هل كان ضرورياً أن
يُصلب
سيدنا المسيح؟
نعم، قارئي الكريم، كان ضرورياً أن يُصلب الرب يسوع المسيح ليتمم عمل الفداء الذي أتى من أجله إلى العالم، كي يتبرر كل من يؤمن من الجنس البشري من خطيئته بواسطة صلبه وموته نيابة عنه، ثم قيامته ظافراً منتصراً.
إذ أن موت المسيح على الصليب كان كفارة، أو بمثابة ذبيحة لمغفرة الخطايا. فالمسيح البار مات على الصليب بدلاً من الناس الخطاة حتى يتبرروا هم بموته، أي يتحرروا أو يتخلّصوا من الخطيئة. فالخطيئة دخلت إلى العالم بواسطة آدم الأول، والخلاص من الخطيئة هو بواسطة آدم الأخير أي المسيح، كما جاء في الكتاب المقدس "لأنه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيُحيا الجميع"(1كورنثوس22:15).
عندما نرجع إلى الكتاب المقدس، نقرأ في سفر التكوين قصة الخليقة ومن ضمنها قصة تعدي أبوينا الأولين آدم وحواء لوصية الله. فنلاحظ أن آدم وحواء أخطآ منذ بداية الخليقة، وبعصيانهما ومخالفتهما شرائع الله دخلت الخطيئة إلى العالم. ومفاد ذلك كما ورد في سفر التكوين، أنه بعد ما خلق الله آدم وحواء ووضعهما في جنة عدن، أوصاهما أن يأكلا من كل شجر الجنة ما عدا شجرة معرفة الخير والشر. ولكن آدم وحواء لم يطيعا، بل عصيا أوامر الله وأكلا من الشجرة المحرّمة. فغضب الله عليهما وعلى الحية التي أغرت آدم وحواء، وقال للحية: "ملعونة أنتِ من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية. على بطنك تسعين وتراباً تأكلين كل أيام حياتك. وأضع عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها، هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه" (تكوين 14:3و15).
وغضب الله على آدم وحواء وطردهما من الجنة. من هنا بدأت خطيئة الإنسان، فأصبح الناس يتوارثون الطبيعة الخاطئة عن أبويهم آدم وحواء. وهنا كان الوعد من الله بأنه سيرسل المسيح من نسل المرأة (أي من عذراء وليس من نسل رجل) ليسحق رأس الحية، أي الشيطان. ويشير الكتاب المقدس بهذا الصدد إلى أن كل الناس خطاة فيقول: "الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رومية 23:3). ونقرأ أيضاً في الرسالة إلى رومية: "من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطيئة الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع" (رومية 12:5). وبما أن الجميع خطاة لا يستطيعون تتميم وصايا الله، فقد حاول بعض منهم في العهد القديم، أي قبل مجيء المسيح، لأن يكفروا عن خطاياهم بطرق مختلفة.
وبالرجوع إلى العهد القديم من الكتاب المقدس، نلاحظ أن الذبائح كانت تقدّّم لله علامة للتكفير عن الخطايا والتوبة إلى الله. وكانت تلك الذبائح تُقدَّم بطرق مختلفة، فنلاحظ أن نوحاً قدّم ذبائح لله، "وبنى نوح مذبحاً للرب. وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقات على المذبح" (تكوين 20:8).
كما أن الله عندما أراد أن يختبر إيمان إبراهيم الخليل، طلب منه أن يقدّم ابنه ذبيحة له. وعندما همّ إبراهيم بذبح ابنه، افتداه الله، فأرسل كبشاً قدّمه إبراهيم ذبيحة لله بدل ابنه.
ما علاقة هذه الذبائح بموت المسيح؟
إن تلك الذبائح والحملان كانت تُقدَّم للتكفير عن الخطايا، ولكنها في الوقت نفسه كانت تشير أو بالأحرى ترمز إلى المسيح، الذي سفك دمه بدلاً عن الخطاة. ويقول الكتاب المقدس: "... بدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عبرانيين 22:9). فالمسيح الذي يُشار إليه بأنه "حمل الله"، هو الذي وعد الله بإرساله، ليضع حداً لعهد الذبائح والمحرقات، ويفتدي العالم بذبيحة واحدة هي المسيح نفسه، ويشير الكتاب المقدس إلى المسيح: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم".
"الذي حمل هو نفسه (أي المسيح) خطايانا في جسده على الخشبة (أي على الصليب)، لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر، الذي بجلدته (أي بضرباته) شُفيتم" (1بطرس 24:2)، "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا 16:3).
الصليب حقيقة تاريخية
لقد مات المسيح مصلوباً من أجل خطايانا، ودُفن، وقام في اليوم الثالث حسب نبوءات التوراة المقدسة.
فقد جاء في إشعياء 4:53-6 النبوءة التالية:
"لكن أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحمَّلها. ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً. وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا، تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا، مِلنا كل واحد إلى طريقه، والرب وضع عليه (على المسيح المصلوب) إثم جميعنا".
وقد قال الرب يسوع المسيح عن نفسه، بأنه سيُصلب، والمسيح أصدق الصادقين.
"من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يُظْهِر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم، ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويُقتل، وفي اليوم الثالث يقوم" (متى 21:16).
عندما كان الرب يسوع المسيح على أرضنا أجرى معجزات كثيرة، ولو أنه أراد أن ينجي نفسه من الصليب لفعل، ولم يكن أحد يستطيع أن يصلبه لو أنه رفض، لكنه جاء من أجل فدائنا على الصليب. لقد قال عن نفسه إنه جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك.. جاء ليبذل نفسه فدية عن كثيرين. وقال عن نفسه: "أنا هو الراعي الصالح والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف"، فالسيد المسيح جاء ليخلصنا بذبيحة نفسه.