سر المعمودية
الأرشيدياكون
حبيب جرجس

الفصل الاول
هژںه¸–هœ°ه‌€: كنيسة صداقة القديسين سلام ونعمة من ربنا يسوع المسيح /
وبناء على مفاعيله باعتبار طقسه المنظور دعى حميما ، وينبوعا مقدسا ، وبالنظر الى نتائجه غير النظورة ، دعاه الآباء ولادة جديدة ، وتقديسا ، وختم الايمان ، وختم الدين المسيحى ، وحميم الخلاص ، والولادة الثانية ، حميم الحياة وماء الحياة الدائمة ، وهكذا من الاسماء الدالة على تأثيراته ومنحه .

1- تعريف سر المعمودية واسماؤه :

المعمودية سر مقدس به نولد ميلادا ثانيا ، بتغطسينا فى الماء ثلاث دفعات على اسم الثالوث الاقدس : الآب والابن والروح القدس .

2- رتبة المعمودية بين الأسرار :

ولسر المعمودية الرتبة الاولى بين الاسرار السبعة المقدسة . لانه بمثابه باب يدخل منه المؤمن الى الكنيسة وملكوت النعمة طبقا لقول الرب يسوع (( ان كان احد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله )) ( يو 3: 5 ) ولذلك يمنح هذا السر للمؤمن قبل أى سر آخر . ومن لا يقتبله فلا حق له فى الاشتراك فى باقى الاسرار .



3- لماذا عين الرب الماء للمعمودية :

بما أننا مؤلفون من جسد وروح ، لذلك عين الله تعالى أن تكون وسائط خلاصنا وأسرار النعمة التى يفيضها علينا الروح القدس ، تحت علامات حسية واشارات منظورة كما قلنا سابقا . ففى سر المعمودية عين الرب لميلادنا الثانى الماء . وذلك :

1- لأن الماء يغسل الاقذار ، والمعمودية تنقى من جميع الخطايا .
2- الماء يجدد وينعش الجسم ، والمعمودية تحيى خواص النفس .
3- لأن بالماء قوام الحياة ، والمعمودية تمنح الخلاص .
4- لأن المعمودية مثال موت المسيح ودفنه ولابد أن نماثله فى
الدفـن . فأين الدفن ؟ أفى الهـــواء ونحن محاطون بـه من كل
جهة ؟ أم فى النار وهى محرقة لا تصلح لذلك؟ أم فى التراب،
والدفن فيه يقتضى الموت حقيقة لا مجازا ؟

فلا سبيل اذن الا بالدفن فى الماء فى جرن المعمودية ولذلك قال الرسول : (( اعتمدنا لموته فدفنا معه بالمعمودية للموت ، حتى كما أقيم المسيح من الاموات بمجد الآب ، هكذا نسلك نحن أيضا فى جدة الحياة ، لانه ان كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضا بقيامته )) ( رو6: 4و5 ) .

4- رموز المعمودية فى العهد القديم وانواع المعموديات :

وقد رمز الى المعمودية فى العهد القديم بأمور كثيرة ، منها أن روح الله كان يرف على وجه المياه فى بدء الخليقة اشارة الى بث روح الحياة فى المادة ( تك 1: 2 ) والطوفان الذى قال عنه بطرس (( كانت أناة الله تنتظر مرة فى أيام نوح . اذ كان الفلك يبنى . الذى قال قليلون أى ثمانى أنفس بالماء . الذى مثاله يخلصنا نحن الآن أى المعمودية . لا ازالة وسخ الجسد بل سؤال ضمير صالح عن الله بقيامة يسوع المسيح )) ( 1بط 3: 20 و21) وعبور بنى اسرائيل فى البحر الاحمر وغرق فرعون مع مركباته ( خر14: 19- 29 ) فان البحر كان رمزا الى ماء المعمودية . والسحابة اشارة الى الروح القدس ، وفرعون كان رمزا الى الشيطان الذى ينسحق فى مياه المعمودية . ولذلك قال بولس الرسول (( ولست اريد ايها الاخوة ان تجهلوا أن آباءنا جميعهم كانوا تحت السحابة وجميعهم اجتازوا فى البحر وجميعهم اعتمدوا لموسى فى السحابة وفى البحر )) ( 1كو 10: 1و2 ) ولم يعط الرب الكهنوت لهرون الا بعد أن غسل جسده أولا بالماء ( خر29: 4) وكذلك امر الكهنة عند دخولهم خيمة الاجتماع أن يغتسلوا أولا فى المرحضه المقدسة التى بين خيمة الاجتماع وبين المذبح ( خر30: 18) وذبيحة ايليا لم تنزل عليها النار من السماء الا بعد أن اهرق عليها الماء ثلاث دفعات ( 1مل18: 33- 35 ) ولم يصعد ايليا الى السماء الا بعد أن عبر نهر الاردن ( 2مل 2: 2-8) وأشعياء النبى ينادى قائلا (( تستقون مياها بفرح من ينابيع الخلاص )) ( أش 12: 3) (( ايها العطاش جميعا هلموا الى المياه )) ( أش 55: 1) ويوحنا المعمدان لما ابتدأ يكرز عن قرب ملكوت الله ، كان يعمد بمعمودية التوبة قائلا : (( أنا اعمدكم بماء للتوبة ولكن الذى يأتى بعدى هو أقوى منى ... هو سيعمدكم بالروح القدس ونار )) ( مت 3: 11) والتلاميذ فى حياة المسيح كانوا يعمدون ( يو 4: 2) .

