﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ﴾
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
تمهيد
فضل قراءة سورة الكوثر:
1ـ عن أبي بصيرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: من كانت قراءته «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» في فرائضه، ونوافله سقاه الله من الكوثر يوم القيامة، وكان محدثه عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أصل طوبى(1).
2ـفي حديث أُبي، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قرأها سقاه الله من أنهار الجنة، وأعطي من الأجر بعدد كل قربان قربه العباد في يوم عيد، ويقربون من أهل الكتاب والمشركين(2).
3ـ وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من قرأها سقاه الله من نهر الكوثر، ومن كل نهر الكوثر، ومن كل نهر في الجنة.
ـــــــــــــــ
(1)تفسير البرهان ج4 ص511 وتفسير نور الثقلين ج5 ص680 عن ثواب الأعمال للشيخ الصدوق.
(2)تفسير نور الثقلين ج5 ص680 عن مجمع البيان.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
/صفحة 16/
ومن قرأها ليلة الجمعة مئة مرة مكملة، رأى النبي في منامه بإذن الله تعالى.
4ـ وقال الصادق (عليه السلام): من قرأها بعد صلاة يصليها نصف الليل سراً من ليلة الجمعة ألف مرة مكملة رأى النبي (صلى الله عليه وآله) في منامه بإذن الله تعالى.
5ـ روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من قرأ هذه السورة سقاه الله تعالى من نهر الكوثر، ومن كل نهر في الجنة، وكتب له عشر حسنات بعدد كل من قرب قرباناً من الناس يوم النحر، ومن قرأها ليلة الجمعة مئة مرة رأى النبي (صلى الله عليه وآله) في منامه رأي العين، لا يتمثل بغيره من الناس إلا كما يراه(1).
سبب نزول سورة الكوثر:
قد ذكرت كتب الحديث والتفسير: أن سبب نزول سورة الكوثر هو: أن عمرو بن العاص قد وصف
ـــــــــــــــ
(1) راجع الأحاديث السابقة في كتاب : البرهان في تفسير القرآن ج4 ص512.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
/صفحة 17/
النبي (صلى الله عليه وآله) بالأبتر، فأنزل الله سورة الكوثر على نبيه في هذه المناسبة(1).
وقيل: إن العاص بن وائل السهمي هو الذي قال ذلك، فنزلت السورة.
وفي رواية أخرى: أن النبي (صلى الله عليه وآله) مر ـ وهو آتٍ من جنازة ولده القاسم ـ على العاص بن وائل، وابنه عمرو، فقال حين رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله): إني لأشنؤه.
فقال العاص بن وائل: لا جَرَمَ لقد اصبح أبتر، فأنزل الله: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ﴾(2).
هذا هو المعروف في سبب نزول هذه السورة، وفيما ذكرناه كفاية، ولا يهمنا تقصي الروايات.
الإخبارات الغيبية في سورة الكوثر:
إن من جملة دلائل إعجاز سورة الكوثر هو الإخبارات الغيبية التي تضمنتها حيث جاء فيها:
1ـأنها أخبرت عن أن الله سبحانه، قد أعطى نبيه
ـــــــــــــــ
(1) تفسير البرهان، ج4 في تفسير سورة الكوثر.
(2) تفسير الميزان، ج20 ص372.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
/صفحة 18/
كوثراً من النسل من خلال فاطمة الزهراء (عليها السلام).. نعم، أعطاه تعالى كوثراً من الخير، والبركات، وامتداد الدعوة.
وقد جاء هذا الإخبار الصادق في بدء الدعوة، حينما مات أبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان أمر الدعوة ضعيفاً، وموهوناً، وحيث لم يكن ثمة أي بارقة أمل بتبدل الأوضاع والأحوال، إلا من خلال الإيمان بصدق وعد الله سبحانه.
2ـ ثم أخبرت عن أن كل شانئ لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، لسوف يكون أبتر. بما فيهم ذلك الذي فعل ذلك أوائل بعثته (صلى الله عليه وآله). رغم أنه كان له أولاد يأمل بامتداد حياته من خلالهم.
وقد ذكر الله كلا الخبرين عن الغيب مع مزيد من التأكيد والإصرار كما يظهر لمن تأمل الآيات الكريمة الواردة في السورة.
سورة الكوثر مكية:
وقد اختلفوا في هذه السورة، هل هي مكية أم مدنية؟
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
/صفحة 19/
والأرجح أنها نزلت في مكة؛ لأنها نزلت رداً على ذلك الذي آذى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتلك الطريقة الوقحة، حينما مات أبناؤه، حيث شمت به عمرو بن العاص أو العاص بن وائل، وتنقّصه، ووصفه بالأبتر، أي الذي لا عقب له.
ربط القيم بالأمور الواقعية:
ويرد هنا سؤال، وهو أن وصف النبي بالأبتر، وتعييره بانقطاع نسله، لا يعدو أن يكون أمراً شخصياً، فهل أن هذه المسألة الشخصية هي من الأهمية بحيث أن الله سبحانه وتعالى ينزل سورة يخلد فيها هذا الأمر، ويفرض قراءتها على العالمين؟
وما هي الحكمة التي اقتضت ذلك؟!
ونقول في الجواب: إن السورة وإن كانت قد عالجت ـ بحسب الظاهر ـ أمراً شخصياً وخاصاً، هو الذي اقتضى نزولها. ولكنها على أي حال قد تضمنت بيان قواعد وضوابط، وسنناً إلهية مهمة في حياة البشر هي التي اقتضت إفراد صورة خاصة.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
/صفحة 20/
وفي القرآن نظائر كثيرة لهذا الأمر، حيث نجد أن الله سبحانه قد ربط قضايا كثيرة بأحداث واقعية، يستجيب لها هذا الإنسان في أحاسيسه، وفي مشاعره، وفي وعيه..
وليكن من جملة ذلك قوله تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى الله﴾(1)، فإنها وإن كانت أيضاً قضية شخصية، بحسب الظاهر، ولكنها تتحرك في نطاق الوعي الإسلامي العام، وفي دائرة ضوابطه ومنطلقاته، ومُثُلِه، وقِيَمِه.
وكذلك الحال في قوله تعالى: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾(2). حيث بينت الآية أن المال ليس هو الذي يقرّر مصير الإنسان، وليس هو الذي يتحكّم بمستقبل الحياة.
فالمقصود إذن هو إعطاء الضابطة الحياتية الحاسمة في أمرٍ هو أهمّ شيء يمسّ الإنسان في مجال الإغراء،
ـــــــــــــــ