ظهر خلال السنوات الخمسة الأخيرة تجارب سورية فنيّة كثيرة، منها تجارب كوميدية وجدت طريقها إلى العالم الافتراضي عبر موقع (فيسبوك) الذي بدأ يأخذ رواجاً كبيراً بين المتابعين السوريين خاصة والعرب عامة على حساب موقع (يوتيوب) الشهير والمختص بالفيديوهات.
هذه التجارب التي انطلقت بموارد قليلة، حصدت نجاح على مستوى المتابعة الجماهيرية خاصة بين المراهقين، وحققت نسب عالية، خاصةً في ظل استخدام اللغة الدارجة المعتاد سماعها من أذن المستمع، والأشكال القريبة من المتلقي، والتي تجذب الشباب بشكل عام والمراهقين بشكل خاص.
الثورة الكوميدية السورية على (الفيس بوك) تراوح مستواها بين المقبول والمتواضع، فلم تكن احترافية ولا هاوية، وقفت بين الاثنين.
المحتوى
افتقر مقدمو ومنتجو هذه التجارب للخبرة والتجربة، من الهواية انطلقوا، في محاولة لصنع شيء ما يعبّر عنهم ولكنهم لم يستطيعوا الوصول إلى الاحترافية لأسباب عدة بينها غياب الدعم (كما يقولون) ولكنه ليس أهمها خاصة في ظلّ افتقار القائمين على المشاريع للرؤية الواضحة والأفكار الخلاقة، حيث ظهرت معظم هذه الفيديوهات فقيرة بالمحتوى المعرفي والفكري المفيد، وبعيدة عن الاحترافية.
محاكاة الواقع عبر الكوميديا، كان أحد مواضيع هذه المشاريع، ولكن اختيار المواضيع لهذه المحاكاة لم يكن جيداً بالعموم مع بعض الاستثناءات، فالمواضيع المختارة كانت في معظمها سطحية، أعيد.
اجترار (النكت) الدارجة، وتجسيد القصص والمواقف الساذجة، والأمثلة كثيرة في هذا الخصوص، فنتابع على صفحة جيفارا العلي (محاولة انتحار شاب سوري.. بسبب غبائه) أو (الصديق الكمخة .. وقت بضحك على نكته)، وصفحة محمود بيطار (عيد الحب الكشف عن حبيبتي)، وصفحة تيم حناوي (حرّك يا عمومي)، من هذه العناوين يمكن تخيّل المحتوى المقدم، قضايا ساذجة، ومعالجة ممجوجة.
استخفاف واستسهال
جيفارا العلي، محمود بيطار، تيم حناوي، آدم كادورة، الحمصي، محمود الحمش، عمر مسلماني، وأسماء أخرى، أسماء قدمّت تجارب كوميدية عبر الشبكة العنكبوتية في السنوات الأخيرة، بعضها لاقى نجاح، وقدّم أفكاراً مقبولة عموماً ضمن الإمكانات البسيطة المتاحة لهم، وبعضها الآخر وقع في فخّ الاستسهال بالفن بشكل عام، والكوميديا بشكل خاص.
الكوميديا، هذا النوع الفني الذي باعتراف خبراء الفن يحتاج إلى قدرات استثنائية لتقديمه، ويتطلب قدرات كبيرة على مستوى الأدوات (الفنية للمؤدي) لنجاحه، لم يحظَ بالاحترام المطلوب من معظم الوافدين الجدد إليه.
إضافةً إلى ذلك، كان الاستسهال حاضراً، يُلاحظ في بعض الانتاجات الكوميدية الفيسبوكية الجديدة، استخفاف بعقل المشاهد، فدون تدريب، أو تحضير، أو تنقيح، يخرج علينا المؤيد ليقدم طبخة استفزازية فكرياً وفنياً وثقافياً، وهذه القضايا لا تحتاج إلى دراسة أكاديمية، أو خبرة عملية، بل تحتاج احترام فقط لعقل المشاهد وفكره.
الموهبة
موهبة الكوميديان، أحد العوامل الحاسمة في العمل الكوميدي، ووجودها يكون محركاً أساسياً للحبكة (الكوميدية) المقدمة، فرغم وجود فكرة جيدة، ونص محكم، وإخراج مقبول، يبقى المؤدي وموهبته هي أساس العمل، وهذا الأمر مازال بحاجة إلى بحث لنجده، الموهبة بحاجة إلى ثقل وتدريب ولكن علينا أن نجدها أولاً، بعض من عمل في هذه التجارب يملكون تلك الموهبة، ولكنهم مازالوا بحاجة إلى ثقل لهذه المواهب وتشذيبها، وتطوير أدواتهم للخروج من الهواية إلى الاحترافية.
