اعلم أنه من اعتقد اعتقادا جازما بأنه لا فاعل إلا الله وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله وأن له تمام العلم والقدرة على كفاية العباد ، ثم تمام العطف والعناية والرحمة بجملة العباد والآحاد ، وأنه ليس وراء منتهى قدرته قدرة ، ولا وراء منتهى علمه علم ولا وراء منتهى عنايته عناية ، اتكل لا محالة قلبه على الله وحده ، ولم يلتفت إلى غيره بوجهه ولا إلى نفسه .
ومن لم يجد ذلك من نفسه فسببه أحد أمرين إما ضعف اليقين ، وإما ضعف القلب ومرضه باستيلاء الجبن عليه وانزعاجه بسبب الاوهام الغالبة عليه ؛ فان القلب قد ينزعج تبعا للوهم وطاعة له من غير نقصان في اليقين كانزعاجه أن يبيت مع ميت في قبر أو فراش مع عدم نفرته عن ساير الجمادات .
فالتوكل لا يتم إلا بقوة القلب وقوة اليقين جميعا إذ بهما يحصل سكون القلب وطمأنينته ، فالسكون في القلب شيء واليقين شيء آخر فكم من يقين لا طمأنينة معه كما قال تعالى لخليله : «أولم تؤمن قال : بلى ولكن ليطمئن قلبي».
وكم من مطمئن لا يقين له كساير أرباب الملل والمذاهب ، فان اليهودي مطمئن القلب إلى تهوده ، وكذا النصراني ولا يقين لهما اصلا وإنما يتبعون الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى وهو سبب اليقين إلا أنهم معرضون عنه .
وعن الكاظم (ع) : «في قول الله عز وجل : «ومن يتوكل على الله فهو حسبه» قال للتوكل على الله درجات : منها أن تتوكل على الله في امورك كلها فما فعل بك كنت عنه راضيا ، تعلم أنه لا يألوك خيرا وفضلا ، وتعلم أن الحكمة في ذلك له فتوكل على الله بتفويض ذلك عليه وثق به فيها وفي غيرها».
ولعل ساير درجات التوكل على الله في بعض اموره دون بعض وتعددها بسبب كثرة الامور المتوكل فيها وقلتها .