وهذه المعموديات المذكورة لم تكن سوى رموز الى معمودية المسيح . ورسوم ومقدمات سابقة لظهور سر المعمودية المسيحية . وفرق كبير بين معمودية يوحنا ومعمودية المسيح . لأن الأولى كانت للتوبة والاستعداد ، وأما هذه فلغفران الخطايا . ولذلك قال بولس الرسول لتلاميذ أفسس لما سألهم : (( وهل قبلتم الروح القدس لما آمنتم . قالوا له ولا سمعنا أنه يوجد الروح القدس . فقال لهم فبماذا اعتمدتم . فقالوا بمعمودية يوحنا . فقال بولس أن يوحنا عمد بمعمودية التوبة قائلا للشعب أن يؤمنوا بالذى يأتى بعده أى بالمسيح يسوع . فلما سمعوا اعتمدوا باسم الرب يسوع . ولما وضع بولس يديه عليهم حل الروح القدس عليهم الخ )) ( أع 19: 1-6) . قال القديس يوحنا ذهبى الفم عن ذلك : لأنه لم تكن الذبيحة قدمت بعد . ولا انحدر الروح القدس . ولا انحلت الخطية . ولا ارتفعت العداوة . ولا محيت اللعنة . فكيف ازمع الغفران أن يكون . وانظر كيف حرر ذلك بكل تدقيق لانه لما قال انه أتى لينذر بمعمودية التوبة فى برية اليهودية . اضاف الى ذلك قوله . لمغفرة الخطايا )) ( مر1: 4) . كان يقول لهذا السبب كان يقنعهم أن يعترفوا بخطاياهم ويتويوا عنها . لا لكى يعذبوا بل لكى يقبلوا الغفران بعد ذلك بأكثر سهولة . لأنهم لو لم يدينوا أنفسهم لما كانوا طلبوا النعمة . ولو لم يطلبوا لما نالوا الغفران . فكانت من ثم هذه المعمودية ( اى معمودية يوحنا ) تفتح طريقا لتلك المعمودية ( أى معمودية المسيح ) ( تفسير انجيل متى . مقالة 10: 1و2) .

لذلك لا فرق بين معمودية التلاميذ وبين معمودية يوحنا . لأنها كانت للتوبة والاستعداد ايضا لان المعمودية لم تأخذ قوتها الا بعد موت المسيح وقيامته من بيت الاموات وحلول الروح القدس ، لانها مثال موت المسيح ودفنه وقيامته ، ولم تكن تلك المعمودية الا لاعداد اليهود لقبول المسيح .

5- تأسيس سر المعمودية :

اما سر المعمودية المسيحية فقد اسسه سلام ونعمة من ربنا يسوع المسيح / بعد قيامته ، اذ كان قد تمم فداءنا واشترانا بدمه الكريم . وبهذا حق توزيع نعمة روحه القدوس علينا ( 1بط 1: 3 / 1كو1: 4) وقد قال لتلاميذه علنا بعد قيامته (( دفع الى كل سلطان فى السماء وعلى الارض فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس )) ( مت28: 18و19) . (( من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن )) ( مر16:16).
هژںه¸–هœ°ه‌€: كنيسة صداقة القديسين سلام ونعمة من ربنا يسوع المسيح /

فمن ذلك يتضح :

1- ان المعمودية سر عام لجميع البشر على السواء .
2- انها سر سيتمم الى انقضاء الدهور ، غير محصورة فى مكان
ولا فى زمان .
3- انها شرط لازم للحصول على الخلاص . وقد تممها الرسل
للمؤمنين لتطهيرهم واعادة ولادتهم بالماء والروح القدس فى يوم الخمسين . قال بطرس الرسول : (( توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس .. فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا وانضم فى ذلك اليوم نحو ثلاثة الاف نفس )) ( أع 2: 38- 41) وعمد فيلبس الخصى ( أع8: 38) وعمد بطرس كرنيليوس قائد المائة وعائلته وأشخاصا آخرين ( أع10: 1- 48) وعمد بولس امرأة اسمها ليدية ( أع16: 15) وعمد حافظ السجن وعائلته ( أع16: 33) وكريسبس رئيس المجمع وكل بيته وغيرهم من سكان كورنثوس(أع 18: 8) وتلاميذ أفسس( أع 19: 1-5) وهكذا من ذلك الوقت تتمم المعمودية فى الكنيسة المسيحية ، على المثال الذى وضعه الرسل الاطهار للكنيسة .