سيرته الذاتية :
ولد محمود درويش في 13 شهر آذار (مارس) من عام 1941م في قرية صغيرة وادعة تقع على مسافة 9 كيلومترات شرقي عكا، وتدعى «البروة» القرية التي يكتب التاريخ عنها أنها قاومت الاحتلال في بواكيره وبعدد سكانها الذي لا يتجاوز ألفي نسمة» «أما أسرته فأبوه سليم درويش الفلاح البسيط الذي لا يملك شيئاً»ومحمود درويش يشير في ديوانه إلى ذلك الموضوع في قصيدته





«بطاقة هوية»


سجّل أنا عربي..
وأبي.. من أسرة المحراث
لا من سادة نُجُب
وجدي كان فلاحاً
بلا حسبٍ.. ولا نسب.


أما أمه فهي من قرية «الدامون» قرب الناصرة وكان والدها أديب البقاعي عمدة الدامون فقد كانت سيدة فلسطينية لا تقرأ ولا تكتب».


«وكان الشاعر من العائلة التي تتألف من ثمانية أبناء، صبيان وثلاث بنات وهو الابن الثاني في الأسرة التي نزحت الى لبنان.





حياته الأدبية


تعلَّم محمود درويش العلوم والدراسات الابتدائية في مدرسة «الأونروا» في خيام «الدامور» في لبنان.


بعد العودة إلى وطنه، فلسطين، والقرية الجديدة، دير الأسد كان في الصف الثاني، يتحدث الشاعر أنه طالع الأدب العربي كثيراً وقلَّد الشعر الجاهلي في محاولاته الشعرية الأولى.


وقد تحدث عن هذا الموضوع في مقابلة صحفية مع مجلة العالم:
«لقد تأثرت بعدد من الشعراء وأنا أجاهر بذلك دائماً، أنا ابن الشعر الجاهلي وابن أبي الطيب المتنبي وابن التطور الشعري على مستوى القرن العشرين في العالم الغربي».


«خلال وجوده في فلسطين عاش في منطقة الجليل وعمل لبعض الوقت في تحرير صحيفة (الاتحاد) اليومية التي يصدرها حزب راكاح. عام 1971 غادر محمود درويش فلسطين وذهب للعيش في بيروت حيث نال شهرة واسعة بوصفه شاعر المقاومة الأول مارس درويش الصحافة في عدد من الدول العربية. بعد خروجه من بيروت عام 1982م سافر إلى باريس ثم قبرص ورأس خلال سنوات الثمانينات وبداية التسعينات تحرير مجلة «الكرمل» الأدبية الراقية التي توقفت ثم عادت إلى الصدور ثانية من رام اللّه‏ في فلسطين في أوائل عام 1997.




حياته السياسية :
«عاش درويش لاجئاً في وطنه وشارك في الكفاح السياسي في مطلع شبابه وانضم إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي، راكاح. وبسبب معتقداته السياسية تعرض درويش للمضايقة والقمع المتواصل على أيدي السلطات الإسرائيلية» وقد سجن عدة مرات. «كانت المرة الأولى سنة 1961 حين انتقل من قرية «الجديدة» ليعيش وحده في مدينة حيفا سنة 1960 وكان اعتقال البوليس الإسرائيلي له في مسكنه بدون بسبب»يقول محمود درويش عن الحبسة الأولى في السجن: «إن السجن الأول مثل الحب لا ينسى». سجن محمود درويش للمرة الثانية سنة 1965 بسبب سفره إلى القدس من حيفا بدون تصريح حيث ينبغي لكل عربي أن يحمل تصريحاً خاصاً إذا أراد أن ينتقل من مكان إلى آخر، كما سجن مرة أخرى عندما عقد الطلاب العرب في الجامعة العبرية أمسية شعرية، حيث ذهب محمود من حيفا إلى القدس للاشتراك في هذه الأمسية وهناك ألقى قصيدته المعروفة «نشيد الرجال» التي نشرها بعد ذلك في ديوانه الثالث


«عاشق من فلسطين»
وهذا مطلعها:


لأجمل ضفة امشي
فلا تحزن على قدمي
من الأشواك
إن خطاي مثل الشمس
ولا تقوى بدون دمي!
لأجمل ضفة أمشي
فلا تحزن على قلبي
من القرصان...
إن فؤادي المعجون كالأرض
نسيم في يد الحب
وبارد على البغض.


