كتب /طارق الخميسي
تظل واحة الجنات أريج الزهور عبر الدهور حاضرة في وجدان سالف الزمان وحديث العصر والأوان معالمها السياحة المكللة برموز وشواهد تخلد عظمة سواعد الإنسان اليمني عبر التاريخ الغابر شامخا بتراثه العريق على مدى حضارات مختلفة سادة العالم هكذا هي أدوات وحي الشعراء تنطق رقة وعذوبة وجمالا ومن داناها تبوح له بأسرار سحرها الأصيل وأروقة الأساطير القابعة بين طيات الزمن .. وليس عجيبا قول شاعرنا القديم حين تغنى بها قائل
يا ساكن الجنات سقيا لأرضكم بها قد وجدنا الحور والمن والسلوى
أمانة لكم من لفحة النار بعـدما ســـكنتم جنـة الخـلد عفوا لـكم عفوا
على بعد كيلو متر ونصف من مدينة عمران القديمة باتجاه مديرية ريدة من الناحية الشمالية الغربية تلوح في الأفق مدينة الجنات الأثرية الحالمة واحدة من جواهر تاج جمع أثمن معالم محافظة عمران السياحية محمية من الشمال والغرب بقمم الجبال فاتحة صدرها إلى الشرق قاع البون الملون بمزارع البطاطس والطماطم والشعير والبر بأنواعه ومزارع الأبقار بأطلال حجارة شيدت محميات وسورها القديم لتضعك أمام بوترت أو لوحة غناء شكلتها قدرة الخالق وأسارير وافديها من السياح يطالعك مشهدها الرائع المجسم في تجمع قديم احتفق بنفسه على شكل دائرة كمتحف طمست أثاره مراحل الدهر ... أنها مدينة الجنات الشعاع المشاع من حنيا الكرم والجود والتواضع وعند مدخل المدينة ينبعث في نفسك الذهول والحيرة من أين تبدأ ؟ لكن احد أهلي المدينة القادم من ثنايا التاريخ صالح حسين الحاذق كاتب ومؤلف يجيد اللغة الحميرية نطقا وكتابة يبدد الحيرة يدلك على مكامن الجمال وأساطير تناولتها الأجيال منذ البعيد ويسد النصح بالتوجه من أطلال مدخلها الباب الشرقي الذي يداعب تباشير الصباح ذي البوابة الحجرية اقتلاعها احد العابثين لتستقر في مكانها بوابة خشبية وهي احد المنفذين الوحيدين خلفها بهو نحت على وجه الجدار يتقدمه اثر كان مقرا لحارس البوابة حامي جنائنه مرحبا بحفاوة القادمين من عالمها الخارجي منذ بداية خيوط الفجر مانعا كل من تأخر عن الولوج داخل المدينة في موعد أقصاه غياهب الغسق ... هكذا هي الجنات تنام كما ينام مواطنيها في الماضي القريب تقاليد توارثوها من الماضي السحيق ليصبح تراثا تتناوله الأجيال الصامدة بوجه الاندثار .
وان شاء السابل تفحص أثرها التاريخي تشرئب أمام عينيه بيوت طينية وحجرية تتعانق طوابقها الأفقية حيث الواحد منها يتكأ على الأخر ليرسم نسيجا راعا وفي دقة متناهية ليكون صور البوابتين المذكرتين ومن المشاهد التي تثير الإعجاب تلك المدرجات القابعة في بداية ونهاية المدينة نحتت من حجر ركب فوق بعضه لتسمو بك إلى سطح يجعل السطوح الاسورية (الدائرية ) نافذة معلقة تطل على الأزقة والدروب القصيرة تداخلت فيما بينها لتحدثك عن بقية الأطلال تناثرت أثار أقدم النساء وهن يحمن مياه الشرب فوق رؤوسهن لتمتلئ الحياة في البيوت الوديعة وللعبادة مستقرة في قلوب مؤمنيها ليودوا شعائر الدين الإسلامي الحنيف في ثلاثة مساجد وبقربي واحد منها جب عتيق شرب منه الدهر حتى روى وإذا شعرت بالإعياء تجد نفسك ضيفا عزيزا على الشيخ دحان سعد الله وبعد راحة الجسد يجول بخلدك أسئلة كثيرة كيف سكن الأولون ؟ يجيب على ذلك الهمداني صفة الجزيرة ت 350 هجرية قدم الجد الأول بيت غضبان إلى عمران وجزء منه قطن ربوع الجنات ولم يبق من هذا البيت سوى بيتا رفيق وشعفل وحيث حل بيت غضبان كانت قيعان البون مستنقع مائي ويذكر لنا الشيخ الجليل أن هذه المدينة تاريخا مأساويا بدأت ملامحه تظهر في عهد مطر شرف الدين في القرن العاشر الهجري الذي قام بمجزرة جماعية وقتل فيها ما لا يقل عن سبعين شهيدا يتقدمهم كل من الشيخ عامر الشبقي ومحمد الشجمة ومقبل رضوان وهم مقيدون بأغلال الحديد زجوا في حفرة جهزت مسبقا وئدوا فيها أحيا وعثر مؤخرا على تلك الأغلال أثناء حفر بعض أسس البيوت أما حجارتها وبابها الحجرية المنهوبة في القرن السابع الهجري من قبل السلطان المهدي فلها أثار يرويها كتاب حوليات يمنية حيث تضمن ما ذكر أن حسين الويس بالاتفاق مع مشايخها وأهلها اتخذ مدينة الجنات مقرا له ولمدة سبعة عشر عاما ينطلق منها لمقاتلة بني رسول وانتهى الأمر بهزيمته وسلب وسرقة بعض حجارة سور الجنات وبيوتها وتم نقلها إلى صنعاء ليشمخ قصر الجنات الحالي الواقع في منطقة بستان السلطان بصنعاء