مع تفاقم الأزمة المالية في البلد، يترسخ تفاوت الرواتب والأجور مع شح فرص العمل، إذ دأب العاملون على حمل عددهم مرتدين ملابس بسيطة ويجلسون مع أقرانهم، بحثاً عن رزق، وآخرون يسيرون بأكياس تضم بين طياتها أدوات خاصة لتسليك المجاري ويتجولون أو يقفون على أرصفة، أملاً بكسب بعض المال.
هو مشهد اعتيادي في أغلب محافظات العراق، فمعظم الكسبة والعمال، يعانون من تدني الأجور ويندبون ركود سوق العمل، الى جانب تفاوت دخل العراقيين بشكل لا يمكن معه المقارنة، في وقت تتحدث فيه وزارة التخطيط عن وصول متوسط دخل الفرد العراقي الى نحو سبعة ملايين دينار سنوياً، أي نحو ستة آلاف دولار.
بشر في قعر السلسلة المالية
وسام ماجد (40 عاماً)، يضع أدوات فتح المجاري على جنب ويجلس هادئا بوضع القرفصاء على قارعة الطريق في تجمع للعمال تحت أشعة الشمس، يقول لـ"السومرية نيوز"، إن "عملنا يقتصر على المنطقة التي نتواجد فيها فقط"، في إشارة الى فاقة الحال التي يعيشها وقلة الفرص التي تأتيه.
ويضيف ماجد، "أحيانا نبقى لمدة شهر بدون أن يطلبنا احد وبعض الأحيان مرتين في اليوم الواحد"، موضحا أن "أجرتهم تتراوح ما بين الـ5 آلاف دينار نحو (أربعة دولارات) – 30 ألف دينار نحو (20 دولاراً)"، وذلك حسب نوع الغلق الذي يعالجونه في المجاري والصعوبة التي يواجهونها.
ويوضح ماجد، "الكثيرون يعتقدون أن عملنا بسيط، في حين لا يمكن لأي شخص تأديته، لأننا نتعامل مع المجاري والأوساخ، وغالبا ما يبتعد أصحاب البيوت عنا ونحن نعمل".
في الكرادة داخل وسط بغداد خفتت حركة محمد قاسم (30 عاما)، عندما سكنت طلبات العمل في مكتب التشغيل وتأجير العدد الإنشائية الذي يعمل فيه، فأخذ قاسم يجلس مترقباً الطريق لعل الحظ يأتيه بزبون، بينما يدخن سيجارة.
قاسم، هو صبّاغ وهو نشط وكثير الخبرة في مجال عمله، لكن أسوء ما يخشاه هو ترنح فرص العمل كونه أجير يومي وعدم خروجه بعمل لمدة طويلة يعني أنه سيواجه مشكلة في دفع إيجار منزله وتأمين لقمة العيش لعائلته المكونة من أربعة أفراد.
ويوضح قاسم، أن "مهنة الصبغ صعبة، لأنها تتطلب جهداً كبيراً ووقوفاً طوال يوم العمل"، مبينا أن "العامل في هذه المهنة يحصل على 30 ألف دينار يومياً في حال توفر عمل، بينما قائده الذي يطلق عليه (الأسطة) يتقاضى 50 ألف دينار، نحو (35 دولاراً)".
ويلفت قاسم الى أنه "مطالب بدفع 400 ألف دينار شهرياً لإيجار المنزل، نحو (325 دولاراً، وزوجته ربة بيت، ولا يوجد وارد أخر لديه"، فيما إشارة الى أنه يواجه مشكلة عويصة في حال استمر لأيام بدون عمل.
ويؤكد قاسم بالقول، "المشكلة أن عملنا ليس دائماً، وبالتالي فإن ما احصل عليه خلال الشهر الواحد لا يكفي حتى الإيجار"، موضحا أن "ذلك الأمر يضطره في اغلب الأحيان الى الاستدانة من صاحب العمل لتمشية أموره".
وليس بعيدا يجلس سعد كريم ذو الـ(22 عاما)، بينما تداعب أصابعه فرشاة صبغ الأحذية ويغني بصوت مقبول لعله يلفت نظر زبون، ويقول في حديث لـ السومرية نيوز، إن "وارده مهنته لا يكاد يوازي همها"، مبينا أن "جل ما يحصل عليه يومياً لا يتجاوز الخمسة آلاف دينار".
ويوضح كريم، أنه "ترك المدرسة في سن مبكر بعد وفاة والده، ولا سبيل له.
20 مليون شخص يعتاشون على الحكومة
المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، رسم صورة وردية لوضع الرواتب في العراق.