وهو يتحدث عن سجنه دائماً إذ يقول في قصيدة باسم


«السجن»


تغير عنوان بيتي
وموعد أكلي




مؤلفاته :
ألّف كتباً كثيرة في الشعر والنثر. أما آثاره الشعرية فتبلغ ستة وعشرين ديواناً. أهم هذه الدواوين هي: (عاشق من فلسطين 1966م) ،( آخر الليل (1967 ألفه بعد حرب حزيران 1967،( مديح الظل العالي 1983) ، (أحد عشر كوكباً 1992)، (حالة حصار 2002) ، ( لا تعتذر عما فعلت عام 2003 )و....


أما أهم آثاره النثرية هي: )شيء عن الوطن 1971 ) ( ويوميات الحزن العادي 1973) و ...




كفاحه وشعره :
محمود درويش شاعر الحب، شاعر الأم، شاعر الوطن، شاعر الأرض المحتلة وشاعر فلسطين. كان مجاهداً في طليعة المجاهدين، أنا اعتقد أن الجهاد أنواع متعددة لا يكون الجهاد بحمل بندقية فحسب، بل قد يكون القلم والقول أنفذ من الرماح المسددة والسيوف القاطعة وأعظم من القنابل المدمرة، إذ يقول في مديح الظل العالي بصوت حار:


كم مرة تتفتَّحُ الزهرة
كم مرة ستسافر الثورة
واللّه‏ فينا وحدنا
واللّه‏ فينا قد تجلى


لقد كان شعره صاعقة تنزل على المستعمرين والغاصبين وشظايا من نار تلهب جلودهم وتحرق أحلامهم عندما يقول:


وأمريكا هي الطاعون
والطاعون أمريكا
وأمريكا لأمريكا.


الشعب الفلسطيني قد شرّد من أرض آبائه وأجداده وهو يتذكر قضية شعبه وكان شعره يوقظ الشعب من سباته ونومه وغفلته ويدفعه إلى الثورة على الظلم والصهاينة والكفاح من اجل الحرية والوطن، إذ يقول:




آه، يا جُرحي المكابر
وطني ليس حقيبة
وأنا، ليس مسافر
إنني العاشق والأرض حبيبة


وفي موضع آخر يقول:




أموت اشتياقاً
أموت احتراقاً
وشنقاً أموت
وذبحاً أموت
ولكني لا أقول
مضى حبنا وانقضى،
حبنا لا يموت


لقد أحبَّ محمود درويش وطنه، فلسطين بكل مشاعره وعواطفه، من اجل ذلك كان شعره شعلة مضيئة يوقظ النائمين والغافلين من غفلتهم ويذكر بحقهم المغتصب. شعره ألهب المشاعر والعواطف الإنسانية وأثار العقول وأيضا اثر في عقول الأحرار والمسلمين. وفي الواقع لقد أشاع الشاعر الكبير وطنه، فلسطين، في كل ألفاظه ومعانيه وأبياته.


الأمر الذي يبقى دوماً جزءاً من شعره هو تلك العداوة الشاملة على المستويين الشخصي والجماعي. قال في مقابلة صحفية مع مجلة العالم: مهمتي حماية هوية شعبي. في كل بيت من أبيات شعره تعبير فني صادق عن مأساة الشاعر ومأساة أهله وجيله وبني قومه وهو تعبير يمس القلوب ويضر الجسم ويقل العقل حتى هؤلاء الذين لم يسمعوا شيئاً عن قضية فلسطين وكارثتها، عندما يقول: «... نحن الآن مصابون بأزمة لا الوطن فقط ولا مكان إقامة، عندنا أزمة قبور. فعندما يموت الفلسطيني الآن لا نعرف أين ندفئه... ألا يكفينا أننا لا نملك حق الحياة في وطن ولا نملك حق الحياة في منفى؟ وأيضا لا نملك عنواناً بجثتنا»
يقول في


«قصيدة الأرض»


كلمات يشق بها عنان السماء:


بلادي البعيدة علي.. كقلبي!
بلادي القريبة مني... كسجني!




