تحدثت في
الجزء الأول من هذا المقال عن دور الألعاب في صناعة مخطط استراتيجي جيد ورجل أعمال ناجح أيضاً، وكيف أن ذلك يتم عبر عدة أدوات داخل الألعاب التي صارت مثل المحاكيات الإفتراضية للواقع الحقيقي سواء كان الأمر في الألعاب القتالية أو الإستراتيجية، أو تلك الألعاب التي تستخدم بصورة أكاديمية حقيقية في الجامعات أحياناً وفي الجيوش أحياناً أخرى!
وفي هذا الجزء أكمل ما بدأته من تلك الأسباب التي ستغير وجهة نظرك للألعاب الإلكترونية بصورة كبيرة، ربما ستكون أنت من يدعو ولدك لإنهاء دروسه سريعاً لكي تلعب معه إحدى تلك الألعاب، لا لشئ إلا لتكون موجهاً وناصحاً له ومراقباً لأسلوب تفكيره!
كما أن الأمر كما ذكرت في الجزء الأول مفيد جداً لمن يعمل في فرق أو شركات ضمن جماعات أو من هو في أماكن اتخاذ القرار وصناعة الإستراتيجيات والخطط، كما سأذكر لاحقاً في هذا المقال.
توفر الألعاب تحليلاً مفصلاً عن سلوك المدير -اللاعب-
تساعد الألعاب المصممة لتكون مبنية على التخطيط الجدي والجيد على النظر في القرارات قبل اتخاذها واعتبار الأخطاء والهفوات التي
لم تؤخذ في الإعتبار، كما تحفز عقل اللاعب على التفكير في الإحتمالات التي ينبغي عليه دراستها والطرق التي يتجنبها، ماذا يحدث إن أخذت الطريق الفلاني، ماذا لو بعت السلعة بكذا؟ هل سينجو كل أعضاء فريقي؟
وبهذه الطريقة تظهر القرارات الضمنية والخطوات الصغير التي تضمنتها الخطة الكبيرة، ويسهل فهم الأحداث التي أدت إلى النصر أو الهزيمة. أيضاً هناك وظيفة يغفلها جميع اللاعبين بلا استثناء، وهي وظيفة إعادة الأحداث بعد انتهائها “Replay”، وذلك لأننا حين نلعب ألعاب الحاسوب إنما نلعبها من أجل التسلية فحسب.
وتبرز الأهمية القصوى لتلك الوظيفة في تعقب سيرك في اللعبة حيث كنت مشغولاً بمراقبة الشاشات والعدادات وسير أعضاء فريقك والفريق المنافس، فهي توفر الآن رؤية واضحة لما حدث وأنت لا تفعل شيئاً الآن سوى المراقبة والتعلم. أيضاً نحن نتخطى مرحلة عرض النتائج بعد كل محاولة، دائماً ما نفعل ذلك لنفس السبب، لكنها أيضاً أداة مهمة لتعرف كيف كان أداؤك في المرحلة التي أنهيتها مقارنة بأعضاء فريقك والفرق المنافسة.
تتيح الألعاب تجربة طرق مختلفة
تحسّن ألعاب التخطيط واقعك بشكل ما عن طريق محاكاة تجربة سيناريوهات مختلفة تتطلب استجابة تخطيطية. كمثال، يمكن تمثيل حدوث صدمات معينة في حياة الشركات أو الفرق أو تمثيل مواقف مفاجئة تحتاج النظر إلى المعطيات بكل سريع وتحليلي في نفس الوقت ووضع خطة بديلة للطوارئ.
يمكن فعل ذلك في تمثيل تأثير اختراع عقار جديد على شركة أدوية تعمل بالفعل على إنتاج منتج منافس، كيف ستتجاوب الشركة إزاء هذا التحدي، كم ستكون تكلفة تطوير عقار جديد أو كيف ستغير الشركة سياستها التسويقية. أو في حالة الشبكات الإجتماعية مثلاً إذا ما قامت دعوى قضائية بشأن خصوصية المستخدمين مثلاً.
تتيح الألعاب التخطيطية تجربة تلك السيناريوهات وتضخيم الواقع الحقيقي لتعمل مثل اللقاحات التي يأخذها المرء ضد الأوبئة المحتملة، فهو يتعاطى جرعات صغيرة لتحميه عند نزول الوباء الخطير “حدوث المشكلة الحقيقية”.
