سؤال قد طرحه الكثيرون منكم إن لم يكن جميعكم، وهذا السؤال هو: هل هناك وجود لكائنات عاقلة غيرنا (البشر) في هذا الكون؟
نظرا لاهتمام الكثيرين بهذا الموضوع فقد ارتأيت أن أعجل بالكتابة عنه. ولكي نصل إلى نتيجة مقبولة عقليا ومنطقيا حول هذا الموضوع سأقوم بتحييد بعض الشوائب التي قد تُؤثر في اتخاذ القارئ لقرار حاسم بشأن وجود كائنات عاقلة غيرنا في هذا الكون.
بما أننا عرب وبالتالي في الأغلب كلنا مسلمون فنبدأ من هذه الناحية:
سؤال: هل يُوجد في القرآن الكريم أو السنة ما ينفي بشكل مباشر أو غير مباشر وجود كائنات أخرى عاقلة غير الكائنات المعروفة؟
وأقصد بالمعروف هنا: ما هو معروف ملموس كنحن البشر. وما هو غير ملموس وإنما نعتقد بوجوده كالله تعالى والملائكة والجن.
الجواب العام هو لا، لا يوجد في القرآن الكريم والسنة ما يمنع وجود كائنات عاقلة غيرنا، بل هناك ما يُشير بشكل غير مباشر إلى وجودها. وهنا أقول بشكل غير مباشر لأن كل ما يُذكر في القرآن الكريم أو السنة ولم يتم إيضاح معناه من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم يبقى قابلا للتفسير حسب المفسرين، وبما أن المفسرين هم بشر عاديون فإنهم يختلفون طبعا، وكل حسب عقله، وما يهديه الله إليه، وخير مثال على الإشارة غير المباشرة هو قول الله تعالى في القرآن الكريم: ((ومن آياته خَلقُ السماوات والأرض وما بثّ فيهما من دابّة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير)) سورة الشورى-آية 29.
وكما تلاحظون في هذه الآية استخدم الحق سبحانه وتعالى كلمة "دابّة" والدابة ليست ملَكا ولا جان، ولكن في نفس الوقت لم يُحدد ما إذا كانت هذه "الدواب" عاقلة أو غير ذلك. وبهذا نصل إلى طريق مسدود في إثبات وجود كائنات عاقلة غير البشر من الناحية الدينية، ولكن من هذه الناحية لدينا ميل إلى إمكانية وجودها لسبب بسيط هو: الله قادر على كل شيء ويفعل ما يشاء.
الآن ننتقل إلى الناحية العلمية البحتة:
وهنا أطرح عليكم بعض الحقائق البسيطة ثم سؤالان:
هناك نجم (الشمس) يدور حوله كوكب (الأرض) وهذا الأخير به كائنات عاقلة (نحن البشر)، وهناك أكثر من 200 مليار نجمة في مجرة درب التبان (مجرتنا)، وهناك عدد لا نهائي من المجرات يزداد كلما تحسنت مناظيرنا الفلكية، ويوجد مليارات النجوم تدور حولها كواكب.
السؤال الأول: ما احتمال وجود كائنات حية في أحد تلك الكواكب؟
السؤال الثاني: ما احتمال وجود كائنات حية عاقلة في أحد تلك الكواكب التي تحتوي على كائنات حية؟
إن الإجابة على هذان السؤالان غير ممكنة بشكل ملموس فأقرب نجم إلينا يبعد عنا بأربع سنوات ضوئية ما يعني أنه علينا صناعة مركبة فضائية تسير بسرعة الضوء وبعد ذلك سنحتاج إلى أربع سنوات لكي نصل إلى ذلك النجم، فما بالك إذا بالنجوم التي تبعد عنا آلاف أو ملايين السنوات الضوئية. ولكن هذا لا يمنع من أن نجيب عليهما بشكل نظري منطقي بحت، ولفعل ذلك سأستحضر النظرية القائلة: كل البدايات المتشابهة تُؤدي في الغالب إلى نهايات متشابهة.
وهذه النظرية تعني باختصار أن الأشياء التي تكون لها نفس البداية في الغالب تكون لها نفس النهاية، وكمثال سنفترض أننا نرمي كرات باتجاه جدار ما بنفس الطريقة فإن هذه الكرات بما أنها أرسلت بنفس الطريقة تقريبا وبنفس القوة فإنها كلها تصطدم بالجدار وترتد عنها في أماكن قريبة من بعضها وأحيانا في نفس المكان. ما يعني أنها تنتهي بنفس الطريقة.
بسطر واحد: كل الكرات بدأت رحلتها اتجاه الجدار بنفس الطريقة تقريبا وبالتالي فهي تنتهي بنفس الطريقة تقريبا. وهذا هو معنى النظرية بشكل أبسط.
لكن ماذا عن تطبيق هذه النظرية على تكون النجوم والكواكب ونشوء الحياة؟
حسنا هنا سنعود إلا الدين مجددا، ونقول بخصوصه أن الله تعالى قد خلق الكون بالتأكيد على طريقة تحديد البداية والقواعد العامة للتطور ثم تابع الكون تطوره بذاته (طبعا بقدرة الله)، ومن هذا المنطلق وهو ما يراه العلماء أيضا بالنسبة للتكوين فيكون لدينا بدايات متشابهة.
كل النجوم تكونت بطرق متشابهة ولهذا فكلها تحتوي على غازي الهليوم والهيدروجين بشكل أساسي وكلها تنتج الحرارة عن طريق الاندماج النووي (اندماج ذرات الهيدروجين ما ينتج هليوم والحرارة)، ولكن حتى هنا تبدأ بعض الاختلافات بالظهور وذلك عائد طبعا إلى القواعد التي حددها الله تعالى أو (لعبت الصدفة دورها في ذلك حسب العلماء) وكمثال على الاختلافات وأسبابها المحتملة نذكر مثلا كبر نجوم وصغر أخرى وسبب ذلك كمية المادة الأولية التي تكونت منها كل نجمة. وهكذا فإننا سنتابع هذا الأسلوب حتى نصل إلى تشابه النجوم في وجود كواكب تدور حول نسبة لا بأس بها منها، ثم نصل بعد ذلك إلى تشابه جزء آخر من النجوم التي لديها كواكب تدور حولها في أن يكون هناك كواكب ظهرت بها الحياة كما ظهرت على الأرض. وبعد ذلك نصل بنفس الأسلوب إلى كواكب بها كائنات حية تطور بعضها أو نوع واحد منها إلى كائنات حية عاقلة.
لحظة فصل:
هنا نعود للدين مجددا، نحن المسلمون نعرف حسب القرآن أن الإنسان لم يتطور ليُصبح كائنا عاقلا وإنما خُلق كائنا عاقلا مباشرة، وبالتالي هذه النظرية ولو أنها قد تتفق مع الدين في البداية لكنها تختلف معه في النهاية كما هو واضح، ولكن هذا لا يمنع من أن الله قد يكون خلق كائنات عاقلة في مكان ما من هذا الكون.