وأيضاً يقول:


وطني حقيبة والحقيبة وطني
ليس لي منفى كي أقول لي وطن.


أنا اعترف بان محمود درويش يرى كل شيء في فلسطين ويصف كل شيء فيها. حب فلسطين محفور في صدره وقلبه. إن فلسطين حبه الكبير الذي لا يضعف ولا يموت وإذا كانت الظروف والأوضاع قد أجبرته على فراقها فان حبها كامنٌ في صدره وباق معه أينما كان، وفلسطين معشوقته النهائية إذ يقول:


وميزاتي:
على رأسي عقالٌ فوق كوفية
وكفي صلبة كالصخر...
تخمشُ من يلامسها
سجِّلْ!
أنا عربي
فلسطينية العينين والوشم
فلسطينية الاسم
فلسطينية المنديل والقدمين والجسم.


أصبحت قصائد محمود درويش داخل الأرض المحتلة حجارة الانتفاضة والثورة على أيدي الفلسطينيين، أجبرت العدو على أن يبادر إلى نفيه ونفوه إلى خارج الوطن وكانت قصائده تلتهب بالنضال وتبشِّر بالثورة والعودة. يقول في «أوراق الزيتون»


مخاطباً أمه:


يا أمنا! انتظري أمام الباب، إنا عائدون!
ماذا طبخت لنا؟
فانا عائدون


من أجمل أشعاره التي ينهي الناس عن السفر ويحذّرهم ويدعوهم إلى المقاومة والصمود ضد الصهاينة المحتلين على لسان أبيه إذ يقول:


وأبي قال مرة
حين صلى على حجر:
غضَّ طرفاً عن القمر
وأخدر البحر... السفر!
وأبي قال مرة
الذي ماله وطن
ما له في الثرى ضريح
... ونهاني عن السفر!




خلاصة القول انه شاعر قضية، شاعر مأساة، شاعر نكبة وشاعر فاجعة، نحن نشعر من قصائده أن الحبيبة والوطن شيئان توأمان وليست الحبيبة شيئاً والوطن شيئاً آخر. لذلك فالحب عنده يرتبط كل الارتباط بوطنه وقضيته ودرويش كثيراً ما يمزج بين الحبيبة والوطن، ويجعل منهما شيئاً واحداً.


هو يتحدث في بعض الأحيان عن الحبيبة والأم والحب والبرتقال والزيتون و... في الواقع يعبّر عن وطنه، فلسطين وعندما يتحدث عن اللص والذئب والسرحان و... يعبر عن الغاصبين الظالمين الإسرائيليين. أشعاره ذات اثر بليغ في الانتفاضة وفي الواقع هو شاعر يوقظ الناس من غفلتهم ونومهم بشعره وفي شعره حديث عن الوطن والشعب الفلسطيني والصهاينة المحتلين أي شعره يدور حول فلسطين والانتفاضة والاحتلال وكما يقول الآخرون أن محمود درويش شاعر الأرض المحتلة، شاعر المقاومة، شاعر الوطن وشاعر فلسطين



قصيدة الأرض


في شهر آذار، في سنة الانتفاضة، قالت لنا الأرضُ أسرارها الدموية. في شهر آذار مرّت أمام البنفسج والبندقيّة خمس بنات. وقفن على باب مدرسة ابتدائية، واشتعلن مع الورد والزعتر البلديّ. افتتحن نشيد التراب. دخلن العناق النهائي – آذار يأتي إلى الأرض من باطن الأرض يأتي، ومن رقصة الفتيات – البنفسج مال قليلاً ليعبر صوت البنات. العصافيرُ مدّت مناقيرها في اتّجاه النشيد وقلبي.