كمثال على ذلك، فإن ريد هوفمان مؤسس موقع LinkedIn يلعب لعبة “The Settlers of Catan”، إحدى الألعاب الإستراتيجية الورقية التي ازدهرت في أواخر التسعينات وما بعدها، وصممت نسخ إلكترونية منها، يحاول فيها اللاعب المتاجرة بما معه من موارد جزيرة مع غيره من أقرانه على نفس الجزيرة للسيطرة عليها.
ويقول هوفمان إن رواد الأعمال حوله يسحبون إلى تلك اللعبة لأنها تمثل واقعهم إلى حد كبير، فهي تجبر اللاعبين على التفكير فيما لديهم وما يمكن المتاجرة به مع أقرانهم للوصول إلى أهدافهم، بينما تتغير معطيات اللعبة بشكل مستمر مما يدفع اللاعبين لتغيير استراتيجيتهم دوماً.
سهولة تعديل الألعاب وتكرارها بتكاليف أقل
على عكس الدورات التي تعقد لتدريب الموظفين على التخطيط وفن الإدارة والتي تتطلب أموالاً وتجهيزات في كل مرة وترتيبات إدارية وغير ذلك، فإن الألعاب لا تكلف إلا شراءها فقط.
بالطبع فإن أغلب الألعاب الإستراتيجية وجدت من أجل تدريب الجيوش، سواءاً في صورها الإلكترونية البسيطة أو مع إضافة محاكيات ضخمة، أو حتى في صور تشبه ألعاب PaintBall، لكن مع عتاد حقيقي ومجسات تثبت على أجساد الجنود لقياس معدلات أدائهم ومدى دقة الإصابات وغير ذلك، وهي تقنية قديمة نسبياً في الجيوش المتطورة بالمناسبة وليست مستحدثة.
وتكمن ميزتها هنا أنه يمكنك تجربتها على العديد من العناصر المستهدف تدريبها بأقل تكاليف ممكنة، بل والحصول على تقييمات عالية الدقة لكل المتدربين، الأمر الذي يستحيل فعلياً بالطرق التقليدية. ويمكن تعديل تلك الألعاب لتناسب التغيرات التي تفرض نفسها على الواقع بمجرد تعديل برمجتها أو إضافة ملحقات جديدة.
شواهد من الواقع
لربما يجب أن أذكر في البداية أنني لست أعني كل الألعاب القتالية تصلح أن تكون تمريناً على القيادة ومحاكاة صناعة القرار، لكن ربما تصلح إن كانت في طور اللعب المتعدد، حيث تلعب فرق كاملة ضد بعضها، ربما في أماكن متفرقة ولا يرون بعضهم عبر الشبكة.
لكن على أي حال هناك ألعاب مشهورة بأنها تعتمد على التخطيط بالدرجة الأولى، وسأذكر بعض ما تعرضت له من تلك الألعاب، هناك
غيرها بالطبع، لكنني أفضل إعطاء صورة رأيتها بنفسي.
الإنذار الأحمر Red Alert
تلك اللعبة غنية عن التعريف، فلعلك لعبتها في صغرك كثيراً، لكنني على شهرتها لم ألعبها أبداً!، صدق أو لا تصدق شخصاً يتحدث عن التخطيط والألعاب الإستراتيجية لم يلعب Red Alert في حياته!، لم أحبها بسبب رسومها السيئة بالنسبة لي، لا أحب الكائنات الصغيرة التي تملاً اللعبة، أريد أن أشعر أنني إزاء شئ حقيقي هنا!.
لكن على أي حال لي صديق شخصيته مطابقة لشخصيتي كان يستمتع بتلك اللعبة جدا، وكانت شخصيته متطورة كفاية ليدرك أنه يمكنه الفوز عن طريق وضع خطط جيدة بعيدة المدى للتغلب على خصومه بدلاً من العبث هنا وهناك مستمتعاً بالإثارة الناتجة عن العب، وساعده في ذلك الصورة العامة التي تبدو للعبة، حيث يرى جميع ما يحتاجه من الصورة الكاملة للموقف الذي سيواجهه، مع الأدوات المناسبة لبناء خطة دفاعية أو هجومية تتغلب على العوائق التي ستطرأ او سيحدثها الخصم.
