت الإنسان حتى اليوم، ولم يكن لها علاج عنده، ولم يحدث أن ظهرت حالة عند إنسان مالم يعطها الكتاب جوابًا، مع أن العالم العصري ممتليء بالتعقيدات، والحياة الحضارية المرتفعة، والكتاب الذين كتبوه عاشوا في الشرق في ظروف أكثر بساطة واستقراراً، وهذا يؤكد بكل يقين أنه كتاب الله، ويعطي التفسير الوحيد الصحيح لأثره وفاعليته في الحياة البشرية».. ومن المعروف أن كولردج آمن بالوحي الإلهي لأنه وجده، وهو في الواقع يجدنا، لأنه يجد حاجتنا، ويجد أعماقنا، ويصل إلى قلوبنا، ويلمس آلامنا!!.

  4. #4
    من المشرفين القدامى
    في إحدى الصور القديمة الجميلة نرى أفنيكي تجلس على مقعد، وأمامها منضدة، بسطت عليها الكتاب المقدس، وعلى مقربة منها تجلس أمها، بينما يتكيء ابنها الصبي تيموثاوس بمرفقية على المنضدة، وهو ينصت إلى أمه، في تأمل ورقة ووداعة، وهي تتحدث إليه، بما شكل حياته، وجعل منه فيما بعد الخادم العظيم، الذي حمل الراية، من بولس، وأبى أن تسقط إلى الأرض يوم سقط الرسول العظيم، وهو يصبغ الشهادة الأمينة، بدمه الذكي، من أجل الخدمة المقدسة ومجد يسوع المسيح في هذه الحياة.

    ولعلنا لا نستطيع أن نختم قصة أفنيكي وأمها وتيموثاوس، دون أن نذكر ذلك الغلام الذي وقف يحدق في أبيه، وهو ينظف زجاج النافذة في كاتدرائية عظيمة، وإذ سقطت قطعة من الزجاج من يد الأب العجوز المرتعش الحركة، أسرع الولد والتقطها وأعادها مرة أخرى إلى أبيه، وهو يقول: لقد تسلم أبي من جدي هذا العمل، وهو باق فيه وسيبقى حتى يذهب كما ذهب جدي، وأستلمه أنا، وتمضي الأيام هكذا متسلسلة متوالية... ألا يمكن أن نقول بهذا المعنى، وعلى صورة أجمل وأكمل وأبهر وأجل ما قاله الرسول لتلميذه الحبيب في آخر رسالة له على هذه الأرض: «إني أشكر الله الذي أعبده من أجدادي بضمير طاهر كما أذكرك بلا انقطاع في طلباتي ليلاً ونهارًا مشتاقًا أن أراك ذاكرًا دموعك لكي امتليء فرحًا اذ أتذكر الإيمان العديم الرياء الذي سكن أولا في جدتك لوئيس وأمك أفنيكي ولكني موقن أنه فيكى ايضا

  5. #5
    من المشرفين القدامى
    القديسة( أنثوسا) Anthusa أم القديس يوحنا ذهبى الفم

