وخلال أيام قليلة سيتحول اللون البنفسجي إلى الأكثر مقتاً بين الألوان كلها حتى يصير مكروهاً أكثر من الأسود بالرغم من أن هذا اللون يعني الحداد.
تخيل أنك تلقيت رسالة مغلفة بغلاف بنفسجي مبتهجاً بلونها معتقداً أنها تحوي شيئاً رائعاً وعندما تفضها تجد التالي:
السيد /السيدة…
ستنتهي حياتك بعد أسبوع وعليك خلال هذه الفترة أن تكتب وصيتك وتدفع الضرائب المتأخرة عليك وتودع الأهل والأصدقاء.
هذه ليست مزحة فهذه الرسالة تلقاها مئات الرجال والنساء يومياً عند مجيء دورهم في سجلات “موت” وهل للموت سجلات؟ وكيف يرسل الموت رسائل للناس؟
لماذا تعامل الموت على أنه مذكر! لماذا لا تقل إنها مؤنث وامرأة شديدة الجمال!
تحتاج إلى أن تتخلى عن الواقع بعض الشيء وتترك عقلك يسبح في العالم الخيالي الذي يقدمه الكتاب البرتغالي “جوزية ساراماجو” للعالم عندما يخلو من الموت ويطرح السؤال من أول صفحة ماذا لو اختفي الموت؟
لا تتسرع في الاجابة فالنتيجة ليست أبدا ًسعادة الجميع لأنهم بهذا سيضمنون الحياة الأبدية بلا موت ولا خوف من مجيئه أو انتظاره، فهناك الكثير من الأشياء التي نجهلها ولم نفكر فيها من قبل لأننا نعتقد أن سعادتنا في توقف الموت عن أفعاله ولكن مع
“انقطاعات الموت” الأمر مختلف تماماً كما لم تراه من قبل هذه الرواية تلقي الضوء على الآثار السلبية لاختفاء الموت في أكثر من قطاع في الدولة وكيف لجأ الناس إلى الكنيسة ليصلوا للرب ويتوسلوا إليه بأن يعيد إليهم الموت مرة آخرى حتى تستمر الحياة.
المستشفيات بعد اختفاء الموت
فسنة الحياة تقول أن الناس تمرض ثم تشفي وتغادر المستشفي أو تمرض ثم تموت وبعدها تغادر المستشفي أيضا للدفن ليأتي مكانهم آخرين يتلقون الخدمات العلاجية لكن عندنا توقف الموت في هذه الدولة الصغيرة لعدد من الشهور أصبح حال المستشفيات كارثي حيث امتلئت بالمئات من المرضى المعلقين بين الحياة والموت أشخاص لم يعد العلاج مجدي معهم واستنفذ الأطباء معهم كل الحيل وكانوا على وشك الموت وبسبب انقطاعات الموت تكدست الممرات بهم واستحال استقبال حالات جديدة.
وبسبب هذه الأزمة اضطرت المستشفيات أن تُوكل مهمة رعاية الأشخاص المعلقين بين الحياة والموت إلى ذويهم في المنازل لأن ليس لديها أي شيء تقدمه لهم ولا توجد أماكن لاستضافاتهم وفي نفس الوقت فإنه لا خوف عليهم في المنازل لأنهم في النهاية لن يموتوا.
دور رعاية المسنين بعد اختفاء الموت
دور رعاية المسنين أو كما سماها ساراماجو في الرواية دور” الأفول السعيد” توقفت عن استقبال حالات جديدة لأن ليس لديها أماكن لاستضافة نزلاء جدد ولا عدد كافي من الموظفين لخدمة هذه الأعداد المتزايدة وأيضا لا حيلة لها مع كبار السن المعلقين بين الموت والحياة والذين كانوا في انتظار الموت ليرحمهم من قساوة وعذاب الحياة.
شركات التأمين ومقدمي الخدمات الجنائزية بعد اختفاء الموت
وشركات التأمين التي لن يموت زبائنوها أبداً بسبب غياب الموت عن تلك الدولة هل ستظل تدفع تعويضات طوال الوقت عن الحوداث وممتلكات الأشخاص!
ومقدمي الخدمات الجنائزية أصبح لا شغل لهم، ماذا يفعلون بعد أن انقطع الموت عن الناس!
في هذا العالم الخيالي الذي يصدمك به “ساراماجو” تعرفْ إلى أي مدي نحن مدينون بالموت لاستمرار الحياة ولولا هذه الاستمرارية لأصبحت الحياة مستحيلة، وتبلغ براعة الكاتب للحد الذي يصور فيه الموت امرأة – تعمل لدى جهات أعلى منها مسئولة عن الموت أيضا – اسمها ” موت” ولكنها متخصصة في موت البشر لادخل لها بباقي الكائنات الحية، كما تذكر نفسها في الرواية
“وهي المرة الأولى التي تفاجأ فيها موت نفسها وهي تفكر في أنها لا تنفع إلا لإماتة البشر” تلك الموظفة المجتهدة الدؤوبة التي استحدثت طريقة جديدة للموت بارسال الرسائل المغلفة بالبنفسجي لإخبار الشخص الذي جاء دوره في السجلات ليستعد لدوره مع الموت.
وببراعة شديدة حولها “ساراماجو” إلى سيدة جميلة جداً في السابعة والثلاثين من عمرها، مجتهدة في عملها اضطرت لأن تظهر على هيئة بشر لتوصل الرسالة البنفسجية لعازف الفيولونسيل الذي استعصى على استقبالها لثلاث مرات.
مع” ساراماجو” تفاجأ بنفسك متعاطفاً مع الموت، نعم متعاطفاً مع الموت في هيئته الإنسانية وتتمنى له التوفيق في مهمة توصيل الرسالة لعازف الموسيقي الذي استعصى على “موت”.
عن جوزية ساراماجو
كاتب برتغالي ولد عام 1922 في مدينة أريتاجا البرتغالية، حصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1988 له العديد من الأعمال الأدبيه مثل ” الآخر مثلي”، ” البصيرة”، ” الثورة والأرض” ورواية ” العمى ” التي اُنتجت كفيلم سينمائي عام 2008.
المصدر
www.arageek.com