بداية نهاية عبادة الأوثان فى مصر
ومعابد الأوثان
الإمبراطورين قسطنطين وثيؤودوسيوس كانا يحترمان المعابد الوثنية لأنها تمثل الفنون ، ويعتبرانها من ألاثار القديمة ولم يسمحا بهدم المعابد أو كسر التماثيل التى كانت تحتوى أهم العاديات وأثمنها ، صحيح انهما أمرا بقفل المعابد وعدم ممارسة تقديم الذبائح فيها ، ولكنهما أبقيا على ألاثار القديمة وأقاما حراساً لها يأخذون رواتبهم من الحكومة وعينا لها أدلاء (دليل سياحى) ليرشدون الزائرين لمشاهدة أو دراسة ما فيها من الفنون والصنائع ، ولما زار يوليانوس الإمبراطور الجاحد مكان طروادة (حصان طرواده) القديم لم يجد أن الهياكل محفوظة فقط وسليمة بل أن الحارس صار أسقفاً لها (يعتقد أن جزء من مبانى المعبد تحول لكنيسة )
الرهبان والوثنية - الأريوسيين والإنتقام من الوثنيين
وفى مدة حكم الأمبراطور ثيؤودوسيوس The East Roman Emperor Theodosius 2 (401-450 تغير نظام مهادنة الوثنيين الذين أذاقوا المسيحيين ويلات القتل والإضطهاد وتبدل الأمر عندما أصدر الأمبراطور ثيودوسيوس أمراً إعتبر فيه ان المسيحية هى دين البلاد الرسمى ، ولكن قبل حكم هذا الأمبراطور كانت الأريوسية تسيطر على مقاليد الأمور ولايات الإمبراطورية وكان الأباطرة أريوسيين وكذلك الأساقفة وكان أتباع الأريوسية فى الكنيسة قد أدخلوا نظام الإضطهاد والتعذيب وحتى القتل ، فقلدهم أتباع المذهب الأرثوذكسى فأصبحوا يميلون أيضاً إلى إضطهاد كل من يخالفهم فى العقيدة .
وتقول مسز بتشر (1) : " وكان الرهبان أكثر الناس شراً فى هذا المضمار وقد تعدى شرورهم الحد وعم أثمهم كل مكان خصوصاً فى مصر فأصبحوا فيها جيشاً نافذ الرأى ، وكانوا يسيرون حفاة الأقدام حتى أنهم تشبهوا بجماعة من الثوار ولكنهم كانوا جهلاء حمقى ولم يتسلحوا بسلاح العلم والمعرفة كما فى الأزمان السالفة ، فسقطوا فى هاوية الشر والفساد ، حتى أنه وصل الأمر أن أنعدم عندهم وجود الرابط الطبيعى الذى يربط الإنسان عن إرتكاب المعاصى
ثم زاد عصيانهم وتحجرت أفكارهم وإضطربت فلم يكونوا يطيعوا آدمياً سوى رؤساء أديرتهم .
هؤلاء الرهبان أخذوا فى تقويض الهياكل والتماثيل الوثنية ( الصغيرة ) فى كل أنحاء البلاد وكان ذلك ضد الأمر الإمبراطورى بالحفاظ على هذه المعابد ويقول الملكيون ( الأروام ) : " وكان نشاط البطريرك السكندري البابا "ثاوفيلوس (23) بدأ يتسع إذ أخذ على عاتقه تهديم الهياكل والتماثيل الوثنية. كان المسيحيون في ذلك العصر، يعتقدون بأنهم يقدمون خدمة لإلههم. إذ ينتظمون جماعات جماعات وينطلقون لتهديم هياكل الآلهة الوثنية. وكان الوثنيون يطلقون عليهم لقب "العصابات السوداء".( تعليق من الموقع : ولكن إحتفظت المدن الكبيرة مثل مدينة الأسكندريةوغيرها من مدن الأقاليم بهياكل معابدها الوثنية الضخمة لوجود قوات من الجيش ).
