بسم الله الرحمن الرحيم
جاء في كتاب التكامل في الأسلام – بتصرف قليل - الجزء الثاني صفحة 222 للعلامة أحمد أمين قدس سره – العراقي -
يجدر بنا أن نذكر بعض ما ينبغي أن يقوم به الشخص عند إرادته التوبة , فأنه ما من عبد ( عدا المعصومين سلام الله عليهم أجمعين ) إلا وقد أذنب , ( ولست هنا لأبين مراتب العصمة الكسبية أو مراتب النفوس من اللوامة إلى المطمئنة وثم النفوس الكوثرية بل أحببت أن أنبه نفسي واخوتي المؤمنين والمؤمنات وببساطة القول ألى أننا كيف نتوب ) .
أذن فما على العبد إلا أن يتوب من ذنبه عاجلا كي لا تتراكم عليه ذنوبه فَيَسْوّدّ قلبه , فيعمى إذ ذاك عن رؤية الحق والواقع .
ولا شك أن الأستغفار على نوعين :
أولا : الأستغفار العملي .
ثانيا : الأستغفار العبادي .
فالأستغفار العملي هو أرجاع ما للناس على العبد أو الفرد من حقوق إلى أصحابها , والإجتهاد في جلب رضاهم الذي هو احراز الرضا الباعث للإطمأنان , وقضاء ما فاته من عبادات .
وأما الإستغفار العبادي :
( 1 ) فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما من عبد أذنب فقام فتطهر وصلى ركعتين وأستغفر الله إلا غفر له وكان حقيقاً على الله أن يقبله , لأنه سبحانه قال : {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء :
( 2 ) وفي الأقبال أنه : خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في اليوم الثاني من شهر ذي القعدة فخاطب الناس قائلا : (( أيها الناس من منكم يروم التوبة ؟ ) . فقالوا : كلنا نروم التوبة . فقال : أغتسلوا وتوضأوا وصلوا أربع ركعات وأقرأوا في كل ركعة سورة الفاتحة مرة واحدة وسورة التوحيد ( الأخلاص ) ثلاث مرات والمعوذتين : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } مرة واحدة ,
وأستغفروا بعد الأنتهاء من الصلاة سبعين مرة وقولوا : ( لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) سبع مرات .ثم قولوا : ( يا عزيز يا غفار أغفر لي ذنوبي وذنوب جميع المؤمنين والمؤمنات , فأنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ) .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( ما من أحد من أمتي يأتي بهذا العمل إلا ومناد يناديه من السماء عن الله تعالى عبدي أستأنف العمل , فقد غفرتُ لك .
وإن ملكا آخر ينادي من تحت العرش : بوركت أنت ومن يلوذ بك وذراريك , وملك آخر يقول : سوف يرضى عنك خصماؤك يوم القيامة . وآخر يقول : يا عبد الله ستموت على الأيمان ولا تعدم الأيمان ويفرَّج لك في قبرك وينوَّر قبرك . وآخر ينادي : سوف يغفر لأبويك وذريتك ويوسّع لك في رزقك , وأن عزرائيل يخاطبه فيقول ك سوف أرفق بك عند قبضي روحك ) .
ثم سأل سائل رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلّم : لو أن رجلا جاء بهذا العمل في غير ذي القعدة ما نتيجة ذلك ؟ فقال رسول الله صلى الله علي وآله وسلّم : ( عين ما كان له من النتيجة في شهر ذي القعدة ) , ثم قال : أن جبرائيل قد علمني هذا العمل عند معراجي ألى السماء .
( 3 ) أن يقول بعد كل فريضة قبل أن يثني رجليه ثلاث مرات : ( أستغفر ألله الذي لا أله إلا هو الحي القيوم ذو الجلال والأكرام وأتوب أليه ) .
( 4 ) المواظبة على صلاة الليل وهي أحد عشر ركعة , منها ثمان ركعات نافلة الليل تصلى ركعتين ركعتين كصلاة الصبح تؤتى بنية نافلة الليل . وركعتان تسميان : 0 الشفع , وركعة واحدة تسمى : 0 الوتر . ووقتها بعد أنتصاف الليل ألى الفجر وكلما كان قرب الفجر كان أفضل , ويستحب أن يقال في قنوت الوتر أ الركعة الأخيرة : سبعين مرة : ( أستغفر الله ربي وأتوب أليه ) وهناك مستحبات أخرى موجودة في كتب الأدعية ومنها مفاتيح الجنان للمرحوم الشيخ عباس القمي طاب ذكره , ويصح لم لا يتكمن من صلاتها لمرض أو عذر آخر يمنعه من صلاتها في الوقت المذكور أن يقدم وقتها قبله لكن الوقت المنصوص عليه عن المعصوم أفضل وأشرف .
أن الله تعالى يمتدح المستغفرين بالأسحار بقوله : {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)} [الذاريات : 15 - 19] .
فطوبى لنفوس فكرت في عقباها فلازمت التقوى وما يؤدي ألى الزلفى ووفقت أنواع السرور والحبور . {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت : 64] .
أي أن الدار الآخرة هي الحياة الحقيقية الأبدية , ليس فيها حزن أو قلق أو خوف {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس : 62] .
حقا أن الحياة بما فيها من مشاكل وأعمال كثيرة لا طائل تحتها وملهيات أخرى لا تفيد في تكامل النفس ... لهي لعب ولهو . فالأنسان في دنياه وأن كان في دوره التكاملي , إلا أن حياته فيها أشبه شيئ بحياة الطفل بالنسبة ألى حياة الرجل المتكامل .
وسيعلم ذلك ... إن وفّق ألى تطهير نفسه في جنة : {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}