هذه هي الحياة
سُئِلَ فلاحٌ حول جودةِ مَحصولِ أَرَاضِيهِ:
ـ هل غَلَّةُ القُطْنِ جيدة؟
ـ هنا.. هنا لا تُعْطِي. رد في وُجُومِِ على السائل.
ـ والفاكهة؟
ـ هنا لا تعطي... للأسف ـ أَرْدَفَ قائلا.
ـ والطماطم؟
ـ لا، هنا لا تعطي ـ رد بنفس النَّبْرَةِ.
ـ غريب...!!! ـ رد السائل مستغربا ـ، لأنه في أنحاء المنطقة، وحتى بِجِوَارِ ضَيْعَتِكَ، أرى حقولا شاسعةََ زُرِعَتْ قُطْناََ، وفاكهةََ، وطماطماََ.
ـ نعم... أعرف ذلك ـ رد الفلاح ـ ولكنهم يُنْتِجُونَها هناك...
هُنَا لاَ تُعْطَى...
رجل وزوجتيه
كان هناك رجل في خريف العمر لديه زوجة مسنة وأخرى شابة، كلاهما تحبانه جدا وكل واحدة تتمنى أن يحبها هي.
بدأ الشيب يغزو رأس الرجل، فلم يعجب الزوجة الشابة أن يبدو زوجها عجوزا، لذلك اعتادت كل ليلة أن تمشط شعره وتقتلع الشعرات البيضاء. لكن الزوجة المسنة كانت سعيدة لشيب زوجها لأنها لم تكن ترغب أن تبدو كأمه، فكانت كل ليلة تمشط شعره وتقتلع أكبر عدد ممكن من الشعرات السوداء. وبالنتيجة سرعان ما وجد الرجل نفسه أصلعاً.
استسلم للجميع ولن يبقى لديك شيء لتتنازل عنه.
ريشة النسر
للكاتب البلغاري-إلين بيلين
كنت طفلاً.. وكنت أعدو ذات يوم في المروج فوجدت ريشة نسر، كانت ريشة جميلة وكبيرة ..من كان أسعد مني بها وقتذاك
رفعت الريشة بيدي عاليا وعدوت بكل ما أتيت من قوة ،إذ كان يخيل إليّ أني أطير بخفة النسر.
أصبحت شابا ، فعلقت ريشة النسر على قبعتي ، وتوددت إلى أجمل فتاة في العالم. من كان أسعد مني وقتذاك؟
غير أني كنت فقيراً، لا أملك شيئا سوى ريشة النسر تلك ، فتركتني فتاتي الحبيبة ، إذ قالوا لها أنه لا يمكن للمرء العيش فقط بريشة نسر ٍ جميلة ، وقد أيقنت روحُها الأنثوية ذلك بسهولة..لم يكن هناك أتعس مني حينئذٍ.
خبأت ريشة النسر ، ولم يطاوعني قلبي أن أحملها بعدذاك ، واشتد الحزن في روحي ..حزنا لم استطع دفعه بشيء ، عندها بدأت أدرك أن جميع الناس يعانون مثلي أو ربما أكثر مني .
لماذا هي الحياة بائسة إلى هذا الحد؟
أخرجت ريشة النسر من جديد ، غير أني لم أكن طفلا لألهو بها ، ولا شابا لأتزين ، عند ذاك حددت طرفها لأصنع منها يراعا ً للكتابة .
وأردت أن أكتب شيئا مرحا..غير أن الحزن تدفق من نصي
التعساء
كان يوماً جميلا ، وكأن الشمس تعمدت أن تدفئ ذلك النهار الخريفي لتجلب الفرح للبشر.. غير أنها احتجبت سريعا ، وتسلل البرد من الجبال لينتشر بغتة فوق المدينة
فتجمَّد الغسق لهبوب الريح الباردة التي وثبت من الجبال المجاورة كفدائي ثائر.
ومن على بناية شاهقة في المدينة هبط أحد العمال ، بعد أن أنهى بناء المدخنة الأخيرة.. هبط متثاقلا على درجات المبنى في متاهة من أكوام الألواح الخشبية والركائز ليجد نفسه أخيرا في أسفل البناية حيث كانت زوجته بانتظاره ، والتي كانت في سنٍ مدبرةٍ للشباب ، مقبلةٍ على الهرم، مرتدية لباساً رمادياً خشناً، وكانت بدورها عائدة من عملها كذلك ..لم يتبادلا قولاً ، حيث ارتدى هو معطفه القديم وذهب إلى (براكية خشبية) لمتعهد البناء ، حيث يدخل ويخرج عمالٌ آخرون ،ولم يطل لبثه هناك حيث عاد وتحرك مع زوجه ببطء.