    وإذا‏ ‏كان‏ ‏يوحنا‏ ‏ذهبي‏ ‏الفم‏ ‏من‏ ‏أعظم‏ ‏قديسي‏ ‏الكنيسة‏ ‏الجامعة‏ ‏ومعلميها‏,‏ومن‏ ‏أشهر‏ ‏آبائها‏,‏فلأمه‏ (‏أنثوسا‏) ‏فضل‏ ‏تنشئته‏ ‏في‏ ‏مخافة‏ ‏الله‏ ‏وتقواه‏,‏وقد‏ ‏رسمت‏ ‏له‏ ‏بسيرتها‏ ‏الطاهرة‏ ‏الخطوط‏ ‏العريضة‏ ‏لمسار‏ ‏حياته‏.‏
    إليك‏ ‏أيتها‏ ‏الأم‏ (‏أنثوسا‏) ‏تحيات‏ ‏تكريم‏ ‏وتقدير‏,‏لأنك‏ ‏وقد‏ ‏ترملت‏ ‏في‏ ‏شبابك‏ ‏الغض‏,‏لم‏ ‏تتطلعي‏ ‏إلي‏ ‏زواج‏ ‏وقد‏ ‏حام‏ ‏الشبان‏ ‏من‏ ‏حولك‏,‏وإنما‏ ‏آثرت‏ ‏الترمل‏ ‏علي‏ ‏الزواج‏ ‏الثاني‏...‏كثيرات‏ ‏علي‏ ‏مر‏ ‏الزمن‏ ‏ترملن‏ ‏في‏ ‏مثل‏ ‏سنك‏ ‏المبكر‏,‏ولكن‏ ‏منهن‏ ‏من‏ ‏تذمرت‏ ‏علي‏ ‏الله‏,‏أو‏ ‏جدفت‏ ‏عليه‏,‏أو‏ ‏حسدت‏ ‏غيرها‏ ‏ممن‏ ‏لم‏ ‏يصبهن‏ ‏ما‏ ‏أصابها‏,‏أو‏ ‏تشاءمت‏ ‏واسودت‏ ‏الدنيا‏ ‏في‏ ‏عينيها‏,‏وقالت‏:‏هذا‏ ‏قدري‏ ‏المشئوم‏ ‏ونصيبي‏ ‏الحزين‏,‏أو‏ ‏نظرت‏ ‏إلي‏ ‏نفسها‏ ‏علي‏ ‏أنها‏ ‏مظلومة‏ ‏بائسة‏ ‏عصفت‏ ‏بها‏ ‏الأيام‏,‏وقالت‏:‏لماذا ‏هذا؟‏ ‏وماذا‏ ‏صنعت‏ ‏من‏ ‏شر‏ ‏حتي‏ ‏يكون‏ ‏هذا‏ ‏نصيبي‏ ‏دون‏ ‏أترابي‏ ‏من‏ ‏البنات؟
    أما‏ ‏أنت‏ ‏يا‏ (‏أنثوسا‏) ‏فقد‏ ‏علوت‏ ‏علي‏ ‏التجربة‏,‏وارتفعت‏ ‏فوق‏ ‏الكارثة‏,‏ورفعت‏ ‏عينيك‏ ‏إلي‏ ‏السماء‏,‏فتحول‏ ‏الشر‏ ‏إلي‏ ‏خير‏,‏وقلت‏:‏هذه‏ (‏درجة‏ ‏روحية‏) ‏رفعني‏ ‏الرب‏ ‏إليها‏,‏فلماذا‏ ‏لا‏ ‏أقبلها‏ ‏بشكر؟‏!‏
    إن‏ (‏أنثوسا‏) ‏أم‏ ‏ذهبي‏ ‏الفم‏,‏فقد‏ ‏اختارت‏ ‏الطريق‏ ‏الأفضل‏,‏طريق‏ ‏الذين‏ ‏تبتلوا‏ ‏لله‏,‏وانقطعوا‏ ‏لعبادته‏ ‏وهي‏ ‏تواظب‏ ‏علي‏ ‏التضرعات‏ ‏والصلوات‏ ‏ليلا‏ ‏ونهارا‏.‏
    علي‏ ‏أن‏ (‏أنثوسا‏) ‏وجدت‏ ‏هدفا‏ ‏عزيزا‏ ‏آخر‏ ‏أوقفت‏ ‏له‏ ‏وعليه‏ ‏حياتها‏ ‏مع‏ ‏عبادتها‏ ‏المتواصلة‏.‏هذا‏ ‏الهدف‏ ‏هو‏ ‏تربية‏ ‏ابنها‏ ‏يوحنا‏ ‏التربية‏ ‏المسيحية‏ ‏المثالية‏.‏فلم‏ ‏تهمله‏,‏بل‏ ‏عاشت‏ ‏معه‏ ‏ومن‏ ‏أجله‏,‏ربته‏ ‏ولازمته‏ ‏وأعطته‏ ‏كل‏ ‏حبها‏ ‏ووقتها‏ ‏وجهدها‏,‏وأولته‏ ‏كل‏ ‏رعايتها‏.‏
    أن‏ (‏أنثوسا‏) ‏أم‏ ‏وإمرأة‏,‏ولم‏ ‏تكن‏ ‏لها‏ ‏شهرة‏ ‏ولدها‏ ‏القديس‏.‏ولكن‏ ‏فضلها‏ ‏علي‏ ‏الأجيال‏ ‏لا‏ ‏ينسي‏,‏لأنها‏ ‏هي‏ ‏التي‏ ‏ربته‏ ‏وأنشأته‏,‏وهي‏ ‏التي‏ ‏قدمته‏ ‏لله‏ ‏وللكنيسة‏ ‏وللعالم‏ ‏خير‏ ‏رجل‏ ‏مجمل‏ ‏بالفضائل‏.‏
