هل أمكن لمجمع خلقيدونية أن يصالح المدرستين؟
لا أود الدخول في تفاصيل لاهوتية عميقة، خاصة وإنني قد قدمتها في شيء من الإيجاز في كتاب: "المصطلحان فيزيس وهايبوستاسز في الكنيسة الأولى"، إنما ما أريد توضيحه هنا أن بعض الدارسين وقد شعروا بأن نص مدرسة الإسكندرية"طبيعة واحدة من طبيعتين" هو النص الذي كان يفضله حتى غالبية آباء مجمع خلقيدونية لولا ضغط مندوبو روما على القضاة المدنيين لتقديم نص جديد: "في طبيعتين عوضمن طبيعتين". هؤلاء يحاولون تبرير المجمع بأنه لم يرفض النص الإسكندري ولا حسبه هرطوقيا وإنما حسبه غير كاف فجاء بالنص الجديد للتوضيح.

رفضنا للنص الخلقيدوني مبنى على الأسس التالية:




1- إن "الطبيعة الواحدة" لها أساس إنجيلي يمس خلاصنا، وقد أوضح قداسة البابا شنودة الثالث ذلك في كتابه طبيعة المسيح الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت، وقدمت مختصرًا له في الكتاب السابق الإشارة إليه بالعربية والانجليزية.
2- يروى بعض الآباء اللاهوتيين الخلقيدونيين أن طومس لاون يمثل عقبة لا يمكن التغلب عليها في مجهود الاتحاد مع غير الخلقيدونيين، حيث أن غير الخلقيدونيين ينظرون إلى القول بأن "الطبيعتين" في شخص واحد هو اتجاه نسطوري. يدعم هذا مدح نسطور نفسه لطومس لاون (1). كما أن الطومس إن أخذ بمفرده ربما يخلق إيحاء مضادا ومبالغا فيه بخصوص الطبيعتين، كما يقول الأب الأستاذ فلووسكي (2).
3- يرى أن الغربيين كانوا يهتمون بالنظام الكنسي أكثر من اللاهوت على خلاف إخوتهم في الشرق، ويرى أنه باستثناء ترتليان لم يقدم الغرب شيئا يذكر في اللاهوتيات الخاصة بالسيد المسيح، بينما يقول الأستاذ ميندورف أن لغة طومس لاون اللاتينية لم تكن قادرة على إشباع الشرق (3).
4- إن كنا نتفق مع الطومس في مقاومته للاوطاخية، وتأكيد ناسوت السيد المسيح أنه حقيقي، وأن السيد المسيح دخل بالحق عالمنا البشرى، وأن الاتحاد بين اللاهوت والناسوت تحقق دون تغيير. لكن توجد ثلاث عبارات اعترض عليها بعض آباء مجمع خلقيدونية تحمل اتجاها نسطوريًا (4).
5- حدث لاون عن "شخص" واحد للسيد المسيح، هذا لا يكفى لأن النساطرة قبلوا هذا التعبير بمعنى "قناع"، أي وحدة ظاهرية فقط. وكان لا بد للطومس أن يؤكد الوحدة أنها حقة وأقنومية.
6- مجمع خلقيدونية تبنى طومس لاون، ففي مصر استشهد كثيرون لا لرفضهم قرارات المجمع وإنما لعدم توقيعهم على طومس لاون. فقبول الطومس كمستند إيماني رئيس للمجمع أساء بالأكثر للمجمع في نظر غير الخلقيدونيين.
7- لقد نادى المجمع بأن السيد المسيح "أقنوم واحد"، الأمر الذي أثار بعض متطرفي النساطرة. ولكن هؤلاء قبلوا المجمع بعد ذلك إذ فسر تعبير "أقنوم" هنا بمعنى "شخص".
8- نحن نرفض المجمع لأنه تجاهل كل النصوص الكنسية التقليدية التي تؤكد وحدانية شخص السيد المسيح، كوحدانية حقة، مثل:
"طبيعة من طبيعتين"
"طبيعة واحدة متجسد لله الكلمة" μία φύσις τοῦ θεοῦ λόγου σεσαρκωμένη.

نختتم حديثنا عن مجمع خلقيدونية في كلمات المدافع بقوة عن المجمع [أولا وقبل كل شيء، يلزم أن نفهم أن اللاهوتيين (المونوفيزيت) لم يكونوا هراطقة، ولا نظر إليهم هكذا بواسطة القادة الخلقيدونيين" (5).
_______________
تعبير "مونوفيزيت" أي "أصحاب الطبيعة الواحدة"، تعبير غير دقيق لم يستخدم في القرون من الخامس إلى السابع، إنما هو دخيل ووضع بطريقة معينة وبروح جدلي لصالح الخلقيدونيين.