المهر القليل
المهر القليل مما أكد عليه الإسلام، وذلك تسهيلاً لأمر الزواج، وقد ورد أن خير نسائكم أقلهن مهراً(53)، وهكذا كان زواج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأهل البيت (عليهم السلام)بمهر قليل.
فإن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)تزوج خديجة (عليها السلام) ومهرها ـ حسب بعض الروايات ـ اثنتا عشرة أوقية ونش(54).
عن حماد بن عيسى قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «قال أبي: ما زوج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)شيئاً من بناته ولا تزوج شيئاً من نسائه على أكثر من اثنتي عشرة أوقية ونش، يعني نصف أوقية»(55).
وفي حديث آخر: «ما تزوج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)شيئاً من نسائه، ولا زوج شيئاً من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية ونش، والأوقية أربعون درهما والنش عشرون درهما»(56).
إسلام السيدة خديجة (عليها السلام)
من الاُمور المتّفق عليها لدى الجميع أنّ السيّدة خديجة (عليها السلام) هي أوّل امرأة أسلمت وآمنت برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وقد بقيت تصلّي مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)سرّاً ما شاء الله، فعن عفيف الكندي قال: جئت في الجاهلية إلى مكة وأنا اُريد أن ابتاع لأهلي من ثيابها وعطرها، فنزلت على العباس بن عبدالمطّلب، قال: فأنا عنده وأنا أنظر إلى الكعبة وقد حلّقت الشمس، فارتفعت إذ أقبل شاب حتى دنا من الكعبة فرفع رأسه إلى السماء فنظر ثم استقبل الكعبة قائماً مستقبلها، فما لبثت إلاّ يسيراً حتى جاء غلام حتى قام عن يمينه ثم ما لبثت إلاّ يسيراً حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما ثم ركع الشاب، فركع الغلام وركعت المرأة، ثم رفع الشاب رأسه ورفع رأسه الغلام ورفعت المرأة رأسها، ثم خرّ الشاب ساجداً وخرّ الغلام ساجداً وخرّت المرأة، قال: فقلت: يا عباس إنّي أرى أمراً عظيماً.
فقال العباس: أمر عظيم، هل تدري مَن هذا الشاب؟
قلت: لا ما أدري.
قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطّلب ابن أخي، هل تدري مَن هذه؟
قلت: لا أدري.
قال: هذه خديجة بنت خويلد زوجة ابن أخي هذا، إنّ ابن أخي هذا الذي ترى حدّثنا إنّ ربّه ربّ السماوات والأرض، أمره بهذا الدين الذي هو عليه، والله ما علمت على ظهر الأرض كلّها على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة(57).
وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول لخديجة (عليها السلام) ويخبرها بما يأتيه من قبل أن ينبأ به، وما يراه في منامه، وتخبره هي بقول ورقة، فلمّا أتاه الوحي من عند الله عزوجل بالرسالة أخبرها بذلك ودعاها إلى الإسلام، فأسلمت، كما أسلم علي (عليه السلام) فكانا أوّل مسلمين به(58).
معزّة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)للسيّدة خديجة (عليها السلام)
كانت للسيّدة خديجة (عليها السلام) معزّة خاصّة في قلب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وذلك لمناصرتها لـه وإيمانها السريع به وتصديقها إيّاه و...
فعن عائشة قالت: سمع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)صوت هالة بنت خويلد … فقال: ما رأيت كاليوم صوتاً أشبه بصوت اُمّ هند ـ يعني خديجة ـ من هذا الصوت.
قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله ما يذكّرك عجوزاً من عجائز قريش!
فغضب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)غضباً شديداً لم أره غضب مثله قبله ولا بعده، ثم قال: لا تذكري اُمّ هند، فقد كانت لها منّي اثنتان، أول من آمنت بي ورزقت منّي الولد، وحرمتيه(59).
بل إنّها كانت أحبّ أزواجه إليه وأكرمهنّ عليه وأفضلهنّ عنده واُمّ بنيه وبناته ومسليته ـ كما ذكر(صلى الله عليه وآله وسلم)ـ ومفرّجة غمومه، ولم يكن بينه وبينها اختلاف أيام حياتها حتى قبضت وهو عنها راضٍ ولها شاكر، رحمة الله ورضوانه تعالى عليها.
أولاد السيّدة خديجة (عليها السلام)
إنّ أولاد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)كلّهم من السيّدة خديجة (عليها السلام) إلاّ إبراهيم.
أمّا إبراهيم فهو من السيّدة مارية القبطية، وقد ولد بالمدينة وعاش سنة وعشرة أشهر وثمانية أيام، ومات بالمدينة ودفن في البقيع(60).
فأنجبت السيدة خديجة (عليها السلام) من الأولاد: القاسم والطيّب، وقد ماتا بمكّة صغيرين.
وأنجبت من البنات: زينب واُمّ كلثوم ورقية وفاطمة.
وكلّهن متن من أثر الضرب في حياة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ما عدا السيّدة الزهراء (عليها السلام) التي ماتت شهيدة مظلومة بعد وفاة أبيها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وكانت أول من التحق به من أهل بيته.
وفاة السيّدة خديجة (عليها السلام)
توفّيت أم المؤمنين السيّدة خديجة (عليها السلام) بمكة في السنة الثالثة قبل الهجرة.
وقد حزن عليها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كثيراً.
وكان الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)بشرها بمكانها في الجنة، فإنه لمّا حضرتها الوفاة دخل عليها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فقال لها: تكرهين ما أرى منك وقد جعل الله من الكره خيراً.
وعند دفنها نزل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في حفرتها وأدخلها القبر بيده الشريفة في الحجون(61).
فكانت وفاتها مصيبة عظيمة على قلب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وقد تبعتها مصائب وكوارث تحمّلها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)برباطة جأش وصبر على المكاره ورضاء من الحق عزّوجلّ.
وقد كانت وفاة السيّدة خديجة (عليها السلام) وأبي طالب (عليه السلام) في عام واحد قبل الهجرة بثلاث سنين، أي في السنة العاشرة من البعثة بعد خروج بني هاشم من الشعب(62).
وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: «ما اغتممت بغمّ أيام حياة أبي طالب وخديجة».
لما كان أبو طالب (عليه السلام) يدفعه عنه وخديجة (عليها السلام) تعزّيه وتصبّره وتهوّن عليه ما يلقاه في ذات الله عزّوجلّ(63).
ولذا عند ما توفي عمه أبوطالب وزوجته خديجة سمى ذلك العام بعام الحزن(64).
فرضوان الله تعالى عليها.