    كان‏ ‏يمكنها‏ ‏أن‏ ‏تتزوج‏ ‏برجل‏ ‏يؤنس‏ ‏وحدتها‏ ‏ككل‏ ‏امرأة‏,‏ولكنها‏ ‏رأت‏ ‏أن‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏الزواج‏ ‏سيحتل‏ ‏في‏ ‏قلبها‏ ‏وفكرها‏ ‏مكانا‏ ‏يحتاجه‏ ‏ولدها‏,‏فآثرت‏ ‏أن‏ ‏تضحي‏ ‏براحتها‏ ‏وسعادتها‏ ‏حتي‏ ‏لا‏ ‏تنقص‏ ‏سعادة‏ ‏ولدها‏ ‏وراحته‏.‏
    فلما‏ ‏كبر‏ (‏يوحنا‏) ‏إلي‏ ‏سن‏ ‏المدرسة‏ ‏أرسلته‏ ‏أمه‏ ‏إلي‏ ‏إحدي‏ ‏المدارس‏ ‏في‏ ‏أنطاكية‏,‏وظل‏ ‏يرتقي‏ ‏في‏ ‏سلم‏ ‏الدراسة‏ ‏درجة‏ ‏درجة‏...‏وفي‏ ‏مرحلة‏ ‏الشباب‏ ‏انتظم‏ ‏دارسا‏ ‏في‏ ‏مدرسة‏ ‏للبيان‏ ‏أنشأها‏ ‏الخطيب‏ ‏الشهير‏ (‏ليبانيوس‏) (314-‏حوالي‏ 393) ‏في‏ ‏أنطاكية‏,‏وتتلمذ‏ ‏عليه‏ (‏يوحنا‏) ‏كما‏ ‏تتملذ‏ ‏عليه‏ ‏القديس‏ ‏باسيليوس‏ ‏الكبير‏,‏ونال‏ ‏يوحنا‏ ‏أعلي‏ ‏شهادة‏ ‏في‏ ‏زمانه‏ ‏في‏ ‏الفصاحة‏ ‏والبلاغة‏ ‏كما‏ ‏مضي‏ ‏إلي‏ ‏أثينا‏ ‏ودرس‏ ‏الحكمة‏ ‏والفلسفة‏ ‏في‏ ‏مدارسها‏ ‏ثم‏ ‏ذهب‏ ‏إلي‏ ‏الإسكندرية‏ ‏وأمضي‏ ‏في‏ ‏مدرستها‏ ‏اللاهوتية‏ ‏الشهيرة‏ ‏خمس‏ ‏سنوات‏,‏عاد‏ ‏بعدها‏ ‏إلي‏ ‏بلده‏ ‏أنطاكية‏ ‏شابا‏ ‏مرموقا‏ ‏يشار‏ ‏إليه‏ ‏بالبنان‏,‏وصار‏ ‏محط‏ ‏أنظار‏ ‏الناس‏ ‏جميعا‏.‏وكاد‏ ‏يوحنا‏ ‏يتيه‏ ‏عن‏ ‏نفسه‏ ‏في‏ ‏جو‏ ‏الإعجاب‏ ‏الذي‏ ‏أحاط‏ ‏به‏ ‏وهو‏ ‏شاب‏ ‏صغير‏,‏لولا‏ ‏أن‏ ‏تلقفته‏ ‏يد‏ ‏صديق‏ ‏مخلص‏ ‏هو‏ ‏حبيب‏ ‏عمره‏ (‏باسيليوس‏) ‏الذي‏ ‏رافقه‏ ‏وزامله‏,‏وزين‏ ‏له‏ ‏حياة‏ ‏القداسة‏,‏وأقنعه‏ ‏ببطلان‏ ‏الحياة‏ ‏الدنيا‏,‏وأبرز‏ ‏له‏ ‏تفاهة‏ ‏الأرضيات‏ ‏بإزاء‏ ‏السمائيات‏,‏وزوال‏ ‏الزمنيات‏ ‏بإزاء‏ ‏الأبديات‏,‏فأصغي‏ ‏إلي‏ ‏نصائح‏ ‏صديقه‏,‏وتنبهت‏ ‏فيه‏ ‏تعاليم‏ ‏أمه‏ (‏أنثوسا‏) ‏التي‏ ‏أرضعته‏ ‏إياها‏ ‏مع‏ ‏لبن‏ ‏الرضاعة‏,‏فتشددت‏ ‏روحه‏,‏واعتزم‏ ‏علي‏ ‏أن‏ ‏يتبتل‏ ‏منقطعا‏ ‏لخدمة‏ ‏الله‏ ‏في‏ ‏أحد‏ ‏الأديار‏,‏فعلمت‏ ‏أمه‏ ‏بذلك‏,‏ومع‏ ‏ابتهاجها‏ ‏بتقواه‏ ‏ومسيرته‏ ‏في‏ ‏طريق‏ ‏الكمال‏ ‏المسيحي‏,‏إلا‏ ‏أنه‏ ‏آلمها‏ ‏أن‏ ‏يتركها‏ ‏وحيدة‏,‏وهي‏ ‏التي‏ ‏بذلت‏ ‏في‏ ‏سبيله‏ ‏حياتها‏,‏فأخذت‏ ‏تبكي‏ ‏متضرعة‏ ‏إليه‏ ‏أن‏ ‏يرجئ‏ ‏أمر‏ ‏رهبنته‏ ‏حتي‏ ‏توفي‏ ‏أيامها‏ ‏وتنتقل‏ ‏إلي‏ ‏العالم‏ ‏الآخر‏,‏فبكي‏ ‏لبكائها‏,‏واقتنه‏ ‏بكلامها‏,‏وعدل‏ ‏مؤقتا‏ ‏عن‏ ‏مفارقتها‏,‏وبقي‏ ‏معها‏ ‏في‏ ‏البيت‏ ‏عابدا‏,‏وكان‏ ‏لا‏ ‏يخرج‏ ‏إلا‏ ‏لعمله‏ ‏ثم‏ ‏عود‏ ‏إلي‏ ‏عكوفه‏ ‏وصلواته‏.‏