أنا الأرض
والأرض أنت
خديجةُ! لا تغلقي الباب
لا تدخلي في الغياب
سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل
سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل
سنطردهم من هواء الجليل.
وفي شهر آذار، مرّت أمام البنفسج والبندقيّة خمس بناتٍ. سقطن على باب مدرسةٍ ابتدائية. للطباشير فوق الأصابع لونُ العصافيرِ. في شهر آذار قالت لنا الأرض أسرارها.


-2-


أُسمّي الترابَ امتداداً لروحي
أُسمّي يديّ رصيفَ الجروح
أُسمّي الحصى أجنحة
أسمّي العصافير لوزاً وتين
وأستلّ من تينة الصدر غصناً
وأقذفهُ كالحجرْ
وأنسفُ دبّابةَ الفاتحين.


-3-


وفي شهر آذار، قبل ثلاثين عاما وخمس حروب،
وُلدتُ على كومة من حشيش القبور المضيء.
أبي كان في قبضة الإنجليز. وأمي تربّي جديلتها وامتدادي على العشب. كنت أحبّ "جراح الحبيب" و أجمعها في جيوبي، فتذبلُ عند الظهيرة، مرّ الرصاص على قمري الليلكي فلم ينكسر،
غير أنّ الزمان يمرّ على قمري الليلكي فيسقطُ سهواً...
وفي شهر آذار نمتدّ في الأرض
في شهر آذار تنتشرُ الأرض فينا
مواعيد غامضةً
واحتفالاً بسيطاً
ونكتشف البحر تحت النوافذ
والقمر الليلكي على السرو
في شهر آذار ندخلٌُ أوّل سجنٍ وندخلُ أوّل حبّ
وتنهمرُ الذكريات على قريةً في السياج
وُلدنا هناك ولم نتجاوز ظلال السفرجل
كيف تفرّين من سُبُلي يا ظلال السفرجل؟
في شهر آذار ندخلُ أوّل حبٍّ
وندخلُ أوّل سجنٍ
وتنبلجُ الذكريات عشاءً من اللغة العربية:
قال لي الحبّ يوماً: دخلت إلى الحلم وحدي فضعتُ وضاع بي الحلم. قلت تكاثرْ!
تر النهر يمشي إليك.
وفي شهر آذار تكتشف الأرض أنهارها.


-4-


بلادي البعيدة عنّي.. كقلبي!
بلادي القريبة مني.. كسجني!
لماذا أغنّي
مكاناً، ووجهي مكانْ؟
لماذا أغنّي
لطفل ينامُ على الزعفران؟
وفي طرف النوم خنجر
وأُمي تناولني صدرها
وتموتُ أمامي
بنسمةِ عنبر؟




-5-


وفي شهر آذار تستيقظ الخيل
سيّدتي الأرض!
أيّ نشيدٍ سيمشي على بطنك المتموّج، بعدي؟
وأيّ نشيدٍ يلاءم هذا الندى والبخور
كأنّ الهياكل تستفسرُ الآن عن أنبياء فلسطين في بدئها المتواصل
هذا اخضرار المدى واحمرار الحجارة-
هذا نشيدي
وهذا خروجُ المسيح من الجرح والريح
أخضر مثل النبات يغطّي مساميره وقيودي
وهذا نشيدي
وهذا صعودُ الفتى العربيّ إلى الحلم والقدس.
في شهر آذار تستيقظ الخيلُ.
سيّدتي الأرض!
والقمم اللّولبية تبسطها الخيلُ سجّادةً للصلاةِ السريعةِ
بين الرماح وبين دمي.
نصف دائرةٍ ترجعُ الخيلُ قوسا
ويلمعُ وجهي ووجهك حيفا وعُرسا
وفي شهر آذار ينخفضُ البحر عن أرضنا المستطيلة مثل
حصانٍ على وترِ الجنس
في شهر آذار ينتفضُ الجنسُ في شجر الساحل العربي
وللموج أن يحبس الموج ... أن يتموّج...أن
يتزوّج .. أو يتضرّح بالقطن
أرجوك – سيّدتي الأرض – أن تسكنيني صهيلك
أرجوك أن تدفنيني مع الفتيات الصغيرات بين البنفسج والبندقية
أرجوك – سيدتي الأرض – أن تخصبي عمري المتمايل بين سؤالين: كيف؟ وأين؟
وهذا ربيعي الطليعي
وهذا ربيعي النهائيّ
في شهر آذار زوّجتُ الأرضُ أشجارها.


