"التجنيد الإلزامي"، مصطلح عالق في أذهان الأجيال العراقية على مدى عقود طويلة، قررت وزارة الدفاع طرحه مجدداً لعله يقر في مجلس النواب "درءا للمخاطر" التي تواجه البلد، لكنها تلقت ردود فعل متباينة تماماً.

يبحث أغلبية الشباب في العراق عن حياة آمنة بعيداً عن الحرب والموت، والبعض الآخر يسعى لحياة أفضل هربا من الفقر، ولكن بعضهم يجد في العسكرية ضالته على غرار المتطوعين الذين يعدون بالآلاف وأضعاف مثلهم لم يتأخروا في تلبية نداء الوطن بالانخراط في الحشد الشعبي، وكان حرياً بالمؤسسة العسكرية احتضانهم وضمان حقوقهم، فهل الوضع ملائم لفرض الخدمة الإلزامية، وهل تتوفر الآلية اللازمة لضمان تطبيقها بعدالة؟، وثمة تحذيرات من حصول "تمرد وانقسام، الى جانب ظلم وطبقية"، وهو الرأي الذي طرحه الخبير الأمني المخضرم وفيق السامرائي.



التنفيذ بعد زوال "داعش"

وزارة الدفاع، كشفت أن قانون التجنيد الإلزامي "لا يحتوي" على دفع البدل، موضحة أن القانون مصمم لمرحلة ما بعد القضاء على تنظيم "داعش".

وقال المتحدث باسم الوزارة نصير نوري في حديث لـ السومرية نيوز، إن "قانون التجنيد الإلزامي مصمم لمرحلة ما بعد القضاء على تنظيم داعش، أي لا نتوقع تنفيذه قبل سنتين، وهو قانون مستقبلي وليس للمرحلة الراهنة"، مشيرا الى أن "القائد العام للقوات المسلحة هو من يقرر تنفيذه".

وأضاف نوري، أن "قانون التجنيد الإلزامي لا يحتوي على البدل ولم ترد أي فقرة بهذا الخصوص، وإنما الكل سيخضع لهذا القانون بما فيهم أبناء المسؤولين"، مشيرا الى أن "وزارة الدفاع لم تدرج فقرة البدل من أجل تجنب أبواب الفساد وتهرب البعض من الخدمة بهذا القانون".

آراء نيابية متضاربة

النائبة عن التحالف الكردستاني سوزان بكر، ترى أن قانون الخدمة الإلزامية صعب التطبيق في الوقت الحالي، مشيراً الى عدم وجود جدوى لتطبيقه حالياً.

وقالت بكر في حديث لـ السومرية نيوز، "من الصعب تطبيق قانون الخدمة الإلزامية في الوقت الحالي"، لافتة الى "عدم وجود جدوى من تطبيق القانون لأن أوضاع العراق غير مستقرة، الى جانب وجود عدة جيوش في العراق، ومنها قوات البيشمركة والجيش العراقي والقوات المساندة من المحافظات الجنوبية وأبناء العشائر".

النائب عن ائتلاف المواطن، لايشاطر النائبة السابقة الرأي، إذ يشيد بمشروع الخدمة الإلزامية الذي طرحته وزارة الدفاع، مؤكدا وجود فوائد عديدة للقانون.

وقال النائب حسن خلاطي في حديث لـ السومرية نيوز، إن "قانون الخدمة الإلزامية مهم جداً للبلاد ولو كان معمول به بعد سقوط النظام البائد لكان الوضع العراقي مختلف عن الحالي"، مؤكدا "وجود إمكانية لتطبيق القانون حيث أن هناك معسكرات تستوعب للتدريب الملتحقين بالخدمة".

ويوضح خلاطي، أن "البرلمان لم يطلع على القانون من حيث المضمون، لكنه كفكرة فيها الكثير من الفوائد"، مبينا أن "من ضمن تلك الفوائد القضية الأمنية، لوجود الكثافة العددية في الأجهزة الأمنية، بالإضافة الى استقطاب الشباب، وإيجاد فرصة عمل لهم".

نقاط تدحض الخدمة الإلزامية

الخبير الأمني الفريق المتقاعد وفيق السامرائي، طرح عدة نقاط، قال أنها "تدحض فكرة أو مشروع الخدمة الإلزامية في الظروف الراهنة، موضحا أن "الفساد ما زال متفشيا في مرافق الدولة، ولا يمكن تنزيه وتزكية مؤسسة معينة من ذلك كليا، ومن الظلم لجيل الشباب أن يكلف بخدمة إلزامية قبل اجتثاث الفساد بحزم شديد".

ويقول السامرائي في حديث لـ السومرية نيوز، "سيكون من المستحيل تطبيق الخدمة على مواطني كردستان، وسيجري التهرب بطريقة فردية أو شاملة بحجج مختلفة، وفي هذا ظلم للآخرين"، مبينا أن "الظروف الحالية سيكون من المستحيل معها تقبل سوق الجنود من شمال بغداد إلى جنوبها".

ويتوقع السامرائي وهو قائد عسكري متقاعد ومخضرم، أن "نسبة الاستجابة ستكون محدودة جدا للتجنيد حالياً"، لافتا الى أن "النظام السابق اتخذ إجراءات عقابية قاسية وظالمة لفرض الخدمة".

ويحذر السامرائي من أن "التجنيد الإلزامي سيقود إلى العودة إلى المناطقية وتشكيل قوات محلية، وسيكون من شبه المستحيل وجود جندي من الموصل في البصرة أو ضابط وجندي من البصرة في فرقة الموصل، فيجري التأسيس للتمرد والانقسام"، مشدداً بالقول "سيحدث ظلم وتمييز وطبقية بين أبناء المسؤولين والأغنياء والفقراء".

ويلفت السامرائي الى "عدم وجود مؤسسات ومراكز تدريب كافية"، مبينا أن "العراق لا يعاني نقصا في عدد الجنود، بل يعاني خللا في النظام، وعندما بدأت الحرب مع إيران كان لدى العراق فقط 12 فرقة، وبضع عشرات آلاف من شرطة وحرس حدود، أما الآن فلديه أكثر من مليون مسلح".

ويؤكد السامرائي، "المطلوب جيش متطوعين محترفين، وليس جيش مكلفين"، داعيا القائد العام للقوات المسلحة والبرلمان "للمحافظة على وحدة العراق، والقضاء على الفساد، وتحسين النظام".

ويختم السامرائي بالقول، "لا أرى وجود علاقة بين المشروع ومسألة الحشد الشعبي، فقد طرحت فكرة الخدمة الإلزامية باجتماع موسع في رئاسة الجمهورية عام 2005، واعترضت عليها خلال الاجتماع"، موضحا أن "المعنيين سيتحملون مسؤولية الفشل الذي ستكون تداعياته معقدة".

وكانت وزارة الدفاع أعلنت، الاثنين (14 اذار 2016) أن مجلس الدفاع صوت بالإجماع على قانون التجنيد الإلزامي، موضحة أن أنها هيأت جميع المبررات الوطنية الداعمة للمشروع، فيما شددت على أن القرار يأتي مكافئا لقرار لحل الجيش العراقي، لما يعالجه من إعادة التوازن الوطني والقضاء على الانقسامات الطائفية ويعجل من البناء المجتمعي.

المصدر
www.alsumaria.tv