تعليق من الموقع : أذاق الوثنيين المسيحيين ويلات القتل والإضطهاد بسبب عقيدتهم الوحشية حتى يعد أن أصبح الغالبية العظمى من المسيحيين كانوا يخطفون المسيحيين ويقدمونهم ذبائح للأوثان ، وقد أستمرت اعمالهم لمدة قرون ، إن هذا النوع من الإضطهاد المسيحى بلا شك لم تسمح به المسيحية ولكننا لم نسمع أن المسيحيين فى مصر قتلوا انساناً وثنياً أو عذبوه بعد ان كان الوثنيين يقتلون الآلاف وفى عصر الأستشهاد وصل عدد الشهداء إلى مليون قبطى وخلت بلاد بأكملها .
الإمبراطور ثيؤودوسيوس يريد أن يوقف تحطيم المعابد
وكان هذا التخريب الذى حدث لم يحدث فى مصر فقط ولكن فى أنحاء العالم وخاصة الأمبراطورية البيزنطية الشرقية وكان ضد اوامر الإمبراطور السابقة ومما يستدعى الأسف أنه لما اراد الأمبراطور ثيؤودوسيوس أن يتدخل بقواته لإيقاف هذا التخريب للمعابد فى أنحاء ألإمبراطورية ، قام بإرهابه امبروز الميلانى وأوقفه عن فعل شئ وهدده تهديداً دينياً .
وفى سنة 393م أصدر الأمبراطور ثيؤودوسيوس أمرأ بحماية مجامع اليهود ، ولكنه ترك هياكل الوثنيين التى كانت آية فى الرونق والبهاء وتحفة فى الفنون للتخريب على أيدى الرهبان يتصرفوا فيها كما شائوا ففى روما لم ينج من أيديهم إلا المدرسة روما المخصصة لأقامة الأعياد وهيكل جوبيتر وذلك رغما عن إرادة الأسقف أمبروز ، ولكنهما خربا بعد وفاة لأمبراطور ثيؤودوسيوس فى أثناء حكم أبنه .
أما فى مصر فقد سار الخراب فى الهياكل الوثنية (ملاحظة من الموقع : كانت الديانة الفرعونية الوثنية القديمة تمارس بصورة ضعيفة فى مصر وحلت محلها آلهة مشتركة بين الفرعونية واليونانية والرومانية ويرجح أن الذى تم تخريبها كانت لعبادة الأوثان النشطة التى أمتزجت آلهتها بالآلهة المصرية ، لأن المعابد الفرعونية القديمة لا تزال قائمة حتى هذا اليوم )
وتقول مسز بتشر (2) أن ذلك تم : " بأمر الأمبراطور ثيؤودوسيوس بناء على طلب البابا ثاؤفيلس Bishop Theophilius of Alexandria وكانت النتيجة أنه لم يبق حجر على حجر لم ينقض من هيكل سيرابيس معدوداً من أجمل الأعمال الهندسية فى مدينة الأسكندرية .
وقد كانت المؤرخة مسز بتشر عادلة فى حكمها نوعاً ما حينما قالت : " وإذا قلنا أن أعمال البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 هذه كانت منشأ الأضطرابات ، فلنا ان نقول أيضاً أن الوثنيين أنفسهم أجهزوا على ما بقى لهم من الرفعة والمجد وجروا أنفسهم وعقيدتهم للحضيض .
بداية الإضطرابات بين المسيحيين والوثنيين
وكان فى أثناء الخصومات التى حدثت بين الوثنيين والمسيحيين أن قتل كثيراً من المسيحيين ، وكان الوثنيين قد إختاروا أولمبيوس رئيس كهنة هيكل سيرابيس قائداً لهم وهربوا وتحصنوا فى هيكل سيرابيس العظيم وأخذوا يدافعون عن أنفسهم ويصدون هجمات مدينة الإسكندرية التى قامت ضدهم ، وقد كان هذا الهيكل كحصن حصين لأنه بنى على قطعة مرتفعة من الأرض على شكل بديع وفى وسطه ردهة واسعة ، وكانت جدرانة سميكة مبينية على شكل هندسى دقيق تعلوها طبقة من نحاس ، وأسفلها أنفاق وممرات وطرق سرية ، وهو مقسم من الداخل إلى غرف تختص بعضها بالكهنة وبعضها للمصليين وبعضها للضيوف والزوار ، وكان فيها مكان هائل معد للمكتبة الكبرى بها عدد هائل من البرديات التى تحتوى على كنوز العلم والمعرفة (هذه المكتبة غير المكتبة التى أنشأها المسيحيين فى المدينة وكانت تابعة لمدرسة الأسكندرية ) .
