لنظرية الشعرية عن «إليوت وأدونيس» حيث يهدف هذا الكتاب إلى إظهار التشابهات والتماثلات بين حركة الشعر «الانكلو أميركية» وحركة الشعر الحديث في اللغة العربية، والتأثير المحوري لشعر «إليوت» ونظريته على ذلك، والقرابات الايديولوجية بين مجموعة شعراء شاركوا في مجلة شعر في بيروت،
وبخاصة يوسف الخال، ومايمكن أن نسميه أيديولوجية الوعي عند «إليوت» كما كان كثير من أعضاء مجلة «شعر» بما فيهم أدونيس متأثرين بأصول الشرق وحضارته التي لم تكن الحضارة اليونانية إلا جزءاً من تجلياتها. ورغم محاولات بعض النقاد لدراسة تأثير عمل الشاعر إليوت على حركة الشعر الحديث عند شعراء العربية التي ازدهرت منذ بداية الخمسينات من القرن الماضي، فإنه يمكن القول : إن هذه الدراسة التي يقدمها الأستاذ عاطف فضول هي الدراسة الأولى التي تحاول أن تقوم بمقارنة شمولية بين نظرية «إليوت» الشعرية، ونظرية «أدونيس» يبدأ الكتاب بعنوان «الخلفية» حيث يحاول الباحث أن يسوّغ لدراسة مقارنة للنظرية، لكل من إليوت وأدونيس مستخدماً مصطلح النظرية الشعرية لوصف النقاشات النظرية التي تدور حول طبيعة الشعر ومبادئه ووظائفه، سواء أكانت منهجية أم لا، وسواء قُدّمت كنظريات في الشعر، أو استنتجت ببساطة من مناقشة موضوعات أخرى وثيقة الصلة بالشعر، حيث نظر مثلاً إلى كتابات: إليوت وأدونيس النثرية، التي لاتعالج المسائل الأدبية فحسب، بل تناقش قضايا ثقافية عامة. تعكس كتابات إليوت همّ إنقاذ الحضارة الغربية من خطر الانهيار، وقد ركّزت مقالاته في مجلة «كراتيريون» على الحاجة إلى إيجاد فلسفة سياسية، وإحياء ثقافي يمكن أن ينقذ البلدان الغربية. ويمكن القول : إن جدلية الهجرة والعودة، هي مفتاح فكر إليوت ونظريته الشعرية، حيث ترك ذلك تأثيراً عميقاً على الشعر والنقد، اللذين كتبا في العالم. أما في عالمنا العربي، فيبدو أن الشاعرين : بدر شاكر السياب ونازك الملائكة قد كانا أول من كسر ولو جزئياً قواعد الخليل في العروض، ليبدأ ذلك عميقاً في الخمسينات، حيث عبرت كتابات الشعراء، وبخاصة أدونيس عن حاجة ملحّة لإنقاذ الثقافة العربية والمجتمع العربي من وضع يائس، كما دعا إليوت قبل ذلك أنه لايمكن فهم شعره إلاّ بدراسة الكوميديا الإلهية لدانتي وندرك حين قراءة شعره تصوّف إليوت الذي هو ثمرة اجتهاد المفكر ، لاثمرة تجربة المتصوّف في ساعة الوجد، إنه أيضاً تصوّف غاضب يائس وحزين، ويناقض التصوّف الحقيقي، ومن يقرأ كتبه وأبحاثه، يدرك تماماً تأثره بالتجربة الصوفية العربية وفي المقابل نرى أدونيس متصوفاً كتصوف إليوت وممثلاً للعودة إلى تراث المنطقة العربية وأساطيرها، بدءاً من اسمه، وتقمّص شخصه معنى الديمومة التموزية، إلى ماقدمه من إبداع شعري، وبخاصة قصيدة «قالت الأرض» التي هي صورة «للأرض الخراب» لإليوت، وولادتها الجديدة على يد بطل منقذ، مات ليبعث أمته من الموت، حيث يستخدم أسطورة الفينيق ليعبّر عن حالة الغربة الكيانية والاغتراب الروحي والوجودي، الذي تعاني منه هذه