  6. #6
    من المشرفين القدامى
    وفي‏ ‏هذه‏ ‏الأثناء‏ ‏رسمه‏ ‏البطريرك‏ ‏ملاتيوس‏ (360-381) ‏شماسا‏ ‏برتبة‏ (‏قارئ‏) ‏للفصول‏ ‏الكنسية‏ (‏أناغنوستيس‏) ‏وظل‏ ‏يخدم‏ ‏مع‏ ‏البطريرك‏ ‏مدة‏ ‏ثلاث‏ ‏سنوات‏.‏وحدث‏ ‏أن‏ ‏توفي‏ ‏اثنان‏ ‏من‏ ‏أساقفة‏ ‏الكرسي‏ ‏الأنطاكي‏,‏فكان‏ ‏طبيعيا‏ ‏أن‏ ‏تتجه‏ ‏الأنظار‏ ‏إلي‏ (‏يوحنا‏) ‏وإلي‏ ‏صديقه‏ (‏باسيليوس‏) ‏الذي‏ ‏كان‏ ‏قد‏ ‏انتظم‏ ‏في‏ ‏سلك‏ ‏الرهبنة‏.‏ولما‏ ‏كان‏ ‏يوحنا‏ ‏يعرف‏ ‏ما‏ ‏اتصف‏ ‏به‏ ‏باسيليوس‏ ‏من‏ ‏فضائل‏,‏فقد‏ ‏استدعاه‏ ‏إليه‏,‏فلبي‏ ‏دعوته‏ ‏وترك‏ ‏صومعته‏ ‏ونزل‏ ‏إليه‏,‏فأخذ‏ (‏يوحنا‏) ‏يلح‏ ‏علي‏ ‏باسيليوس‏ ‏بقبول‏ ‏الرسامة‏,‏فاعتذر‏ ‏باسيليوس‏ ‏بحرارة‏ ‏وشدة‏,‏ولم‏ ‏يثنه‏ ‏عن‏ ‏رأيه‏ ‏إلا‏ ‏وعد‏ ‏من‏ ‏صديقه‏ ‏يوحنا‏ ‏بأن‏ ‏يقبل‏ ‏هو‏ ‏أيضا‏ ‏السيامة‏ ‏الأسقفية‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏يقبلها‏ ‏باسيليوس‏,‏وهكذا‏ ‏نجح‏ ‏يوحنا‏ ‏في‏ ‏رسامة‏ ‏باسيليوس‏ ‏أسقفا‏ ‏علي‏ ‏مدينة‏ (‏رافانه‏) ‏بالقرب‏ ‏من‏ ‏أنطاكية‏.‏أما‏ ‏يوحنا‏ ‏نفسه‏ ‏فلما‏ ‏جاء‏ ‏دوره‏ ‏للسيامة‏ ‏هرب‏ ‏منها‏,‏واعتزل‏ ‏في‏ ‏أحد‏ ‏الأديرة‏ ‏البعيدة‏,‏فأرسل‏ ‏إليه‏ ‏صديقه‏ ‏باسيليوس‏ ‏يؤنبه‏ ‏علي‏ ‏تخليه‏ ‏عن‏ ‏وعده‏ ‏له‏,‏وخيانته‏ ‏لعهده‏ ‏معه‏,‏فكتب‏ ‏إليه‏ (‏يوحنا‏),‏لا‏ ‏خطابا‏ ‏بل‏ ‏كتابا‏,‏في‏ ‏عظمة‏ ‏سر‏ ‏الكهنوت‏ ‏وجلاله‏,‏من‏ ‏أعظم‏ ‏ما‏ ‏خلفه‏ ‏لنا‏ ‏أباء‏ ‏الكنيسة‏ ‏من‏ ‏تراث‏ ‏أدبي‏ ‏روحاني‏ ‏لاهوتي‏,‏وأصر‏ ‏يوحنا‏ ‏علي‏ ‏عدم‏ ‏أهليته‏ ‏شخصيا‏ ‏لقبول‏ ‏تلك‏ ‏الكرامة‏,‏ولكنه‏ ‏عاد‏ ‏بعد‏ ‏حين‏ ‏إلي‏ ‏عمله‏ ‏مع‏ ‏البطريرك

