في عام 1916 أي قبل 100 عام من الآن لو أخبرت أحدهم أنك خرجت من كوكب الأرض في نزهة لطيفة وأمضيت عاماً كاملاً بعيداً عنها وحينما أكملت نزهتك عدت مرة أخرى كي تخبره بالأمر فربما كان رميك بالجنون هو أقل رد فعل له. لكن العلم وإرادة البشر يصنعان المعجزات مرة أخرى ويحققان ما ظنناه يوماً مستحيلاً.
خرجت علينا وكالات الأنباء من كل مكان لتخبرنا عن عودة رائد الفضاء الأمريكي سكوت كيلي سالماً إلى الأرض بعد رحلة استغرقت 340 يوماً في الفضاء ليصبح بذلك أكثر رائد فضاء أمريكي مكث في الفضاء، إذ قضى 340 يوما متتاليا خلال رحلته الأخيرة ومجموع 520 يومًا في جميع رحلاته الثلاث السابقة.
لماذا صعد سكوت كيلي إلى الفضاء؟
في السابع والعشرين من مارس/آذار عام 2015 انطلق الصاروخ الروسي سويوز من كازاخستان إلى الفضاء الخارجي حاملاً على متنه رائد الفضاء الأمريكي سكوت كيلي ، والروسي ميخائيل كورنينكو، وعالم الكونيات سيرجي فولكوف. الغرض من الرحلة المطولة هو دراسة التغيرات الفسيولوجية والحركية على جسم الإنسان عند بقائه لفترة طويلة في الفضاء الخارجي تصل إلى عام كامل كما فعل سكوت وهو نفس الزمن الذي يستغرقه الإنسان في الوصول إلى كوكب المريخ وهو ما تسعى إليه ناسا بإرسال أول بشري إلى المريخ في الأعوام القادمة.
أثناء الرحلة
بعد صعود سكوت كيلي للفضاء ووصوله إلى محطة الفضاء الدولية مع زميليه الاثنين كورنينكو وفولكوف قام بالتقاط العديد من الصور الرائعة للأرض وإرسالها إلى ناسا ونشرها عبر حسابه على تويتر وإنستغرام.
“شاهدتُ مناظر رائعة من الفضاء، الأضواء الشمالية وهي تعبر جزر البهاماس، التي تنتج عن اصطدام أجزاء من هالة الشمس مشحونة كهربائيًا مع بعضها ودخولها إلى الغلاف الجوي للأرض” وهذه صورة لتلك الظاهرة من الفضاء التقطت يوم 27 أغسطس 2015.
وهذه صورة التقطها لجزر البهاماس
وعلى بعد 220 ميل من سطح الأرض وبسرعة 17.500 ميل لكل ساعة دار سكوت كيلي عشرات المرات عبر محور الكرة الأرضية. وهذه صورة التقطها لأفريقيا.
وهذه صورة لنهر النيل بمصر (اُلتقطت يوم 22 سبتمبر 2015)
وعن هذه الصورة يقول سكوت كيلي “صورة مثل هذه تجعلني أندم لعدم اصطحابي لألواني المائية إلى هنا والتي لن تعمل هنا للأسف”
وعن هذه الصورة لنيوزلندا “لوني المفضل هو الأزرق، لكن هذه المرة ما أفتقده حقاً هو اللون الأخضر، نيوزلندا، لقد كنت في كل شيء على قدر توقعاتي”
وقبل أن ينهي رحلته ويعود إلى الأرض، قال سكوت كيلي في مقابلة له مع قناة CNN الأمريكية “أشعر كأني عشتُ حياتي بأكملها في محطة الفضاء، بالتأكيد هجرها سيكون صعبًا بالنسبة إلي، إذ أنني لن أراها مجدداً”.