GRAW2
أ
ما أنا فلم يبدأ تعرضي لألعاب التخطيط الإستراتيجي إلا مؤخراً منذ بضع سنوات حيث قدم لي صديق نسخة من لعبة Ghost Recon، إصدار Advanced War Fighter. وظللنا مدة قرابة الشهر ندرسها أنا وصديقي قدر استطاعتنا، ولم أجد إلى الآن لعبة جمعت بين مزايا ألعاب منظور الشخص الواحد “أمثلة Medal of Honor – Max Pyne” وبين الألعاب الإستراتيجية “أمثلة Red Alert – الشطرنج” كتلك اللعبة!
صادفت محاولة شبيهة للخلط بين مهارات القيادة والتفكير الإستراتيجي وبين متعة اللعب من منظور الشخص الواحد في Freedom fighters لكنها لم تكن بتلك الجودة، حيث افتقرت إلى الكثير من أدوات التواصل مع أعضاء الفريق الواحد.
على أي حال، يمكنني القول أنني اصطدمت بإحدى خصائص شخصيتي وأكاد أقول أنني استطعت تحويل جانبها السئ لصالحي بعد تلك اللعبة، ذلك أن من طبعي أن أعمل وحيداً، لا أفضل العمل مع فرق ولا أندمج بسهولة وسط المجموعات، وأشعر بصعوبة في توصيل رأيي إلى أعضاء الفريق، لذا كنت أفضل العمل وحيداً حيث كنت أنجز أكثر.
وظهر ذلك أثناء لعبي تلك اللعبة، حيث كنت قائداً لثلاثة جنود، أختار تسليحهم بنفسي حسب طبيعة المهمة ومعطياتها الجغرافية والتكتيكية، وعلي قيادتهم وتوظيفهم لمساعدتي في إنجاز المهمة بأقل الخسائر، حيث لدي الكثير من وسائل التواصل معهم والكثير من الأوامر التي يمكنني إعطاؤها لهم.
يمكنني الحديث حتى نهاية الأسبوع عن تلك اللعبة دون ملل!، لذا دعني أقفز بك للنتائج، ماذا قد يفعل شخص يفضل العمل وحيداً مع ثلاثة جنود؟ حسناً كنت أزودهم بالسلاح الذي أحتاجه أنا، وإذا حمي وطيس المعركة وخشيت عليهم أن يقتلوا آويتهم إلى مكان آمن، ثم ذهبت أقاتل وحدي، حتى إذا نفذت ذخيرتي عدت لأقتل واحداً منهم وأستولي على ذخيرته لأكمل المهمة. “
سأترك فكك يتدلى هنا من الدهشة كما تشاء”.
لم أكن أفكر حينها إلا في أن المهم هو إنهاء المهمة، وكنت أرى هؤلاء الجنود عبئاً لا يمكنني تحمله
“هل يذكرك هذا بشخصية كاكاشي أو ساسكي من سلسلة ناروتو؟”. ولم أكن أستطيع أن أتحمل التركيز على المهمة وإعطاء الأوامر في نفس الوقت الذي أتلقى فيه تعزيزات وأستمع إلى تعليقات الجنود وتقريراتهم حول الموقف، بالإضافة إلى رسائل مركز القيادة التي كانت تأتي فجأة، هذا بدون ذكر مشتتات العالم الحقيقي من حولي، مثل دخول أخي إلى الغرفة أو نحو ذلك!.
لكن مع الوقت تعلمت أنه يمكنني العمل ضمن فريق بسبب قدرتي على التخطيط إن استغللتها، إذ كنت أضع خطة كاملة للمهمة منذ بدايتها على خريطة المهمة التي أنظر إليها عبر القمر الصناعي، وأرسم الطريق خطوة خطوة بنقاط تجمع وتوزيع أدوار، ووجدت أن الأمر لم يكن بالصعوبة التي كنت أظنها.
ربما يكون أفضل درس تعلمته من تلك اللعبة أن مهمة القائد أو المدير هي تخلية السبل الصحيحة أمام أعضاء الفريق وتوضيح الطريق لينطلقوا بعدها ينفذون المهمة، وليست مهمته محصورة أبداً في إلقاء الأوامر هنا وهناك.
يمكنك مشاهدة هذا الفيديو الحقيقي الذي أنتج كدعاية لإحدى إصدارات اللعبة!، ولعلي أكتب عن تلك اللعبة مقالاً منفصلاً فيما بعد، صدقني ستحب تقريري عن تلك اللعبة!
المصدر
www.arageek.com