  7. #7
    من المشرفين القدامى
    رسالة للقديسة أنثوسا لأبنها يوحنا ذهبى الفم

    من رسالة إلى ابنها القديس يوحنا الذهبي الفم
    " الصديق الأمين دواء الحياة" (إبن سيراخ 16:6). "الصديق الأمين ملجأ حصين" (إبن سيراخ 14:6).

    ما هو الأمر الذي لا يفعله الصديق الأصيل؟ أيّة سعادة لا يخلقها لنا؟ أيّة منفعة وأي أمان؟ قد تسمّي ألف كنز ولكن أيّاً منها لا يقارَن بصديق حقيقي.

    لنذكر أولاً كم من السعادة تجلب الصداقة. الصديق وضّاء بالفرح، وهو يفيض عندما يرى صديقه. لإنّه متحد به بوحدة هي للنفس سعادة لا تُوصَف. إنّ مجرد تفكيره به يجعله مرتفعاً ومحمولاً بفكره. أتحدث عن الأصدقاء الأصيلين المتفقين. الذين قد يختارون الموت من أجل أصدقائهم، من أجل الذين يحبونهم بحرارة. لا تتخيّل أنك قادر على على ردّ ما أقول عن طريق وصف أولئك الذين يحبون بخفة ويجالسونك المائدة (إبن سيراخ 10:6) وليس لك بهم إلا معرفة ضئيلة. مَن عنده صديق كالذي أصف يفهم كلامي. إنّه يصلّي من لصديقه كما لنفسه. أعرف رجلاً، إذا طلب الصلاة من اشخاص قديسين، يطلبها لصديقه أولاً ثم لنفسه.

    إن الصديق الحقيقيّ هو ذلك الذي تصبح الأوقات والأماكن محبوبة بسببه. إذ، كما أن الأشياء المشعّة ترمي بلمعانها على الأماكن المجاورة، كذلك الأصدقاء يضفون نعمتهم على الأماكن التي يكونون فيها. ونحن في أكثر الأوقات، عندما نقف في هذه الأماكن بدون أصدقائنا، ننوح ونتنهد لتذكرنا الأيام التي كنّا فيها معاً.