-6-


كأنّي أعود إلى ما مضى
كأنّي أسيرُ أمامي
وبين البلاط وبين الرضا
أعيدُ انسجامي
أنا ولد الكلمات البسيطة
وشهيدُ الخريطة
أنا زهرةُ المشمش العائلية.
فيا أيّها القابضون على طرف المستحيل
من البدء حتّى الجليل
أعيدوا إليّ يديّ
أعيدوا إليّ الهويّة!


-7-


وفي شهر آذار تأتي الظلال حريرية والغزاة بدون ظلال
وتأتي العصافير غامضةً كاعتراف البنات
وواضحة كالحقول
العصافير ظلّ الحقول على القلب والكلمات.
خديجة!
- أين حفيداتك الذاهباتُ إلى حبّهن الجديد؟
- ذهبن ليقطفن بعض الحجارة-
قالت خديجة وهي تحثّ الندى خلفهنّ.
وفي شهر آذار يمشي التراب دماً طازجاً في الظهيرة. خمس بناتٍ يخبّئن حقلاً من القمح تحت الضفيرة. يقرأن مطلع أنشودةٍ على دوالي الخليل، ويكتبن خمس رسائل:
تحيا بلادي
من الصفر حتّى الجليل
ويحلمن بالقدس بعد امتحان الربيع وطرد الغزاة.
خديجةُ! لا تغلقي الباب خلفك
لا تذهبي في السحاب
ستمطر هذا النهار
ستمطرُ هذا النهار رصاصاً
ستمطرُ هذا النهار!
وفي شهر آذار، في سنة الانتفاضة، قالت لنا الأرض أسرارها الدّمويّة: خمسُ بناتٍ على باب مدرسةٍ ابتدائية يقتحمن جنود المظلاّت. يسطعُ بيتٌ من الشعر أخضر... أخضر. خمسُ بناتٍ على باب مدرسة ابتدائيّة ينكسرن مرايا مرايا
البناتُ مرايا البلاد على القلب..
في شهر آذار أحرقت الأرض أزهارها.


-8-


أنا شاهدُ المذبحة
وشهيد الخريطة
أنا ولد الكلماتُ البسيطة
رأيتُ الحصى أجنحة
رأيت الندى أسلحة
عندما أغلقوا باب قلبي عليّاً
وأقاموا الحواجز فيّا
ومنع التجوّل
صار قلبي حارةْ
وضلوعي حجارةْ
وأطلّ القرنفل
وأطلّ القرنفل




-9-


وفي شهر آذار رائحةٌ للنباتات. هذا زواجُ العناصر. "آذار أقسى الشهور" وأكثرها شبقاً. أيّ سيفٍ سيعبرُ بين شهيقي وبين زفيري ولا يتكسّرُ ! هذا عناقي الزّراعيّ في ذروة الحب. هذا انطلاقي إلى العمر.
فاشتبكي يا نباتات واشتركي في انتفاضة جسمي، وعودة حلمي إلى جسدي
سوف تنفجرُ الأرضُ حين أُحقّقُ هذا الصراخ المكبّل بالريّ والخجل القرويّ.
وفي شهر آذار نأتي إلى هوس الذكريات، وتنمو علينا النباتات صاعدةً في اتّجاهات كلّ البدايات. هذا نموُّ التداعي. أُسمّي صعودي إلى الزنزلخت التداعي. رأيت فتاةً على شاطئ البحر قبل ثلاثين عاماً وقلتُ: أنا الموجُ، فابتعدتُ في التداعي. رأيتُ شهيدين يستمعان إلى البحر:عكّا تجئ مع الموج.
عكّا تروح مع الموج. وابتعدا في التداعي.
ومالت خديجة نحو الندى، فاحترقت. خديجة! لا تغلقي الباب!
إن الشعوب ستدخلُ هذا الكتاب وتأفل شمسُ أريحا بدونِ طقوس.
فيا وطن الأنبياء...تكامل!
ويا وطن الزارعين .. تكاملْ!
ويا وطن الشهداء.. . تكامل!
ويا وطن الضائعين .. تكامل!
فكلّ شعاب الجبال امتدادٌ لهذا النشيد.
وكلّ الأناشيد فيك امتدادٌ لزيتونة زمّلتني.


