'الجريمة المهذبة'
2002-6-30 |
'الجريمة المهذبة'
الانقلاب الذي تعرض له الرئيس الفنزويلي هيوغو شافيز - في أبريل الماضي- صاحب التجربة الديمقراطية الإجتماعية الوحيدة في أمريكا اللاتينية، جرى في ظل صمت للأحزاب الديمقراطية الاجتماعية الأوروبية، بل إن بعض قادة هذا النهج (الديمقراطية الاجتماعية) التاريخيين، أمثال فيليب قوتزاليز أحد مسؤولي إسبانيا الكبار برروا الانقلاب. بعد انتهاء الحرب الباردة، اعتقد بعض المتابعين أن واشنطن ستضع حدا لسياسة " عملية كوندور" أو كما يسميها أحد المحللين " كابوس أمريكا اللاتينية"، التي راهنت عليها أمريكا في سنوات السبعينيات والثمانينيات لفرض حكام والإطاحة بالآخرين بحجة مواجهة المد الاشتراكي، وذلك بإدانة كل محاولة لزعزعة نظام حكم منتخب، لكن يبدو أن هجمات 11 سبتمبر 2001، فسحت المجال واسعا لفرض منطق القوة العسكرية، والتخلص من افرازات ما بعد الحرب الباردة. ولأنه صاحب سياسة مستقلة –إلى حد ما- وحاول إعطاء نفس جديد لمنظمة الأوبيك –التي توصف بأنها شوكة في حلق لوبي النفط في أمريكا-، تحول رئيس الحكومة الفنزويلي إلى السياسي الذي نفذ فيه حكم المواجهة والإطاحة من صناع القرار في الولايات المتحدة، إلا أن هذه الأخيرة ارتأت أن لا تكرر "السيناريو" الدموي، الذي تولت كبره سنة 1954 في غواتيمالا، وفي 1965 في سانت دومينغو، وفي 1973 في الشيلي..والقائمة طويلة. وراهنت على ورقة "أكثر" ملاءمة لسياق الاضطرابات السياسية في العشرية الأخيرة من القرن العشرين في أمريكا اللاتينية، حيث لم يحدث أي انقلاب، ومع ذلك ستة رؤساء – من أمريكا اللاتينية - منتخبين أزيحوا من الحكم، ولكن هذة المرة ليس من تدبير العسكر، وإنما الشعب. وهذا هو النموذج المعتمد لمحاولة الإطاحة برئيس حكومة فنزويلا، أو ما اصطلح عليه بـ"المجتمع المدني" والذي أريد له أن يتشكل من طبقة المتنفعين من رجال الأعمال، و"البرجوازية البيضاء"، ومافيا الصفقات المالية، وتوج هذا التكتل الممثل في نقابة مركزية فاسدة، بعقد اتفاق معنوي بين وسائل الإعلام الضخمة، لمساندة حملات التشكيك والخروج على الحاكم الفنزويلي باسم الدفاع عن "المجتمع المدني"، وتم تسخين الرأي العام المحلي لترسيخ فكرة محورية في أذهان الجماهير مفادها أن "الرئيس الفنزويلي مستبد"، وبالتالي "يجب إزاحته"، وهكذا استغل "نقد الحكومة" مهما كانت تفاهته لإثارة الجماهير، ضد "المساس بالحريات الأساسية"، وفعلا تمكن هذا التكتل من تحريك الجماهير وإثارتها، وحاول الإعلام خداع الشعب الفنزويلي، ليقود باسمه انقلاب11 أبريل 2002، لكن الذي خرج وتظاهر لا يمثل الشعب الحقيقي، وإنما هي شريحة انخدعت وسايرت تلفيقات الإعلام، إذ أن الشعب الحقيقي أرجع رئيس حكومته بعد أقل من 48 ساعة من الإطاحة به. وأحبط "الجريمة المهذبة" التي تولى كبرها الإعلام ضد حكومة "مستقلة".
فهل تستعيض أمريكا الرهان على العسكر بالمجتمع المدني، لإحداث هزات سياسية واقتصادية لفرض خطها وحماية مصالحها؟ وهل سيدشن الإعلام عهد "الجريمة المهذبة"، ويتحول إلى عرّاب الاستحقاقات الأمريكية في مناطق النفوذ؟، وماذا عن الاختراقات الفكرية داخل التيارات التي تمثل حالة واحدة ؟
ما حدث لتيار "الديمقراطية الاجتماعية" من اختراق فكري لعزله عن أعضائه وأجزاء من كيانه تتعرض للإطاحة والإزاحة، قد يقع لباقي التوجهات الأخرى بما فيها الإسلامية، أن يتعرض طرف للتصفية والتنكيل وسط صمت غير مبرر لباقي أجزاء الكيان؟ وهكذا حاولت أمريكا أن تنفرد بالإجتماعيين الديمقراطيين في فنزويلا، وتطيح برئيسهم، بعدما ضمنت "تجاهل" الأحزاب الاوروبية من نفس التوجه. بل وحاولت التخلص منه باسم الشعب أو بالأحرى "المجتمع المدني" والمكون من القوى الاجتماعية والاقتصادية الفاعلة والنخب المثقفة في البلد، وتُركت مظاهر التهييج والتعبئة ضد الطرف المنفرد به للإعلام لممارسة "التضليل والمسخ". فمهما بلغ حجم التباينات القائمة داخل الوسط الإسلامي، خاصة التي أفرزتها أحداث 11 سبتمبر، من فرط تقدير وغلو مجحف، وإعتداد برأي وافتئات مشهود، فإن مظاهر الاندفاع والانفعال تعالج وتهذب ولا تحارب أو تواجه، ثم نحاول تعميق التواصل بالمجتمع وقواه الحية والفاعلة عبر المؤسسات والمشروعات المستقلة، حتى لا نضرب به، ونواجه باسمه، ونجتهد لأن نؤسس منابر إعلامية أو نوسع من مجالها إن وجدت، للتصدي لحملات "التضليل والتزييف".
منقول