الأمة. ولعل دراسة أدونيس في كتابه المهم «الثابت والمتحوّل» في الجزء الثالث لدور جبران خليل جبران توضح منهجه، حيث يرى أن جبران كاتب رؤيوي، وأن ثمة درجات للرؤى، بحسب الشخص المعني، ويقتبس كلام المتصوف «ابن عربي» الذي يقول: إن المعنى في الرؤيا يتشكل كالجنين في الرحم، فالرؤيا بالتالي هي نوع من الاتحاد بالغيب، يخلق صورة جديدة للعالم، أو يخلق العالم من جديد، حيث يضيق الرائي بالعالم المحسوس، لأنه عالم تتحكّم به الرتابة والعادة. ويوضح عرض أدونيس لأفكار ورؤى جبران أنه هو نفسه يتعامل بجديّة مع مسألة نبوءة الشاعر، ويوضح تجلياتها في شكل رؤى وأحلام وجنون وتخيل. يؤكد إليوت أيضاً على الحس التاريخي لدى الشاعر، وعلى حاجته إلى هضم التراث، قبل أن يتمكن من إدخال شيء جديد يعدّل أو يبدّل قليلاً النظام الغني القائم. وقد ندرك أهمية ماقدمه أدونيس للتراث العربي حين نطّلع على كتابه الهام «الثابت والمتحول» وعبر اختياراته الشعرية من الشعر العربي في كتابه «ديوان الشعر العربي» ورغم الفروقات الظاهرية بين مفهومي الشعر لدى إليوت وأدونيس يستطيع المرء أن يرى بعض التشابهات العميقة فكلاهما يمنح لشكل الشعر ووحدته مع المضمون القيمة الكبرى، كما يؤكدان على أهمية أداة التعبير في الشعر، أي اللغة، ويؤكدان على استقلالية الشعر، بمعنى أنه ليس بديلاً أو تابعاً لأي شيء آخر. كما أن أدونيس وإليوت لايثقان بالشعر الذي يقصد التعليم أو الإقناع أو الذي يخدم إيديولوجيا معينة، إلا أن أدونيس يشدد على وظيفة الشعر، واعتباره شكلاً من المعرفة الحدسية أو الرؤيوية، ويؤكد على دور الشاعر في الثورة ضد جميع أنواع السلطة، أما إليوت فيؤكد بدوره على دور الشاعر في إنقاذ ثقافته من أخطار الهرطقة وتسطيح القيم. ويؤكد إليوت على الوحدة العضوية للشكل والمضمون الأجزاء والكل وعلى الحاجة إلى التغيير والتطور في عمل شاعر متفرد، في حين يرفض أدونيس أية قواعد أو معايير تحصر حق الشاعر في التجريب في شكل الشعر، ويضيف أن الشعر الجديد باعتباره كشفاً ورؤيا هو غامض متردد وغير منطقي ، ويجب أن يتجاوز الشروط الكليّة لأنه يحتاج إلى المزيد من الحرية. ويرى كل من إليوت وأدونيس أن تاريخ الأدب هو بشكل رئيسي تاريخ الشعراء العظام، وكلاهما معنيان بالسياق الذي يعمل فيه الشاعر العظيم، وبالدور الذي يلعبه في المجتمع والثقافة. وهكذا فإن وجهتي نظرهما في الشاعر، مثاليتان ونخبويتان، فبالنسبة لأدونيس لايوجد شعر بل يوجد شعراء فقط ويجب أن تكون تجربة كل شاعر فريدة، وقصيدة عظيمة يمكن أن تلغي جميع النظريات في كتابة القصيدة، لكن جميع نظريات الشعر لايمكن أن تلغي شاعراً عظيماً، ويعتقد أن العلاقة بين الأدب والسياسة وثيقة الصلة في السياق العربي ونظرياته في الثقافة والتراث العربي سياسية بشكل واضح بالمعنى اليوناني لكلمة سياسية، أي بناء الانسان والمدينة واهتم كلاهما بتلقي الشعر، وقد كان اتجاههما النخبوي واضحاً وكلاهما وقف ضد القوى التي تهدد الحرية والفردية والإبداع.‏