ففى هذا الهيكل تحصن ما تبقى من الوثنيين فى مدينة الأسكندرية وهم يدافعون عن مجدهم السالف عندما كانت القوة المدنية طوع أوامرهم وكانوا هم الأعلون قاموا يدافعون عن عقيدتهم الوثنية التى كانوا فيها يذبحون البشر من المسيحيين ، وكان بعض الوثنيين من الرجال الأبطال الذين كان بعضهم من أفراد الجيش وأعدوا للحرب والقتال فكانوا يسخرون وهم من داخل ابوابه بالإمبراطور والبطريرك معاً ولكنهم لم يبقوا على هذه الحالة طويلاً ، بل هدوا الأمن العام إذ خرجوا من حصنهم على أهل المدينة فى هجمة واحدة وإختطفوا بعض المسيحيين وعذبوهم أمام مذبح آلهتهم ليضطروهم ليذبحوا للأوثان ، وطبيعى أن كل من رفض منهم كانت نهايته الموت .
رد فعل الحكومة
وطبيعى أن الحكومة لن تسمح بهذا التمرد وإستمرار هذه الحوادث والهجمات على الأغلبية المسيحية من قلة متشرزمة متحصنة داخل معبد سيرابيس الوثنى ، فقاد إيفاجريوس والى مصر فى ذلك الوقت فرقة من الجند وتقدم نحو المتمردين الثائرين وتكلم معهم وأخذ يسرد لهم نتيجة هذا العمل الذى يعد ضرباً من الجنون وإنتحار جماعى وأظهر لهم سوء عاقبة هذه الأعمال وصرامة القصاص الذى يقع عليهم إذ هم ظلوا يسخرون بسلطة الروم (البيزنطية الشرقية) ، ولم يكد ينتهى إيفاجريوس والى مصر من كلامه حتى قام أولمبيوس رئيس كهنة هيكل سيرابيس وألقى خطاباً فصيحاً يحضهم على إحتمال أى عناء وتعب ولا يتركوا آلهة آبائهم عرضة للهزء والسخرية ، وأثر هذا الخطاب الحماسى رفض مجموعة الوثنيين سماع كلام الوالى الرومانى وأشاحوا بوجوههم عن نصائحة وأعرضوا عن سماع كلمات الحكمة بأنفة وشمم وتذكروا أمجاد أجدادهم الأولين عندما كانوا مسيطرين على الحكم والسلطة فى أيديهم .
ولما كان هذا الهيكل حصيناً لا يمكن إقتحامه إلا بعد حصار طويل وحرب ضروس ، ترك إيفاجريوس والى مصر المتمردين الوثنيين فيه دون أن يعلن عليهم الحرب أو يحاول إثارتهم .
صدور أمر من الإمبراطور بهدم المعابد الوثنية مصدر التمرد
وكتب إيفاجريوس والى مصر كتاباً إلى الأمبراطورثيؤودوسيوس 2 يسأله إعطاء تعليمات وأوامر التى بمقتضاها يتم حل هذه المشكلة ، فرد عليه الأمبراطور ثيؤودوسيوس قائلاً : " أن المسيحيين الذين قتلوا فى هذه الحوادث يعتبرون من الشهداء ولذلك يجب مسامحة قاتليهم والتجاوز عن سيئات الذين آساؤا إليهم ، ثم امر الإمبراطور بهدم جميع الهياكل فى الإسكندرية وإزالتها من الوجود ما دامت سبب الإضطرابات ونشأة هذا التمرد والثورات .
فلما وصل أمر الإمبراطور الذى اصدره وتناقل خبره بين الناس وقيل أنه سيقرأ جهاراً فى الأسواق والأماكن الحكومية والعامة إحتشد كثير من المسيحيين والوثنيين لسماع فحواه ومعرفة ما حواه ، فلما اتم الوالى قراءته صاح المسيحيين صيحة الإبتهاج والتهليل ، أما الوثنيين فإنزعجوا وإرتعبوا وفروا هاربين ، ولما حل المساء وأسدل الظلام أستاره خرجأولمبيوس رئيس كهنة هيكل سيرابيس وأتباعه من الهيكل وتركوه وشأنه تعبث به الأيدى التى وصل لها الأمر الأمبراطورى وذهبوا يلتمسوا لأنفسهم مكاناً يختبئون فيه .