تُعد قضية إنتاج الطاقة من مصادر نظيفة؛ قضية متشابكة ومعقدة حيث لها الكثير من التأثير السلبي على العالم. فكان لابد من إيجاد وسائل أو بدائل مختلفة للحفاظ على الطاقة – خصوصاً الطاقة الكهربائية – من مصادر آمنة ونظيفة، وهذا هو الهدف الذي يسعى إليه علماء كُثر متخصصون في مجالاتٍ عدّة حول العالم.
في خطوة كبيرة في هذا المجال، وفي مركز البحوث العلمية «كاداراش» في فرنسا، والذي تخصص في بحوث الطاقة النووية؛ يتم العمل حالياً على إنشاء أول وأكبر آلة من نوعها تحقق هذا الهدف، يُطلق عليها اسم «آيتر – ITER» أو «الطريق – The Way».
مهمة هذه الآلة هو إيجاد حقبة جديدة لإنتاج الطاقة الكهربائية من خلال طاقة الإندماج النووي كما توقع لها علماء ومهندسين منذ أكثر من 40 عاماً. هذه الآلة يُتوقع أن يصل قُطرها وارتفاعها لنحو 30 متراً بمجرد الإنتهاء منها. ومنذ بداية إنشائها في يوليو العام الماضي 2015، تجاوز تكلفتها حاجز الـ «
14 مليار» دولار.
عملية الإندماج النووي تحدث في النجوم مثل الشمس، والتي تعمل على تشغيل أو استمراريتها، كما تُقدم طرق متعددة ومميزة لإنتاج الطاقة في حال تسخيرها على الأرض. هذه المميزات تكمن في الآتي:-
- أن عملية الإندماج النووي تُولد نفايات غير مُشعة (غير سامّة)، والتي يُمكن إعادة تدويرها بالكامل خلال 100 عام، على عكس المخلفات المُشعة السّامة التي تُنتجها مفاعلات الإنشطار النووي اليوم.
- ليس هناك فرصة لتفاعل جامح؛ لأن أي خلل سيحدث في عملية التفاعل أو الإندماج، سيوقفها فوراً، وهذا يعني أن مفاعلات الإندماج لن تتعرض لخطر الإنهيار النووي.
- تعتبر مصدر نظيف للطاقة، مُقارنة بالفحم والغاز الطبيعي، والنفط الخام.
- يُمكن تشغيل مفاعلات الإندماج النووي في مياه البحر، وتقديم مصادر مُتجددة نسبياً من الطاقة.
مشاكل عملية الإندماج بشكل عام
- أكبر مشكلة هي أنها تتطلب طاقة لتحقيقها أكثر مما تنتجها – أو من المفترض أن تنتجها – وهو عكس ما تريده محطات توليد الكهرباء.
- المشكلة الأخرى تظهر في التسخين الفائق لطبقة البلازما، والتي تحدث في مفاعل «توكاماك- Tokamak» الذي يعني باللغة الروسية «غرفة دائرية داخل مُستحثات مغناطيسية»، وهي عبارة عن غرفة دائرية تعمل على رفع درجة حرارة البلازما إلى درجة حرارة الإندماج.
كيف تتم عملية تسخين البلازما في المفاعل توكاماك؟
صورة تشرح تسخين البلازما – بنفسجية اللون -داخل مفاعل توكاماك
عندما تصل درجة حرارة البلازما لدرجة الحرارة المطلوبة، لا يتمكن المفاعل من الإستمرار في إبقاء تدفق البلازما لفترة طويلة، حيث سجل مفاعل توكاماك الفرنسي عام 2003 أطول مدة استطاع فيها المفاعل ابقاء تدفق البلازما لـ 6 دقائق و 30 ثانية فقط.
هذا الخفقان في استمرارية وجود البلازما، دفع العلماء للعمل جاهدين لعقودٍ من الزمن من أجل تجاوزه، حتى يُعتمد – توكاماك – كمصدر موثوق لإنتاج الطاقة.
«فكرة آيتر – ITER»
صورة تقريبة للآلة
كانت الفكرة من إنشاء الآلة الجديدة؛ هي إيجاد آلة تعمل على إنتاج البلازما تلقائياً، حيث لامجال لإنقطاعها أثناء التسخين.
بدأ البناء فيها في عام 2007، ومن المتوقع أن ينتهي في العام 2019، وإطلاق البلازما فيها عام 2020. حيث ستعمل على تحقيق مكاسب في إنتاج الطاقة النظيفة عام 2027. وفي هذه الأثناء؛ ستعمل مرافق بحوث في الإندماج النووي حول العالم، مثل مرفق الإندماج الرئيسي في مختبر برينستون لفيزياء البلازما (PPPL) على استكشاف الجوانب المختلفة لكيفية تشغيلها.
كيفية عمل آيتر – ITER
تعمل عن طريق دمج اثنين من أنواع الهيدروجين «الديوتيريوم، والتريتيوم» معاً، وتُنتج مامقداره «500 ميجاوات» من الكهرباء، وهذا أكثر بـ «10 مرات» من الطاقة التي تتطلبها الآلة كي تعمل.
ستعمل الآلة على إيصال درجة حرارة البلازما لــ «
150 مليون» درجة مئوية، أو أسخن بـ 10 مرات من درجة حرارة مركز الشمس. وهذه هي الحرارة الكافية واللازمة لدمج عنصرين الهيدروجين «الديوتيريوم، والتريتيوم».
نتيجة أخرى مُهمة من عملية الإندماج تلك؛ هو إنتاج الهيليوم، أو بمعنى أدق «
إنتاج نواة ذرات الهيليوم». حيث بمجرد إنتاجها، سترتد – تقفز – هذه الذرات في المفاعل؛ مُنتجة بذلك طاقة في شكل حرارة عالية تُسهم في إبقاء البلازما ساخنة جداً دون تزويدها بمصدر طاقة خارجي، مما يساعد على إبقائها دون إنقطاع.
مستقبل مفاعلات الإندماج النووي
صورة تعبيرية عن Wendelstein 7-X الألمانية
آلة أخرى تُسمى «Wendelstein 7-X» في ألمانيا، والتي تم تحويلها مؤخراً للعمل على إنتاج البلازما تلقائياً بالمبدأ ذاته في آلة «آيتر – ITER».
وهناك أيضاً شكلٌ آخر من أشكال مفاعلات الإندماج النووية، وهي تلك التي ستعمل بالليزر بدلاً من البلازما، مثل مرفق الإشعال الوطني الموجود في كاليفورنيا، الذي لا يزال في مرحلة بدائية من البحث، ولا يُقارن بأي مفاعل إندماج نووي يعمل بالبلازما.
وأخيراً.. يقول «جوناثان مينار» مدير برنامج مرفق الإندماج الرئيسي في مختبر برينستون لفيزياء البلازما (PPPL):
«أن أنظمة إنتاج الطاقة بالليزر غير فعّالة كما يُتوقع لها، وأن أنظمة الإندماج النووي باستخدام البلازما جيدة لإنتاج طاقة نظيفة وكافية».
هذا الفيديو يشرح تركيبها وطريقة عملها حال تنفيذها…
المصدر
www.sciencealert.com