معضلة التوأمان
من أشهر المسائل الفلكية المطروحة للنقاش منذ اكتشاف أينشتاين للنسبية قبل 100 عام هي معضلة التوأمان والتي تطرح تساؤلات هامة في حالة كان هناك توأمان على ظهر الأرض صعد أحدهما إلى الفضاء لفترة طويلة والآخر ظل على سطح الأرض فهل بعد عودة الأول ستحدث تغيرات كثيرة به عن أخيه التوأم؟ وهل سيزيد طولاً أو يقل وهل سيزيد في العمر أم لا؟
سكوت كيلي لديه بالفعل أخ توأم وهو رائد الفضاء السابق مارك كيلي والذي وافق على الخضوع لكافة الفحوصات المطلوبة لمقارنته مع أخيه سكوت بعد عودة سكوت من الفضاء، ما يُعد أول تجربة عملية تناقش هذه المسألة على توأمين مكث أحدهما فترة طويلة نسبياً في الفضاء.
وقد قال كيلي، مازحا عندما كان في الفضاء إنه سعيد لأنه سيصبح أطول من توأمه، رائد الفضاء السابق، مارك كيلي، إذ أكد أن الإنسان يصبح أطول حينما يمكث لمدة طويلة في الفضاء ولكن “ذلك لا يدوم”.
في طريق العودة
عاد سكوت كيلس وزملائه إلى الأرض في يوم 1 مارس 2016 ووصلوا سالمين إلى كازاخستان.
هنا صورة للباراشوت الذي حمل الكبسولة سويوز وبداخلها سكوت في طريق العودة لكوكب الأرض.
وهنا الكبسولة نفسها بعد عودتها إلى الأرض.
وهذه لحظة هبوط سكوت وزملائه وملامستهم للأرض بعد 340 يوم من المكوث في الفضاء الخارجي.
ماذا بعد العودة؟
ب
الطبع لم يسترح سكوت لتناول مشروب دافئ، بل قام بمجرد ملامسة قدماه لسطح الأرض بالقفز عالياً لمدة 3 دقائق وذلك لتحرير جسده من وضع الرقود الذي كان عليه. كذلك قام بمجموعة من التمارين الخاصة بالعضلات لتطوير أدائه الحركي بعد المكوث لهذه المدة الطويلة في الفضاء.
بعد ذلك سيتم إرسال سكوت فوراً إلى واشنطن حيث مقر وكالة الفضاء الأمريكية ناسا والتي ستقوم بإجراء فحوصات دقيقة للغاية عليه للتأكد من تأثير 340 يوما خارج الأرض على صحة الإنسان وذلك من خلال المحاور التالية:
الدماغ: هل العيش في الفضاء أثر على حالته النفسية؟ هل شعر بالاكتئاب وهل أثر ذلك على قدراته العقلية؟
الرؤية: هل تأثرت رؤية سكوت؟ وهل تحرك السوائل داخل جسده المتأثر بالجاذبية أدى إلى ضغط على العصب البصري لديه؟
العمليات الحيوية: سوف يتم أخذ عينات بول وبراز ودم ولعاب من سكوت وتحليلهم ومعرفة تأثير ذلك على جهازه المناعي ووظائفه الحيوية.
السلوك الإنساني: مدى تأثير بقاءه لفترة طويلة على كيفية اتخاذه القرارات ومعرفة التوقيت المناسب لتنفيذها ومدى دقة ما يقوم به من أعمال.
الأداء الحركي: كيف هي قوة عضلات سكوت وعظامه وأوعيته الدموية وقلبه؟ ستكون هذه الاختبارات مركزة على استجابة قدرة عضلاته على عمل تمارين خاصة ومدى الاستجابة لها.
الميكروبيولوجيا: سيتم معرفة مدى تراكم الميكروبات في جسد سكوت وهل اختلف ذلك ببقائه في الفضاء هذه المدة؟ وكيف تعامل جسده مع أنظمة التغذية الخاصة به وهو ما يؤثر بالطبع على جهازه المناعي ووظائف جسده الحيوية.
ولمزيد من التفصيل يمكنك رؤية الإنفوجرافيك التالي والذي قدمته ناسا لتوضيح الغرض العلمي من إرسال سكوت إلى الفضاء لمدة عام كامل.
والآن نترككم مع مزيد من الصور لتلك الرحلة الرائعة…
كوكب الأرض
شروق الشمس من الفضاء
صورة أخرى لشروق الشمس
وهنا كوكب الأرض في أبهى حلله وأجملها
المصادر
1، 2، 3، 4