لماذا لا يصدّق الكثير بنفاق المنافق؟!/ هذه من التحدّيات التي تصرع الكثير في مصارع الفتن!
سلسلة درس استعراض تحليلي لتاريخ الإسلام الجلسة57 ـ 11/02/2016
سماحة الشيخ بناهيان:
بودّي في هذه الليلة أن أدافع عن المنافقين من وحي آيات القرآن. فكأن القوم غير مقصّرين كثيرا. أفهل المنافقون قد قصدوا الإفساد عمدا؟! وهل المنافقون يعلمون أنهم مفسدون؟ يبدو من بعض آيات القرآن أن المنافقين لم يتعمّدوا الإفساد في كثير من الأحيان، بل يؤدّي نشاطهم إلى فساد بطبيعة الحال، وهم لا يعلمون ذلك في كثير من الأحيان. ولا يخفى أن في مثل هذه الظروف يشتدّ خطرهم. لماذا؟ لأنه إذا كان الإنسان قد شهر على الإسلام سيفه عن عمد وإرادة، فهنا يتّضح تكليفنا تجاهه، ولكن عندما لا يدري ماذا يفعل، يصعب الموقف ويتحير الإنسان في كيفية مواجهته.
في بداية القرآن وفي الصفحة الثانية من سورة البقرة، يبدأ الله بعد آيات قليلة عن المؤمنين والكفّار، بوصف حالات المنافقين فيقول: (و إِذا قيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) ومعنى لا تفسدوا يعني لا تخرّبوا. يعني هناك أوضاع صحيحة وسليمة فلا تخرّبوها، أو لا تقفوا مانعا أمام حركة الإصلاح. فعندما يقول: (لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) لا يعني أنّهم يَفسُدون وحسب، بل يُفسِدون المجتمع أيضا. وشتّان بين الفاسد و «المفسد في الأرض». فلم يقرّر ديننا حدّا على الفاسد الذي يمارس الفسق والفساد، بدون أن يفسد المجتمع.
)و إِذا قيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ، قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ( ثم يقول الله تعليقا على ادعائهم: (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَ لکِن لَّا يشْعُرُون). هذه أول «ألا» في القرآن بحسب ترتيب الكتاب. يعني اسمعوا وافهموا (إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ). وقد استوقفتني وحيّرتني تكملة الآية حيث يقول: (وَ لکِن لَّا يشْعُرُون). وكأن الله يريد أن يدافع في هذه الآية عن المنافقين، أن: «لا يدرك هؤلاء حقيقة إفسادهم وتخريبهم». أرأيتم كم يتعجب بعض الناس بعد افتضاح أحد المنافقين، فيقولون: «يا للعجب، لقد كان إنسانا صالحا، ولم تحكِ ملامحه عن فساده، فكان إنسانا مشفقا حقّا!». والقرآن يؤيّد ذلك إذ يخبرنا بأن المنافق هو أيضا لم يكن يشعر بإفساده. فبإمكانكم أن تعتبروا هذه الآيات أوج دفاع الله عن المنافقين.
لقد حذّرنا الله في هذه الآية عن بعض المنافقين. فكأنه يقول: توخّ الحذر كثيرا من هؤلاء المنافقين! إذ لا يشعرون بفسادهم. فلا تغترّ بصدق أعينهم! وهذه هي إحدى التحدّيات التي تصرع الكثير في مصارع الفتن، فلا يصدّقون بنفاق المنافق! ويقول أصدقاؤه المقرّبون: «إنه إنسان صالح وذو أخلاق جيّدة». وكذلك القرآن يؤيّد صدقهم. فعندما يقولون: نحن إصلاحيّون (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ( صادقون في كلامهم. فما هي علّتهم؟ (وَ لکِن لَّا يشْعُرُون)!
ثمّ يذكر الله خصلة أخرى من خصالهم. (وَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ ءَامِنُواْ کَمَا ءَامَنَ النَّاسُ، قَالُواْ أَ نُؤْمِنُ کَمَا ءَامَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ، وَ لَکِن لَّا يعْلَمُون). انظروا إلى «ألا» الثانية في القرآن؛ (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ، وَ لَاکِن لَّا يعْلَمُون).
من هم السفهاء عند المنافقين؟ هم أولئك الذين يسمعون كلام الله ورسوله ويمتثلون له بلا أيّ نقاش. أمّا هؤلاء الذين يحسبون أنفسهم عقلاء، فيمتثلون أحكام الله ورسوله بعد إجراء بعض التعديلات فيها. فهم يزعمون أن هؤلاء الناس الذين يمتثلون أحكام الله جملة وتفصيلا سفهاء. فانظروا كم أن هذا القرآن سياسي...