الحجر الصغير
سمع الليل ذو النجوم أنينا وهو يغشى المدينة البيضاء
فانحنى فوقها كمسترق الهمس يطيل السكوت والإصغاء
فراى أهلها نياما كأهل الكهف لا جلبة ولا ضوضاء
ورأى السدّ خلفها محكم البنيان والماء يشبه الصحراء
كان ذاك الأنين من حجر في السد ّ يشكو المقادر العمياء
أيّ شأن يقول في الكون شأني لست شيئا فيه ولست هباء
لا رخام أنا فأنحت تمثا لا، ولا صخرة تكون بناء
لست أرضا فأرشف الماء ، أو ماء فأروي الحدائق الغنّاء
لست درا تنافس الغادة الحد سناء فيه المليحة الحسناء
لا أنا دمعة ولا أنا عين، لست خالا أو وجنة حمراء
حجر أغبر أنا وحقير لا جمالا ، لا حكمة ، لا مضاء
فلأغادر هذا الوجود وأمضي بسلام ، إني كرهت البقاء
وهوى من مكانه ، وهو يشكو الأرض والشهب والدجى والسماء
فتح الفجر جفنه... فإذا الطوفان يغشى ((المدينة البيضاء))
(( الـــــطــِّــيــــن ))
نسي الطين ساعة أنه طين ..حقير فصال تيها و عربد
و كسى الخزّ جسمه فتباهى ، .. و حوى المال كيسه فتمرّد
يا أخي لا تمل بوجهك عنّي ، .. ما أنا فحمة و لا أنت فرقد
أنت لم تصنع الحرير الذي تلبس .. و اللؤلؤ الذي تتقلّد
أنت لا تأكل النضار إذا جعت .. و لا تشرب الجمان المنضّد
أنت في البردة الموشّاة مثلي .. في كسائي الرديم تشقى و تسعد
لك في عالم النهار أماني ، .. وروءى و الظلام فوقك ممتد
و لقلبي كما لقلبك أحلا .. م حسان فإنّه غير جلمد
...
أأماني كلّها من تراب .. و أمانيك كلّها من عسجد ؟
و أمانيّ كلّها للتلاشي .. وأمانيك للخلود المؤكّد ؟!
لا . فهذي و تلك تأتي .. وتمضي كذويها . و أيّ شيء يؤبد ؟
أيّها المزدهي . إذا مسّك الضرّ .. ألا تشتكي ؟ ألا تتنهد ؟
و إذا راعك الحبيب بهجر .. ودعتك الذكرى ألا تتوحّد ؟
أنت مثلي يبش وجهك للنعمى .. و في حالة المصيبة يكمد
أدموعي خلّ و دمعك شهد ؟ .. وبكائي ذلّ و نوحك سؤدد ؟
وابتسامتي السراب لا ريّ فيه ؟ .. و ابتسامتك اللآلي الخرّد ؟
فلك واحد يظلّ كلينا .. حار طرفي به و طرفك أرمد
قمر واحد يطلّ علينا .. وعلى الكوخ و البناء الموطّد
إن يكن مشرقا لعينيك إنّي .. لا أراه من كوّة الكوخ أسود
النجوم الني تراها أراها .. حين تخفي و عندما تتوقّد
لست أدنى على غناك إليها .. وأنا مع خصاصتي لست أبعد
...
أنت مثلي من الثرى و إليه .. فلماذا ، يا صاحبي ، التيه و الصّد
كنت طفلا إذ كنت طفلا و تغدو .. حين أغدو شيخا كبيرا أدرد
لست أدري من أين جئت ، و لا ما كنت ، أو ما أكون ، يا صاح ، في غد
أفتدري ؟ إذن فخبّر و إلاّ .. فلماذا تظنّ أنّك أوحد ؟
...
ألك القصر دونه الحرس الشا .. كي و من حوله الجدار المشيّد
فامنع اللّيل أن يمدّ رواقا .. فوقه ، و الضباب أن يتلبّد
وانظر النور كيف يدخل لا .. يطلب أذنا ، فما له ليس يطرد ؟
مرقد واحد نصيبك منه .. أفتدري كم فيك للذرّ مرقد ؟
ذدتني عنه ، و العواصف تعدو .. في طلابي ، و الجوّ أقتم أربد
بينما الكلب واجد فيه مأوى .. و طعاما ، و الهرّ كالكلب يرفد
فسمعت الحياة تضحك منّي .. أترجى ، و منك تأبى و تجحد
...
ألك الروضة الجميلة فيها الماء و الطير و الأزاهر و النّد ؟
فازجر الريح أن تهزّ و تلوي شجر الروض – إنّه يتأوّد
و الجم الماء في الغدير و مره لا يصفق إلاّ و أنت بمشهد
إنّ طير الأراك ليس يبالي أنت أصغيت أم أنا إن غرّد
و الأزاهير ليس تسخر من فقري ، و لا فيك للغنى تتودّد
...
ألك النهر ؟ إنّه للنسيم الرطب درب و للعصافير مورد
و هو للشهب تستحمّ به في الصيف ليلا كأنّها تتبرّد
تدعيه فهل بأمرك يجري في عروق الأشجار أو يتجعّد ؟
كان من قبل أن تجيء ؛ و تمضي و هو باق في الأرض للجزر و المد
...
ألك الحقل ؟ هذه النحل تجي الشهد من زهرة و لا تتردّد
و أرى للنمال ملكا كبيرا قد بنته بالكدح فيه و بالكد
أنت في شرعها دخيل على الحقل و لصّ جنى عليها فأفسد
لو ملكت الحقول في الأرض طرّا لم تكن من فراشة الحقل أسعد
أجميل ؟ ما أنت أبهى من الور دة ذات الشذى و لا أنت أجود
أم عزيز ؟ و للبعوضة من خدّيك قوت و في يديك المهند
أم غنيّ ؟ هيهات تختال لولا دودة القز بالحباء المبجد
أم قويّ ؟ إذن مر النوم إذ يغشاك و الليل عن جفونك يرتد
وامنع الشيب أن يلمّ بفوديك و مر تلبث النضارة في الخد
أعليم ؟ فما الخيال الذي يطرق ليلا ؟ في أيّ دنيا يولد ؟
ما الحياة التي تبين و تخفى ؟ ما الزمان الذي يذمّ و يحمد ؟
أيّها الطين لست أنقى و أسمى من تراب تدوس أو تتوسّد
سدت أو لم تسد فما أنت إلاّ حيوان مسيّر مستعبد
إنّ قصرا سمكته سوف يندكّ ، و ثوبا حبكته سوف ينقد
لايكن للخصام قلبك مأوى إنّ قلبي للحبّ أصبح معبد
أنا أولى بالحب منك و أحرى من كساء يبلى و مال ينفد