-10-


مساءٌ صغيرٌ على قريةٍ مهملة
وعيناك نائمتان
أعودُ ثلاثين عاماً
وخمس حروبٍ
وأشهدُ أنّ الزمانْ
يخبّئ لي سنبلة
يغنّي المغنّي
عن النار والغرباء
وكان المساءُ مساء
وكان المغنّي يغنّي
ويستجوبونه:
لماذا تغنّي؟
يردّ عليهم:
لأنّي أغنّي
.....
وقد فتّشوا صدرهُ
فلم يجدوا غير قلبه
وقد فتّشوا قلبه
فلم يجدوا غير شعبه
وقد فتشوا صوته
فلم يجدوا غير حزنه
وقد فتّشوا حزنه
فلم يجدوا غير سجنه
وقد فتّشوا سجنه
فلم يجدوا غيرهم في القيود
وراء التّلال
ينامُ المغنّي وحيداً
وفي شهر آذار
تصعدُ منه الظلال




-11-


أنا الأملُ والسهلُ والرحبُ – قالت لي الأرضُ والعشبُ مثل التحيّة في الفجر
هذا احتمالُ الذهاب إلى العمر خلف خديجة. لم يزرعوني لكي يحصدوني
يريد الهواء الجليليّ أن يتكلّم عنّي، فينعسُ عند خديجة
يريد الغزال الجليليّ أن يهدم اليوم سجني، فيحرسُ ظلّ خديجة وهي تميل على نارها.
يا خديجةُ! إنّي رأيتُ .. وصدّقتُ رؤياي تأخذني في مداها وتأخذني في هواها. أنا العاشق الأبديّ، السجين البديهيّ. يقتبس البرتقالُ اخضراري ويصبحُ هاجسَ يافا
أنا الأرضُ منذ عرفت خديجة
لم يعرفوني لكي يقتلوني
بوسع النبات الجليليّ أن يترعرع بين أصابع كفّي ويرسم هذا المكان الموزّع بين اجتهادي وحبّ خديجة
هذا احتمال الذهاب الجديد إلى العمر من شهر آذار حتّى رحيل الهواء عن الأرض
هذا الترابُ ترابي
وهذا السحابُ سحابي
وهذا جبين خديجة
أنا العاشقُ الأبديّ – السجينُ البديهيّ
رائحة الأرض توقظني في الصباح المبكّر..
قيدي الحديديّ يوقظها في المساء المبكّر
هذا احتمال الذهابُ الجديد إلى العمر،
لا يسأل الذاهبون إلى العمر عن عمرهم
يسألون عن الأرض: هل نهضت
طفلتي الأرض!
هل عرفوك لكي يذبحوك؟
وهل قيّدوك بأحلامنا فانحدرت إلى جرحنا في الشتاء؟
وهل عرفوك لكي يذبحوك
وهل قيّدوك بأحلامهم فارتفعت إلى حلمنا في الربيع؟
أنا الأرض..
يا أيّها الذاهبون إلى حبّة القمح في مهدها
احرثوا جسدي!
أيّها الذاهبون إلى صخرة القدس
مرّوا على جسدي
أيّها العابرون على جسدي
لن تمرّوا
أنا الأرضُ في جسدٍ
لن تمرّوا
أنا الأرض في صحوها
لن تمرّوا
أنا الأرض. يا أيّها العابرون على الأرض في صحوها
لن تمرّوا
لن تمرّوا


لن تمرّوا!