ويوضح الهنداوي في حديثه لـ السومرية نيوز، إن "عدد الموظفين في الدولة بلغ أربعة ملايين و500 ألف شخصا، وبالتالي فعندما نحسب أن الشخص الواحد منهم قد يعيل خمسة أفراد ضمن الأسرة، يعني أن هناك 20 مليون مواطن يعتاشون على الحكومة"، مبينا أن "متوسط الراتب الذي يتقاضاه الموظف يتراوح ما بين 300 - 750 ألف دينار شهرياً"، أي ما يعادل (250 – 600 دولاراً).
ويضيف الهنداوي، أن "متوسط دخل الفرد حاليا بالعراق وصل الى 6 آلاف دولار في السنة أي حوالي 7 ملايين دينار"، مبينا أن "ذلك ناتج عن تقسيم الناتج المحلي على عدد السكان".
ومن جانبه يقول محمد العزاوي من المكتب الإعلامي لوزارة العمل في حديث لـ السومرية نيوز، إن "الوزارة باشرت بتطبيق قانون الضمان الاجتماعي على كل الشركات والمحلات والتجار"، مبينا أن "الوزارة أجبرت أصحاب العمل بمراجعة الوزارة لغرض إدخال جميع العاملين لديهم بقانون الضمان الاجتماعي".
ويؤكد العزاوي، أن "أي صاحب عمل لا يمكنه الحصول على إجازة عمل من أي مؤسسة حكومية بدون مراجعة دائرة الضمان الاجتماعي".
التباين طبيعي
الخبير الاقتصادي ضرغام محمد علي يعتبر تباين الأجور "أمر طبيعي في كل المجتمعات"، حسب طبيعة العمل والجهد المبذول فيه وطبيعة خبرات العامل وجهة التوظيف ومدى الحاجة لخبرته اجتماعيا.
ويقول محمد في حديث لـ السومرية نيوز، إن "الأجور عادة ما تكون كبيرة جدا بالنسبة للأطباء وتتراجع وتتدنى بشكل كبير لعمال نظافة و تكاد تصل للصفر للعاملين في بعض المستشفيات الأهلية التي يعتمد عاملوها على الإكرامية"، موضحا أن "هذا التباين مرتبط بطيعة العمل ومستوى الإقبال عليه وحجم المنافسة".
ويبين محمد، أن "العمل الذي مجهوده اقل ولا يحتاج خبر تزداد المنافسة عليه، وبالتالي يقل أجره، وكلما ازداد الاختصاص بالندرة وحاجته لخبرة والشهادات وارتفع عليه الطلب اجتماعيا ارتفعت أجوره لذا هي حالة موجودة في كل مجتمعات العالم ولا يمتاز بها المجتمع العراقي فقط".
ويؤكد محمد، أن "مستوى تباين الأجور في سوق العمل أمر اعتيادي بين العمالة الماهرة والعمالة غير الماهرة، وهي تحدد طبقات المجتمع مع احتساب نسب البطالة التي تشكل ادني هرم الأجور التي قد تصل الى الصفر".
وبحسب تقرير أعدته السومرية نيوز، فإن فئة الأطباء هم الأكثر أجراً في العراق، إذ تتراوح معانية الطبيب للشخص الواحد بين 15 ( 12 دولار) - 50 ألف دينار (40 دولار) ، وغالبا ما تحدد هذه الأسعار وفقا للاختصاص والشهرة.
وتصل أجور بعض الأطباء يوميا الى أكثر من أربعة ملايين دينار يوميا نحو (3200 دولار)، هذا باستثناء الأطباء الذين لديهم عيادات تحتوي على مختبرات تحليل وأخرى للسونار وللتضميد، وفي بعض الأحيان يضطر المراجعون على بعض الأطباء الانتظار لأكثر من 6 ساعات لكي يحظوا بالمعاينة، والبعض الأخر يضطرون لحجز موعد يصل لأكثر من شهر، نظرا لكثرة المراجعين.
يذكر أن موظفي الأجور اليومية العاملين في مختلف الدوائر الحكومية والذين يتقاضون مبالغ شهرية لا تتجاوز في أفضل الأحوال الـ250 ألف دينار نحو 200 دولار شهرياً، غالباً ما يتظاهرون في بغداد ومحافظات أخرى للمطالبة بصرف أجورهم التي لم يتسلموها منذ عدة أشهر، فيما يطالبون بإنصافهم وتحويلهم على الملاك الدائم.
المصدر
www.alsumaria.tv
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نجمه~`~