الإضحاك والتهريج
استجرار الضحك كان سمة عامة لمعظم هذه الانتاجات، والتهريج وللعب على الألفاظ والأشكال أساساً للحبكة المقدمة، فنرى مثلاً في فيديو (ملك المكاري) لمحمود الحمش، اللهجة الشامية بطريقة مبالغة، والكلام المتواصل السريع الذي يتضمن تهريج مبتذل.
والأمثلة كثيرة على الإضحاك والتهريج، حيث تغيب كوميديا الموقف (والتي تعتبر أساس أي عمل كوميدي في العالم)، ويعتمد الموضوع فقط على المقدم وطريقة كلامه وحركاته وضحكاته، فعندما تشاهد مثل هذه الفيديوهات للحظات كثيرة يغيب الموضوع الأساسي عن ذهن المتابع وينشغل بـ(تهريجات) المقدم (المؤدي)، وطريقة كلامه وملابسه.
المؤثرات
في نوع آخر من الفيديوهات (الكوميدية) التي يقدمها الوافدون الجدد إلى الساحة، نتابع منها التي تعتمد على المؤثرات، كالأغاني الدارجة والأقوال المعروفة وأصوات الممثلين المعروفين، كما مثلاً في فيديو (هدية لكل شخص تعرض للخيانة) لـ (الحمصي)، أو فيديو (لما تحكي مع بنت عربية بأوروبا) لـ (عمر مسلماني)، فالأول يستخدم صوت الممثل السوري باسل خياط على أداء مصطنع، والثاني يستخدم موسيقى معروفة مع قصة مفرغة من أي محتوى أو قضية أو فكرة.
استخدام هذه المؤثرات وغيرها، زاد من سوء هذه المنتجات (فنياً)، فمع غياب الموهبة وافتقار الأداء لأدنى درجات الاحترافية، ومع الافتقار للفكرة الخلاقة والقادرة على التأثير، تأتي مؤثرات صوتية ساذجة تزيد (الطين بله).
الجمهور
رواج بعض هذه الأعمال في الأوساط العربية والسورية على مستوى الشباب خاصة جاء أولاً من جدّة التجربة ونوعها، فالأعمال المقدمة وطريقة تقديمها غير معتادة، وجدّة هذه التجارب أثارت فضول الكثير من مرتادي الشبكة العنكبوتية، ودفعتهم إلى المتابعة.
تواضع الأعمال الفنية المقدمة بشكل عام في السنوات الأخيرة ساهم في رواج أعمال (هاوية) كالتي تحدثنا عنها، فالذوق العام متطلباته أصبحت أقل، ودرجة تذوقه للفَنّ تراجعت، طبعاً لا يمكن إنكار بعض الحالات الفردية المميزة والتي استطاعت ملامسة الواقع بطريقة كوميدية احترافية، ولكن يبقى الخط العام للأعمال المقدمة هو المستوى المتواضع أو المقبول في أحسن الأحوال.
ومن العوامل التي ساهمت أيضاً في ازدياد المتابعة تدني المستوى الثقافي والمعرفي المتدني للمجتمعات العربية، ففي إحصائية قُدِّمت من مراكز بحوث عالمية نجد أن كل 80 عربياً يقرأون كتاب في السنة، بينما يقرأ مثلاً المواكن الأوروبي 35 كتاباً في السنة، وبحسب اليونسكو فإن معدّل القراءة لدى الفرد في الوطن العربي لا يزيد عن 6 دقائق في السنة.
هذه الأرقام وغيرها، تعطينا فكرة بسيطة عن المستوى الثقافي للمواطن العربي بشكل عام، وهذا بدوره يجعل مثل هذه التجارب تلقى رواجاً في السوق الافتراضية العربية.
قد يقول البعض أن التجارب الكوميدية الغربية على اليوتيوب تحظى باهتمام الشباب الغربي أيضاً، وتستقطب عدداً كبيراً من المشاهدات، ولكن نظرة صغيرة على المنتجات الغربية ومستواها الفني والفكري، ستجد الفوارق الكبير مع المنتجات العربية، وذلك بالتأكيد نتيجة الفوارق الحضارية بين المجتمعين، وهذا لا يعني أننا كعرب لا نملك تجارب مميزة، ولكن المقارنة بين الاثنين، أمر غير منطقي، خاصة ثقافياً وفكرياً وفنياً.
عمر مسلماني
محمود الحمش
جيفارا العلي
محمود بيطار
تيم حناوي
آدم كادورة
الحمصي
المصدر
www.arageek.com