مدينة تزرع الأفكار، وتحصد الكتب ، وتصدِّر العلماء ...إنها "النجف الأشرف" التي مازالت أحبار مخطوطاتها تعطِّر تاريخ أزقتها، ومدارسها الدينية، ومكتباتها العامة والخاصة، وتنير دروسَ طلابها، لأنها: "نون ونور وقلم"، و"مرقد وحوزة وكتاب".


فليست النجف الأشرف صحيفة عادية مرت فيها الأحداث مرورَ الكرام لينقضيَ زمانُ تصفُّحها، وإنما هي مخطوطة نفيسة مقدسة تُقلِّبها في كل حين دون كلل أو ملل، وتشمُّ عطر أوراقها . مخطوطة بيراع العطاء الإنساني الذي مر من هنا وأبى إلا أن يخلد ذكراه بعِلم يُنتَفعُ به، يكاد ضياؤه يسطع على العالم بأسره، بما تكتنزه من معارف وعلوم ، فحوزتها العلمية ومدرستها الدينية، إنسانية شاملة، لا ثاني لها في الوجود.فالنجف كلُّها..."علم وعبادة " ، وكلُّها..." فكر وقيادةالنجف عاصمة المخطوطات
تمتلك النجف الأشرف أكثر من مائة ألف مخطوط، عثر عليها في سراديب النجف ومكتباتها"

مُعلَّقةُ امرِئِ القيس ومخطوطات يهودية ومسيحية
يوجد مجلد لمخطوطات النجف والديانات السماوية يتعلق بمناظرات علماء النجف مع اليهود والمسيحيين، و لدينا نسخ من التوراة والإنجيل مخطوطة، وكتابات عبرية في النجف".
وعثر على معلقة الشاعر امرِئ القيس أحد أبرز شعراء المعلقات السبع في العصر الجاهلي وهي لوحة رائعة مخطوطة ".
ويؤكد المؤرخون على وجود رواية تنص على أن المختار بن يوسف الثقفي حينما أعلن الثورة ضد الأمويين سنة 66هـ ، اغتسل في بحر النجف ، ودهن رأسه، ثم دخل القصر الأبيض وقد شاهد في أعلى القصر كتبًا، فذكر المختار لمن كان معه، أن ما رآه من كتب، كان خزينًا كبيرًا من الشعر العربي الذي قيل في مدائح ملوك المناذرة وكان محفوظًا في القصر".

مدينة التنوع الفكري
"الكثير من المخطوطات اندثرت وبعضها سُرق، فما بقي الآن من مخطوطات هو متفرق بين مكتباتها العامة والخاصة، إذ تحتوي بعض المكتبات على مخطوطات مهمة ونادرة، فالنجف لا تفرق بين مخطوط أو كتاب إسلامي أو مسيحي أو يهودي، لأنها منفتحة على كل الأديان والألوان والأطياف ".
" توجد في العتبة العلوية نفائس المخطوطات ونوادرها التي كتبت بين القرن الأول الهجري إلى عصرنا هذا".
وهذه المخطوطات وصلت إلى العتبة العلوية بأشكال مختلفة، فبعضها هدايا من الملوك والسلاطين والأمراء والأعيان وأرباب الثراء، وبعضها وقفيات، وقسم منها هدايا قدمها الخطاطون".

مصاحف ومخطوطات جاوزت الألف عام
الخزانة الأثرية، هي بقايا المكتبة الغروية الشهيرة التي ترجع إلى أكثر من ألف سنة، والتي ذكرها المؤرخون ووصفوها بأنها تحوي الآلاف المخطوطات الثمينة والتي لم يبقَ منها إلا (750) نسخة مخطوطة من القرآن الكريم وكتب المعارف والعلوم المختلفة".
وبيَّنَ أن "مخطوطات القرآن الكريم وصلت إلى 600 مصحف مخطوط تعود إلى ما بين القرنين الأول والرابع الهجري".
فيها أقدم مخطوط لنهج البلاغة يعود إلى أكثر من 400 عام، ومخطوطات نادرة ونفيسة، جاهزة للعرض في حال إنشاء متحف للمخطوطات في محافظة النجف الأشرف ".
حيث اكتمل تأهيل 4000 مخطوط، وتهيئة 7500 مخطوط طبق الأصل، كتبت باليد من قبل خطاطين، ويوجد حاليا خمسة وعشرون ألف مخطوط طبعت بنسخ ضوئية إلكترونية على(CD)، ومن المؤمل أن تخط يدويًّا ولتعرض طبق الأصل أيضًا ".
وهناك خزينة للمخطوطات تم شراء بعضها، وقسم منها اقتنيت زمن الشيخ علي (صاحب كتاب الحصون المنيعة (قده) ) خلال سفره إلى إسطنبول والهند والحجاز وإيران وغيرها، وهي من نفائس الكتب التي اشتراها أو التي خطها، إذ وصل عدد الكتب التي خطها بيده إلى 100 كتاب مخطوط".

مصحف مخطوط بالكوفي على رق غزال
مطبوعات ومخطوطات نادرة، منها البداية والنهاية لابن الأثير، والقانون لابن سينا مطبوع عام 1593 ، وطبقات ابن سعد، وكتاب سيبويه ، ونسخة نادرة لشرح نهج البلاغة، ومعرفة أصول الحديث للحاكم النيسابوري، ومنطق الفارابي، ونسخة نادرة من القرآن الكريم، ونسخة من القرآن مخطوط على رق الغزال بالخط الكوفي، فضلًا عن كتاب الأنساب في خمسة مجلدات، يختص بأنساب العلويين وهو نادر وفريد ، ليس له مثيل".
"إن مكتبات النجف الأشرف زاخرة بالمخطوطات ومنها مكتبة صاحب الذريعة التي أسسها أغا بزرك الطهراني 1389هـ (قده)، إذ تضم مخطوطات مهمة ونادرة تعود لكبار العلماء، ومنها مخطوط بخط الشيخ الطوسي (قده)، وكتاب للشيخ المفيد(قده) بالطبعة الحجرية، فضلًا عن وجود 40 كتابًا مخطوطًا بيد الشيخ أغا بزرك الطهراني (قده).

المتحف العالمي للمخطوطات النجفية
ولعل وجود المخطوطات جعلت للنجف الأشرف قيمة علمية أخرى تضاف إلى خزانة آثارها وتراثها وقدسيتها، فلا تخلو النجف من مخطوطات في مكان علمي، أو مكتبة عامة أو خاصة.
ولا بد من توجيه دعوة إلى المعنيين لرعاية المخطوطات، كونها تراثًا علميًّا عالميًّا، من خلال إنشاء ((مشفى الكتاب والمخطوطات)) لغرض الحفاظ عليها وترميمها، وكذلك إنشاء ((المتحف العالمي للمخطوطات النجفية))، وجعله صرحًا يتناسب مع مكانة النجف الدينية والعلمية والثقافية، وجامعة يقصدها الباحثون من شتى أنحاء العالم، فضلًا عن شراء المخطوطات أو إعادة المسروقة منها، وهذا ما يجعل متحف المخطوطات العالمي مدرسة متنوعة تخدم الإنسانية وتثبت للأجيال بأن النجف الأشرف كانت، منذ عشرات القرون، ومازالت : ((عاصمة للمخطوطات)