    ليس ممكناً التعبير من خلال الكلمات عن السعادة التي يسببها وجود الأصدقاء، إنما الذين اختبروها يعرفونها. يستطيع المرء أن يطلب خدمة من صديق، ويحصل عليها بدون أي ريبة. عندما يطلب الأصدقاء منا أي شيء نكون ممتنين لهم ونحزن عندما يبطئون بالطلب. نحن لا نملك شيئاً ليس لهم. وغالباً، مع أننا نمقت كل الأشياء الأرضية، ‘لا إننا لا بسببهم لا نرغب بالرحيل عن هذه الحياة، وهم مرغوبون عندننا أكثر من النور. نعم، بالواقع، الصديق مرغوب أكثر من الضوء نفسه. أتحدث عن الصديق الأصيل. لا تعترض، قد نفضّل أن تُطفأ الشمس من أن نُحرَم الأصدقاء. قد نفضّل أن نعيش في الظلام من أن نعيش بدون أصدقاء. وكيف اقول هذا؟ لأن كثيرين من الذين يرون الشمس هم في الظلام. أما الأغنياء بالأصدقاء فلا يكونون في محنة أبداً. أتحدث عن الأصدقاء الروحيين الذين لا يضعون شيئاً فوق الصداقة. هكذا كان بولس، الذي أراد طوعياً أن يضحي بنفسه، من دون أن يسألن واراد طوعياً ان يسقط في الجحيم من أجل إخوته (روما 3:9). بهذه عاطفة تتأجج المحبة. خذْ هذا مثلاً عن الصداقة. الأصدقاء يتخطون الآباء والبنين، أي الأصدقاء بحسب المسيح.

  8. #8
    من المشرفين القدامى
    الصداقة هي أمر عظيم وعظمتها لا نتعلمها بالدرس أو بكلمات الشرح، إنما فقط بالخبرة نفسها. ذاك لأن غياب المحبة جلب الهرطقات وجعل الأمم عبّاد وثن. إن الذي يحب لا يتمنّى أن يحكم أو أن يتسلّط، بل بالأحرى يكون أكثر امتناناً إذا تلقّى طلبات. إنّه يفضّل أن يقدّم الخدمات بدل أخذها لأنّه يحب والأخذ لا يشبع شهوته. إنه لا يبتهج في اختبار اللطف كما في أن يكون لطيفاً لأنه يفضّل أن يحفظ صديقه على ارتباط معه بدل أن يكون مديوناً له، أو بالأحرى إنه يتمنى أن يكون مديوناً لصديقه وأن يكون صديقه الدائن. إنه يتمنى أن يمنح الخدمات لا كَمَن يقدم خدمات بل كَمَن يفي ديناً.

    عندما تُفقَد الصداقة، نحن نربك بخدماتنا الذين نخدمهم ونضخم الأمور الصغيرة. إنما عندما توجد الصداقة فنحن نكتم الخدمات ونتمنى أن نُظهِر الأمور الكبيرة كصغيرة حتى نظهر صديقنا كمديون لنا بل على العكس كدائن ونحن كمديونين. أنا أعرف أنّ كثيرين لا يفهمون ذلك، إنّما السبب هو أنني أتحدث عن أمر سماوي. إنّه كما لو أني أتحدث عن بعض النباتات التي تنمو في الهند والتي لم يختبرها أحد. لا تستطيع اللغة أن تظهر هذه النبتة حتى ولو استعملنا عشرات الآلاف من الكلمات. حتى الآن، كل ما أقوله يبقى بلا جدوى لأن أحداً لا يقدر ان يصفها. هذه النبتة قد غُرسَت في الملكوت، وأغصانها محملة لا بالجواهر بل بالحياة التي لا تنتهي، الحياة الأكثر متعة من الجواهر

  9. #9
    من المشرفين القدامى
    ولكن عن أي نوع من المتعة أنت ترغب ابلكلام؟ أهي المتعة الشائنة أم المتعة الفاضلة؟ إن حلاوة الصداقة تتخطى كل المتع الأخرى. أنت قد تذكر حلاوة العسل، غير أن العسل قد يؤدي إلى التخمة، بينما الصديق لا يتخم طالما هو صديق. تزداد الشهوة عند إرضائها، بينما هذه المتعة لا يمكنم لها أن تتركنا مشبَعين. إن الصديق أكثر حلاوة من الحياة الحاضرة. لهذا، يتمنى كثيرون الموت بعد رحيل أصدقائهم. مع الصديق، يصبح النفي محمولاً بينما من دونه لا يختار أحد العيش حتّى في موطنه. حتّى الفقر محمول مع الصديق والغنى والصحة لا يطاقان من دونه.

