حين تفكر في العلاقة بين السوق التجاري أو الصناعي وعالم الأعمال وبين أي شيء يخرج من مشتقات كلمة “لعب”، فإن مصطلحات مثل التخطيط وتحريك قطع الشطرنج وتحقيق أعلى النتائج واستخدام العناصر في اللعبة ومراقبة الأداء هي ما سيأتي على ذهنك!. لكن المعنى البسيط لكلمة الألعاب لن يرد على ذهنك إلا مقروناً بالفصل من العمل أو الطرد!
بادئ ذي بدء، فإن الشركات هذه الأيام في حاجة ماسة إلى إيجاد طرق جديدة كل يوم لإنجاز مهامها بأشكال جديدة ومتوافقة مع بيئة العمل المتغيرة. وثانياً، فإن تعقيد ألعاب الحاسوب التخطيطية هذه الأيام وتطورها وكفاءتها تتزايد بشكل سريع. فقد تطورت الألعاب في العقدين الماضيين من الأشكال الأولية البسيطة إلى برامج تعتمد على الذكاء الإصطناعي.
وفيما يلي فوائد وجدتها أثناء قراءتي لمقال في موقع
مراجعات هارفارد للأعمال تحصلها من الألعاب الإستراتيجية حين تلعبها بغرض تحسين قدرتك على التخطيط وكفاءتك في اتخاذ القرارات، بصورة حقيقية وجادة تماماً، أنا لا أحاول إيجاد عذر لولدك أن يترك درسه وينصرف إلى اللعب، وإنما يبين هذا المقال دور الألعاب والبيئات الإفتراضية في خلق خبرة في التخطيط الإستراتيجي وصناعة أسرع للقرار، بالنسبة لمديري الشركات والبالغين قبل الصغار والشباب.
تقييمات فورية، رخيصة التكلفة
توفر الألعاب ملاحظات وتقييمات فورية في صورة واضحة عبر النتائج التي يحرزها اللاعب، أو في صورة ضمنية عبر تغير سلوك الخصم في اللعبة نتيجة للقرار الذي تتخذه في اللعبة، وعلى عكس العالم الحقيقي، فإن الفشل في اللعبة ليس له عواقب مكلفة، يمكنك اعتبار الألعاب مختبراً أو ميدان رماية أو مضمار تدريب، وفي حالتنا فإن الألعاب ستعتبر أرض اختبار لاستراتيجياتك وطرق تفكيرك، حيث يمكنك اختبار عدة استراتيجيات وتبين أوجه قصورها، بل والرجوع بالزمن عدة خطوات للوراء لتصحيح الأخطاء وتجريب طرق جديدة.
لم تقتنع؟ ربما تعيد النظر في الأمر حين تطبق استراتيجية جديدة في شركتك أو عملك مع زملائك أو طلابك أو أياً ما يكن بالنسبة لك، ثم يتبين خطؤها أو تبرز أوجه القصور فيها، لكن بعد خسائر موجعة بالطبع. على النقيض من ذلك يمكنك اختبار نظريتك تلك في لعبة حاسوب وتتعلم الدرس بتكلفة لم تتعد القليل من الإحباط بسبب الفشل.
اختبرت ذلك شخصياً في مرتين، الأولى قبل عدة أعوام في لعبة IGI لمن يتذكرها، تلك اللعبة البسيطة كانت تحتوى على مستوى مطلوب منك فيه تجاوز موقع للعدو دون إطلاق الإنذار، وظللت ثلاثة أيام لا أستطيع التقدم متر واحد بسبب أربع كاميرات مراقبة تجوب الموقع، كل واحدة تنظر إلى الكاميرا القريبة منها، وحين اكتشاف تدمير أي من تلك الكاميرات فإن الإنذار ينطلق، وحين رؤية إحدى الكاميرات لي فإن الإنذار ينطلق أيضاً!.
فاضطررت إلى البقاء مراقباً الشاشة مدة نصف ساعة محاولاً اكتشاف نمط الحركة لتلك الكاميرات، إلى أن اكتشفت نقطة عمياء تتكرر كل فترة معينة، واستطعت استغلالها ونجحت فعلاً!
يتعلم من يلعب مثل تلك الإستراتيجيات ألا ينظر لما أمامه فحسب، بل يلاحظ أيضاً ما وراء المنظور لكي يتجنب الخسائر المحتملة، وهذا مفيد لمن في السوق التجاري أو الصناعي، فملاحظة حركة السوق تمكنك من استغلال أفضل الفرص لك.
وعلى صعيد أكبر قليلاً وأكثر أكاديمية، فإن البروفيسور جون ستيرمان من معهد MIT يستخدم لعبة لتدريب الطلبة الذين يدرسون إدارة الأعمال، والمديرين التنفيذيين.
تلك اللعبة تسمى People Express، عبارة عن محاكاة لشركة طيران تقدم للاعبين منظوراً غنياً عن إدارة شركة خطوط جوية. ويتلقى اللاعبون في كل مرحلة تقييمات عن القرارات التي يتخذونها، عن سرعة نمو الشركة، كيفية وضع الأسعار، الأسلوب الأمثل للإعلان، سياسات التوظيف، الإنتاجية وحركة المال، ردود أفعال المنافسين وهجماتهم، إلخ …
ويتعلم اللاعبون كيفية قيادة مثل تلك الشركات بدون المخاطرة في الوقوع في هاوية الإفلاس. يقول البروفيسور :
“تتطور مهارات اتخاذ القرار والمعرفة القابلة للتنفيذ حين يحصل الناس على فرصة تجربة النظريات التي يتعلمونها في العالم الحقيقي بتعقيداته المتشعبة والضغط الزمني والعواقب التي لا يمكن تجنبها”.
الإحتكاك بالأفكار بصور تفاعلية
تتطلب الألعاب من مديرها -اللاعب- أن يحلل البيئة المحيطة بشكل دائم، ويتخذ قرارات كل حين يتوقف عليها مصير اللعبة ومن معه من زملائه، وأن يفكر ملياً في العواقب التي يتعود عليه جراء اتخاذ قرار بعينه.
كما تحفز حواسك السمعية والبصرية أيضاً. هذا لأن الألعاب توفر تجربة أعمق بكثير من الكتب المقروءة أو التسجيلات الصوتية أو المرئية،و تمضي صناعة الألعاب في هذا المجال لتعزز مستواها فوق مستوى الكتب العادية بمجرد أن يكتمل سوق الواقع التخليلي ويصبح منتشراً بصورة كافية على مستوى الوعي والمبيعات على حد سواء.
كما يستفيد من يلعب الألعاب التي يكون فيها اللاعب ضد خصوم بشريين وفي فرق متنافسة أنه يدرب العديد من المهارات الذهنية لديه، مثل اتخاذ القرار بناءاً على سلوك الخصم المنافس، والتوفيق بين تعاون أفراد الفريق الواحد ومعاملة الخصوم المنافسين، الأمر يشبه في صورة كبيرة جداً التدريب في الساحات القتالية أو العمل في الصيف بإحدى الشركات!. الفارق الوحيد أنك تقوم بالأمر بصورة افتراضية ودون خسائر حقيقية لا يمكن تعويضها.
في الجزء القادم من هذا المقال سأتعرض بإذن الله لجوانب أخرى من الأمر مل كيف أن الألعاب تقدم تحليلات مفصلة عن سلوك المدير أو التنفيذي الذي يتعلم القيادة، وأيضاً كيف توفر الألعاب فرصة تجربة عدة تصورات عن اتخاذ القرارات، كن على تأهب!.
المصدر
www.arageek.com