في 28 يوليو سنة 482 أصدر زينون منشور "هينوتيكون"، جاء فيه وصف للحالة الدينية في الشرق، يعتبر تقريرًا واقعيًا عن حال الكنيسة بعد مجمع خلقيدونية، إذ جاء فيه: [خلال كل هذه السنوات من الحياة، حدث أن عبر الزمن بجيل بلا حساب، فحرم الكثيرون من نوال تجديد المعمودية، وآخرون من شركة الأسرار الإلهية حتى لحظة انتقالهم، منتظرا حدوث تحرك إنساني، وربوات من الميتات لحقت بالبشر بتهور في مبالغة، حتى أن الأرض بل والجو أيضًا صار فاسدًا: من لا يصلى إذن لكي تتغير هذه الأمور إلى ما هو أفضل؟!] (5).
الإمبراطور زينون الذي بدأ حياته الملوكية بإلغاء قرار الإمبراطور باسيلسكوس ونفى الأساقفة غير الخلقيدونيين، الآن يدرك كيف تمررت الكنيسة في الشرق وسط الضيق الذي وجهه البلاط ضدها. لا ننسى هنا أن زينون هذا صار فيما بعد محباً لكنيسة مصر، خاصة لآبائها الرهبان، بعد أن تخفت ابنته ايلاريا في زى راهب وعاشت ناسكة، ولم يكتشف أمرها إلا بعد أن شفت أختها الوحيدة من مرضها؛ فقدم الإمبراطور للأديرة في مصر بسخاء.
في هذا المنشور تجاهل الإمبراطور زينون مجمع خلقيدون وطومس لاون، وفى نفس الوقت أخذ الجانب الإيجابي لتأكيد وحدة طبيعة السيد المسيح دون التعرض لصيغة معينة... لقد حوى المنشور:
1- قانون إيمان نيقية هو وحدة قانون الإيمان الذي صادق عليه الـ150 أبا بمدينة القسطنطينية وآباء مجمع أفسس، وكان الهدف العودة إلى ما قبل مجمع خلقيدون (6).
2- حرم نسطور وأطيخا، وقبول الاثني عشر بندا (حرمانات) لكيرلس.
3- أكد إيجابيا: [نعترف أن ابن الله الوحيد هو نفسه الله الذي تأنس بكونه ربنا يسوع المسيح، واحد معنا في الناسوت، هذا الذي تنازل وتجسد بواسطة الروح القدس من العذراء مريم "الثيؤتوكس"، إنه ابن واحد لا اثنين. نؤكد نسب المعجزات كما الآلام التي احتملها ابن الله الوحيد بإرادته في الجسد، إننا لن نقبل بالمرة القائلين بالتفريق أو الاختلاط أو أنه خيال. فإن التجسد الحقيقي بلا خطية لم يضف شيئا إلى الابن، وبقى الثالوث ثالوثا، حتى عندما تأنس الله الكلمة، أحد الثالوث] (7).
4- بعد أن طلب المنشور إصلاح وحدة الكنيسة، أعلن هذا الحرمان على كل من يخالف الإيمان، الآن أو في أي زمان، سواء في خلقيدون أو مجمع آخر، خاصةنسطور وأوطيخا ومن يحمل فكرهما.
لقد وقع البابا الإسكندري على هذا المنشور، شارحا للكهنة والشعب بالإسكندرية ما يحمله من مفهوم ايمانى، لان البعض طالب أن يكون المنشور واضحًا في حرمانه لطومس لاون وقرارات مجمع خلقيدونية وتأكيد طبيعة المسيح الواحدة.
في الواقع الهينوتيكون لم يقدم لغير الخلقيدونيين المضطهدين حقوقهم وإنما سمح لهم أن يمارسوا عملهم الروحي والكنسي في حرية دون التزام بقبول مجمع خلقيدون، لذلك كان ترحيبهم بالمنشور ليس من أجل ما يحمله من لاهوتيات وإنما من أجل السماح لهم بالحرية للعمل (3)... وإن كان المنشور حمل اتجاها واضحا نحو تفكير أصحاب الطبيعة الواحدة.
قدم هذا المنشور فرصة لاتحاد كراسي الشرق الرئيسية الأربعة، أما كرسي الغرب "روما" فلم ينشغل بالأمر، لأن اتجاهه كما قال مندوبو روما في جلسة 22 أكتوبر 451 بمجمع خلقيدون: أما أن يقبل الشرق وجهة نظر روما أو ينسحبوا لتبق روما فيما يخص شأنها... لكنها لم تقف في سلبية بل أعلنت استياءها.
في 28 يوليو 484 عقد فيلكس الثالث أسقف روما مجمعًا من 27 أسقفًا حرم فيه البابا بطرس الاسكندرى والبطرك أكاكيوس، أما هما فلم يباليا بحرمانه.
بالرغم من نياحة كل من أكاكيوس سنة 489 م.، والبابا بطرس سنة 490 م.، زينون سنة 491 م تمسك الإمبراطور انسطاسيوس الأول (491- 518 م.) بالهينوتيكون، وكان بطاركة القسطنطينية يوقعون عليه عند سيامتهم حتى وفاة الإمبراطورية سنة 518 م. في هذه الفترة ظهر القديس ساويرس الأنطاكي(512-518) من أشهر اللاهوتيين في موضوع طبيعة السيد المسيح الواحدة.
عاشت كنيسة الإسكندرية في سلام مع بقية كراسي الشرق، وفى علاقة حب وود مع الإمبراطور انستاسيوس حتى تولى يوستنيان العرش، لتبدأ المتاعب من جديد