التوكل منزل من منازل الدين ، ومقام من مقامات الموقنين ، بل هو من معالي درجات المقربين ، وهو في نفسه غامض من حيث العلم ، ثم هو شاق من حيث العمل ووجه غموضه من حيث العلم أن ملاحظة الاسباب والاعتماد عليها شرك في التوحيد والتباعد بالكلية طعن في السنة وقدح في الشرع ، والاعتماد على الاسباب انغماس في غمرة الجهل .
قال الله تعالى : «وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين»وقال : «وعلى الله فليتوكل المتوكلون»«ومن يتوكل على الله فهو حسبه» وقال : «إن الله يحب المتوكلين» فأعظم بمقام موسوم بمحبة الله صاحبه ومضمون بكفاية الله لابسه ، فان المحبوب لا يعذب ولا يبعد ولا يحجب .
وقد قال الله تعالى : «أليس الله بكاف عبده» فطالب الكفاية من غيره هو التارك للتوكل وهو المكذب بهذه الآية .
وقال رسول الله (ص) : «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقتم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا» وقال : «من انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤونة ورزقه من حيث لا يحتسب ، ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها» وقال : «من سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما عند الله أوثق منه ممّا في يده .
وعن الصادق (ع) أوحى الله تعالى إلى داود (ع) «ما اعتصم بي عبد من عبادي دون أحد من خلقي عرفت ذلك من نيته ثم تكيده السماوات والأرض ومن فيهن إلا جعلت له المخرج من بينهن ، وما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي عرفت ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماوات وأسخت الأرض من تحته ولم ابال بأي واد هلك» .
وعنه (ع) : «إن الغنى والعز يجولان ، فاذا ظفرا بموضع التوكل أوطنا».
وعنه (ع) : «إنه قرأ في بعض الكتب أن الله تعالى يقول : وعزتي وجلالي ومجدي وارتفاعي على عرشي لاقطعن أمل كل مؤمّل غيري باليأس ، ولأكسونه ثوب المذلة عند الناس ولأنحينه من قربي ، ولابعدنه من وصلي أيؤمل غيري في الشدايد والشدايد بيدي ويرجو غيري ويقرع بالفكر باب غيري وبيدي مفاتيح الابواب وهي مغلقة وبابي مفتوح لمن دعاني .
فمن ذا الذي أملني لنوائبه فقطعته دونها ، ومن الذي رجاني لعزيمة فقطعت رجاءه مني جعلت آمال عبادي عندي محفوظة فلم يرضوا بحفظي وملأت سماواتي ممّن لا يمل من تسبيحي ، وأمرتهم أن يغلقوا الابواب بيني وبين عبادي فلم يثقوا بقولي .
ألم يعلم من طرقته نائبة من نوائبي أنه لا يملك كشفها أحد غيري ، أفيراني أبدأ بالعطاء قبل المسألة ثم اسأل فلا اجيب سائلي أبخيل أنا فيبخلني عبدي ، أوليس الجود والكرم لي ، أوليس العفو والرحمة بيدي ، أوليس انا محل الآمال فمن يقطعها دوني ، افلا يخشى المؤمّلون ان يؤملوا غيري .
فلو أن أهل سماواتي وأهل أرضي أملوا جميعا ثم اعطيت كل واحد منهم مثل ما امل الجميع ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرّة وكيف ينقص ملك أنا قيّمه فيا بؤسا للقانطين من رحمتي ، ويا بؤسا لمن عصاني ولم يراقبني»