إن الوضع الذي يطرأ على المرء أزاء تقريره الأغتراب ،هو وضع يقوم على توثيق اللحظة والأخذ بالحسبان مايترتب على هذا التقرير من نتائج والتي لايمكن أن يتوقعها إجمالاً فتضل الرحلة متروكة للمستقبل . ولأنها رحلة في الزمان والمكان معاً يشوبها الأرتقاب الطويل ويرافق هذا تزاحم شديد للأفكار فيبدأ المرء بتخطي أبعاده النفسية ويستقصي أطراف المعظلة هذا إن جاز لنا أن نسميها معظلة ،بينما هي في الحقيقة مرحلة توليد جديدة للذات.
والغربة لايقتصر معناها على البعد عن الوطن فالغربة لها وجوه أخرى تتفاوت درجاتها كلاً على حسب الضروف التي يعيشها المرء.
فقد يشعربالغربة في وطنه ولربما يشعر بها في محيطه الأجتماعي,وأحياناً مع ذاته.
فالغربة قد تكون فعل أختياري أوفعل مفروض ،من هنا يجب أن يتعايش المرء مع هذا الضرف،وهناك معنى يجب ان لانتغافل عنه وهو طبيعة الدافع الذي يحفز المرء على الأغتراب في الفعل الأختياري ،فقد يكون الدافع أقتصادياً صرفاً،أوقد يكون بحثاً عن الهوية النفسية والضروف الملائمة للعيش،أو يكون من قبيل الترويح عن النفس كما يحدث في السفر السياحي... وغير ذلك،فكل تفكير في الأغتراب يسبقه تهيئ نفسي وأستعداد ذهني أيظاً.
فمسافات الأرتباط والحنين التي يجب أن يجتازها الإنسان في سفره وإبتعاده عن الوطن تشغل حيزاً في ذهنه،فيتغلب المرء على هذه المشاعر السلبية برصد الأهداف المستقبلية والعائد المعنوي والمادي الذي يحصل عليه المرء من غربته.
فالغربة هي تجوال في الذات...ورصد لتعابير الأحاسيس …وتفوق على لغة الحنين.
وكما قال تشيخوف:(الجثة فقط تحتاج الى ثلاثة أمتار...أما الأنسان فيحتاج الى العالم بأسرة.. ليدرك ميزات نفسه...وخواص روحه الحرة).