ازداد البرد حدّة ..سارا بصمت ، بأيدي مندسة في الخِرَق ، ثم اجتازا إحدى الأحياء الطرفية لينحدرا عبر الطرق الصغيرة الوسخة.
كان العامل يسير بتثاقل وكأنه ما زال يهبط الدرج المخيف في البناية .
هنالك في مكان ما قام بيتهما الصغير الفقير المعتم المتواني، حيث وقف على عتبته من ثلاثة إلى أربعة أطفال شاحبي الأوجه تشرئب أعناقهم بصبر نافذ نحو منعطف الطريق انتظاراً..لم يكونوا ينتظرون هدايا أو ربتات حنان، ولكنهم كانوا يشعرون بالحاجة للعينين الطيبتين لأمهم الداخلة في الكهولة، وللوجه العابس لأبيهم الراعي لحالهم.
هنالك لن تستعر النار في المدفأة ، ولن يتراقص لهيبها المرح على الحيطان ، فبالنسبة لحالهم لم يحن وقت المدفأة بعد..وسيكون عشاؤهم خبزاً جافاً ، وجبناً ، وبضع حبات من الفلفل الأخضر والبصل. . سيأكلون بلذة وببطء ٍ واحترام للقمة العيش.
الأب يعمل وكذلك الأم ، ويحصّلان الكثير، ولكنهما لا يجرؤان على الصرف ، لأنهما يرتجفان خوفاً من الحياة ، التي كانت دوما مخيفة لهما ، وخوفاً من المجهول القادم في غدٍ ، والذي لم يبدو لهما قطّ أنه قادم بخير...ففقدت أرواحهم الخائفة كل أشكال الفرح.
إلين بيلين
الحطّاب والأفعى
ذات يوم شتوي بينما كان الحطاب يتسكع عائداً من عمله إلى بيته رأى شيئاً أسود يستلقي على الثلج، وعندما اقترب وجد أنها كانت أفعى تبدو كالميتة للناظرين. فأخذها ووضعها في صدره لتدفئتها وركض نحو البيت. ما إن وصل حتى وضعها على الموقد أمام النار. راقبها الأولاد وهي تعود للحياة شيئاً فشيئا، ثم انحنى أحدهم عليها ليداعبها بيده لكن الأفعى رفعت رأسها وأخرجت مخالبها وكانت على وشك أن تلدغ الولد لدغة قاتلة عندما أمسك الحطاب بفأسه وبضربة واحدة قطعها إلى قسمين قائلا:
لا عرفان بالجميل من اللئيم.
الملح وكوب الماء :
كان لأحد الحكماء غلام يساعده في حوائجه ،وكان هذا الغلام دائم التأفف والشكوى والتذمر من الحياة ومن الناس !
فخطر على بال الفيلسوف خاطر ..حيث قال لغلامه إذهب وأتني بحفنة ملح ،ذهب الغلام وفعل ذلك فقال له الرجل ضع الحفنة هذه في كوب ماء،وضعها الغلام ،فقال له الرجل : اشرب الآن الماء ، فما اعترض الغلام رغم استغرابه فشرب الماء وبعد أن انتهى من شرب الكوب مالبث أن تفل ماعلق بلسانه عند آخر الشرب،وقال لملعلمه إن طعمه لمقزز !!
بعدها قال له الرجل إذهب وهات حفنة أخرى من الملح ،فذهب وأحضر ذلك وكان بالقرب منهما بحيرة ..قال له الرجل إذهب وضع الملح في هذه البحيرة فوضعها الغلام دون اعتراض،فقال له الرجل الآن إشرب من البحيرة فشرب !فسأله الرجل : والآن مارأيك بطعم الماء فقال الغلام طعمه عذب!!!
عندها توجه الرجل للغلام وقال له :
هكذا فليكن قلبك يابني واسع مثل البحيرة ،وليس مثل الكأس..
فأنت من تتحكم بطعم الحياة وتستطيع تبديد همومك وتذمرك..
فلا تبحث بعيداً !!!
ترجمها الأستاذ "أحمد الغنام" عن التركية