    أن يكون عندك صديق هو أم يكون عندك نفس أخرى. إنه الانسجام والتناغم اللذين لا يساويهما شيء. في هذا يساوي الواحد كثرة. إذ لو اتّحد إلإثنان أو عشرة، فإن كلاً منهم لا يعود واحداً بل يصبح لكل منهم قدرة العشرة وقيمتهم. وسوف تجد الواحد في العشرة والعشرة في الواحد. إذا كان لهم عدو، فهو لا يهاجم الواحد بل العشرة، وبالتالي لا يُهزَم ولا يتراجع من الواحد بل من العشرة. إذا وقع واحد منهم في عوز، فهو ليس مهجوراً لأنه يزدهر بجزئه الأكبر، أي بالتسعة، ويكون جزؤه الأضعف في أمان أي أن الجزء الأصغر يزهو. لكل منهم عشرون يد وعشرون عين والعدد نفسه من الأرجل, لأنه لا ينظر بعينيه الشخصيتين فقط بل بأعين الكل. إنه لا يسير برجليه الشخصيتين فقط بل بأرجل الكل ولا يعمل بيديه فقط بل بأيدي الكل. إن له عشرة أنفس، لأنه لا يهتم لنفسه بل التسعة الآخرون يهتمون له. ولو كانوا مئة فالأمر نفسه سوف يحدث والقدرة سوف تزداد.

  10. #10
    من المشرفين القدامى
    أنظر إلى فضيلة المحبة التي من الله! كيف أنها تجعل شخصاً واحداً غير مقهولر ومساوياً لكثيرين. كيف يمكن للشخص الواحد أن يكون في أماكن مختلفة. أن يكون الشخص في روما وفي بلاد فارس في آن واحد، ما تعجز الطبيعة عن عمله تعمله المحبة. إذ إن جزءً من المرء سوف يكون هناك وجزء آخر هنا. بل بالأحرى سوف يكون كله هناك وكله هنل. وإذا كان له ألق صديق، والفان، تصوّر إلى أي ذروة ترتفع قوته. أترى كم أن المحبة هي أمر نافع؟ إنه لأمر رائع: أن تجعل المرء ألف صعف. إذاً السؤال هو: لمَ لا نحوز هذه القوة ونضع أنفسنا في أمان؟ إنها أفضل من كل قوة ومن كل فضيلة. إنها أكثر من الصحة وأفضل من ضوء النهار نفسه. إنها الفرح. إلى متى نحتجز محبتنا في شخص أو اثنين؟

    تعلّم من اعتبار العكس. لنفرض أن شخصاً ما لا اصدقاء له، هذا غاية الجهل ("يقول الأحمق لا صديق لي" ابن سيراخ 16:20). ما هو نوع الحياة التي يحياهاهذا الشخص؟ حتى ولو كان عنده غنى مضاعفاً ألف مرة، ولو كام يعيش في الوفرة والرفاهية ويمتلك أضعافاً من الأشياء الجيدة، فهو محروم بالمطلق وعارٍ. ولكن مع الأصدقاء الأمر مختلف. حتى ولو كانوا فقراء فمعهم أكثر من الأغنياء. ما لا يجازف امرء بقوله لنفسه، فإن صديقه يقوله له. وما لا يستطيع تأمينه لنفسه، فيستطيع تأمين أكثر منه من خلال الآخرين. وهكذا يكون الصديق لنا سبباً لكل سعادة وفرح. لأنه من المستحيل أن يُصاب مرء ما بأذى وهو محاطٌ بكثرة من الحراس. حتى حراس الإمبراطور الشخصيون ليسوا حريصين كما الأصدقاء. فأولئك يحرسون بالخوف من النظام أما هؤلاء فبالمحبة. المحبة أكثر إلزاماً من الخوف. بالواقع، قد يخشى الملك حراسه أما الصديق فيثق بأصدقائه أكثر من نفسه وبسببهم لا يخشى المتآمرين عليه.

صفحة 1 من 5 123 ... الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال