سُورَة الإنسان (الدهر) مَدنيَّة وَعَدَدُ آيَآتِهَا وَاحد وَثلاثوُن آية
"سورة الإنسان"
محتوى السورة
هذه السورة رغم قصرها، فانَّ لها محتويات عميقة ومتنوعة وجامعة، ويمكن بنظرة واحدة تقسيمها إلى خمسة أقسام:
القسم الأوّل: يتحدث عن إيجاد الإنسان وخلقه من نطفة أمشاج (مختلطة)، وكذلك عن هدايته وحرية إرادته.
القسم الثّاني: يدور الحديث فيه عن جزاء الأبرار والصالحين، وسبب النزول الخاص بأهل البيت (عليهم السلام).
القسم الثّالث: تكرار الحديث عن دلائل استحقاق الصالحين لذلك الثواب في عبارات قصيرة ومؤثرة.
القسم الرّابع: يشير إلى أهمية القرآن وسبيل إجراء أحكامه ومنهج تربية النفس الشاق.
القسم الخامس: جاء الحديث فيه عن حاكمية المشيئة الإلهية (مع حاكمية الإنسان).
ولهذه السورة أسماء عديدة; أشهرها (إلانسان) (الدهر) و (هل أتى) وهذه الكلمات وردت في أوائل السورة، وإن كانت الرّوايات الواردة في فضيلتها والتي سوف يأتي ذكرها، قد ذكرت اسم (هل أتى) لهذه السورة.
هل أنَّ هذه السورة مدنية؟
هناك أقوال في أوساط المفسّرين حول مدنية هذه السورة أو مكيَّتها، فالمفسّرون ومنهم علماء الشيعة أجمعوا على أنَّ السورة بتمامها أو على الأقل ما جاء في صدرها والتي تتحدث عن الأبرار والأعمال الصالحة هي مدنية، وسيأتي فيما بعد شرح القصة التي كانت سبباً لنزول السورة، والقصة تحكي عمّا نذرهُ أمير المؤمنين والزهراء الحسنان (عليهم السلام) وخادمتهم وفضة.
والمشهور بين علماء أهل السنة أنّها مدنية كما قال القرطبي في تفسيره: (وقال الجمهور مدنية) (1)، ونذكر هنا أسماء العلماء الذين قالوا بمدنية السورة أو بعضها:
1 - الحاكم أبو القاسم الحسكاني: فقد نقل عن ابن عباس عدداً من السور المكية والمدنية، ورتَّبها كما نزلت، فكانت هذه السورة عنده في قائمة السور المدنية والتي نزلت بعد سورة الرحمن وقبل سورة الطلاق (2)، وأورد صاحب كتاب الإيضاح الأُستاذ أحمد زاهر نفس المعنى وذلك عن ابن عباس (3).
2 - نقل في (تاريخ القرآن) لأبي عبد الله الزنجاني عن كتاب (نظم الدرر وتناسق الآيات والسور) عن كبار علماء أهل السنة أنَّ سورة الإنسان اعتبرت من السور المدنية (4).
3 - ونقل كذلك في كتاب (فهرست ابن النديم) عن ابن عباس أن سورة هل أتى هي السورة المدنية الحادية عشرة (5).
4 - نقل في (الإتقان) للسيوطي عن البيهقي في (دلائل النبوة) عن عكرمة أنَّه
قال: إنّ سورة (هل أتي) مدنيَّة (6).
5 - ونقل هذا المضمون أيضاً بطرق مختلفة عن ابن عباس في (الدرر المنثور) (7).
6 - نقل الزمخشري في (تفسير الكشاف) ما هو مشهور في سبب نزول آيات صدر السورة وقال: هي في نذر علي وزوجته وولديه (عليهم السلام) (8).
7 - ونقل كذلك جمع كثير من كبار علماء أهل السنة في أنَّ سبب نزول الآيات الواردة في صدر السورة (أنّ الأبرار...) قد نزلت في حق عليّ وفاطمة الزهراء والحسن والحسين (عليهم السلام) وهي شهادة على مدنيّة السورة (لأن ولادة الحسن والحسين (عليهما السلام) كانت في المدينة) كالواحدي في (أسباب المنزل) والبغوي في (معالم التنزيل) وسبط بن الجوزي في (التذكرة) والگنجي الشافعي في (كفاية الطالب) وجمع آخر (9).
وهذه المسألة مشهورة بكثرة لغاية أن (محمد بن إدريس الشافعي) وهو أحد الأئمة الأربعة لأهل السنة يقول في شعره:
إلام، إلام وحتى متى؟ أعاتب في حبّ هذا الفتى!
وهل زوجت فاطم غيره؟ وفي غيره هل أتى هل أتى؟!
(10)
وهناك أدلَّة كثيرة في هذا الإطار وسنبيّن قسماً منها عند توضيح سبب نزول الآية: (إنّ الأبرار يشربون...).
ومع ذلك كله فإنَّ البعض يصرُّ بعصبية على أنَّ السورة مكية، وينكرون ما قيل من الرّوايات التي وردت في حق السورة ونزولها في المدينة وإنكار نزولها
كذلك في حق علي وأهل بيته (عليهم السلام) !
وذلك من العجب حقّاً، فأينما تنتهي الآية أو الرواية إلى فضائل علي وأهل البيت (عليهم السلام) يعلو الصراخ والعويل وتظهر الحساسيات الشديدة وكأنّ الإسلام قد وقع في خطر! رغم أنَّهم يدّعون أنَّ علياً (ع) من الخلفاء الراشدين ومن أئمة الإِسلام العظام وأنَّهم يتودَّدون إلى أهل البيت (عليهم السلام)، ونرى من نتائج حكم الروح الأُموية على أفكار هذه الجماعة ووليدة الإِعلام المضلل لتلك المرحلة المشؤومة.
حفظنا الله من جميع الشبهات.
فضيلة السورة
في حديث عن النّبي (ص) قال: "من قرأ سورة (هل أتى) كان جزاؤه على الله جنّة وحريراً" (11).
وورد في حديث عن الإمام الباقر (ع): "من قرأ سورة هل أتى في كل غداة خميس زوجه اللّه من الحور العين مأة عذراء وأربعة آلاف ثيب وكان مع محمد (ص) " (12).
- إنّ المشهور هو زيادة عدد النساء على الرجال في كلّ المجتمعات، وهذا هو أحد الدلائل على تعدد الزوجات، وهو أمرٌ مقبول، وهذا ممّا لا ينافي التعادل النسبي، فمثلاً يكون عدد مجتمع ما 50 مليون نسمة، فمن الممكن أن يكون عدد النساء 26 مليوناً، والرجال 24 مليوناً، أي أن التفاوت بينهما بحدو