لا تُخرّج المدارس والجامعات فقط آلاف الطلاب في كل عام، لكنها تُخرّج معهم أيضاً الآلاف من الأمراض المتوطنة، نواتج مشوّهة لممارسات طويلة المدى تقترن بالتعليم ولا أعلم لأي مدى هي مقصودة.
تربية الخوف
الخوف من الواقع، والخوف من المستقبل والمجازفة. ربما بسبب أنواع العقاب غير المنضبط التي تسبب الاحراج للطفل كالضرب والشتائم والاستهزاء به أمام الناس، وتفضيل زملاءه عليه. خوف التلميذ من الخطأ ومن ردود أفعال الآخرين اتجاه طريقته عائق كبير. قد يزول العقاب لكن يبقى أثره.
غرس الحقد
فضلاً عن عدم قدرة المعلم على تأكيد المهارات المطلوبة – وعن تجربة – قد تصدر عنه ممارسات كفيلة بكراهية التلميذ للمدرس وزهده في مادته وربما للدراسة كلها؛ مما قد يسبب تعثره فيها للأبد، بالإضافة لكراهيته لزملاءه إذا ما قورن بهم.
للمعلم والعائلة: دعوا التلميذ يتكلم بحُريّة, ويحاول, دعوه يتعثَر ويتـعلّم ويستمتع بالوقت الذي يمضيه في التعلّم بفاعلية.
ردع الإبداع
وقتل الثقة والفضول وتضييق الأفق كنتيجة لتبني طرق تصحيح سيئة وتقويم نمطي. ومثل هذه الجريمة لا تتم في يوم وليلة لكنها تربى على مدار السنين تماما كما يربى الأطفال، سيتشرب معها التفكير الجامد والنمطي وفقدان القدرة على القياس والتخمين.
صناعة فجوة بين المدرسة والواقع
كالتي تنشأ بسبب إدمان الإنترنت؛ وذلك بسبب تبني نظام تعليم منفصل عن الواقع، يتخرج الطالب منه ليصطدم بالواقع المختلف لينحرف أو يجن أو يفشل ويعيش ميتاً.
قد ينتج ذلك عن عدم صلاحية أدوات النظام المدرسي، فيتخرج الطالب ليجد أنه محتاج لعشرات الكورسات غير المجانية ليتمكّن من الإنخراط في سوق العمل في مجال لا يمت لدراسته بصلة. وسواء كان ذلك خطأ واضعي المناهج أو التدريس أو حتى خطأ المنظومة ككل، ففي النهاية المدرسة شيء والواقع شيء آخر.
الإلزام وعدم الإلتزام
التعليم الأساسي إلزامي، عليك أن تلتحق به وإلا سيرفضك المجتمع وينظر لك بدونية، ومع ذلك لا تلتزم الدولة بتوفير وظيفة مناسبة لكسب قوت وكرامة كل خريج منه. إنه يشبه وضعك في قارب بدلاً من جلوسك وحيداً على جزيرة، لكنه لا يعدك بأن يوصلك لبرّ الأمان.
الإذلال
هذه هي النتيجة الحتمية لعدم إلتزام المنظومة بإيجاد فرصة مناسبة لك بعد ما تقدمه من مجهودات دراسية كما طُلِب منك. الإذلال بالإلجاء للوظيفة كخيار وحيد للدخل، فالشخص الذي يمتلك فقط المهارات التي تقدمها المدرسة اليوم لا يصلح إلا موظفاً. وحتى إيجاد مثل هذه الوظيفة ليس بالأمر السهل.
تضييع الفرص
يضيّع الإلزام بالتعليم الحكومي معظم الفرص لإنماء أي مهارات أخرى على الطلاب الذين لا يتكيفوا مع نظام التعليم المدرسي، ويضيع معها الوقت والفرصة لسلوكهم مسار من نوع آخر قد يؤدي بالتلميذ لاحقا لكسب قوته وتحقيق أمنه.
تربية مجموعة من العقد الثقافية
بناء ثقة الناس التامة بمنظومة فاشلة، فضلاً عن “تعويدهم على الإنجبار”، وإستكمالا لردع الإبداع يظل الناس – مهما علا شأنهم – مؤمنين بأن الوظيفة الحكومية هي بر الأمان الوحيد.
الثقة بنظام فاشل هو أحد الأمراض التي تؤكد لدى الأطفال ويكبرون معها، والغرض منها ترويض الإنسان ليخضع للأفكار التي يولد ليجدها حوله، ويموت وهو مقتنع بها، فلا يحدث أي تأثير، ومن مظاهر ذلك:
- تثبيت فكرة الشهادات
- تربية عقدة الخواجة
الاستغلال
وضع الطالب تحت سلطة المدرسين المباشرة أحياناً يدفع بعضهم لإستغلاله بالدروس الخصوصية، سيعلمه ذلك درسا لن ينساه في “تقديم الرشاوي” وبطريقة عملية.
فهي قادرة على تمريره من أي سلطة كما يفعل مع مدرسينه، عندما يوقن بأن الأمر تجارة وأن مصلحته ليست في حسبان أحد. ولن تفلح الكلمات الرنانة في إقناعه بالعكس فالعملي أثبت من النظري.
ظلم المعلم
شعور التلميذ بأن كل هم المدرس نقود الدرس، وراتبه آخر الشهر هو شعور كفيل بتأكيد إسقاط هيبته مرة واحدة لا تقوم معها لها قائمة مرة أخرى، وما ينبني على ذلك من آثار من تقليل إحترامه للمعلمين والإستخفاف بما يقومون به، وهي شيء يتهامس به التلاميذ ويعلنونه.
ويشارك المعلم نفسه أحيانا في وضع نفسه في هذا الموقف، وإن لم يفعل هو فالإعلام والحكومة بالمرصاد.
عزل المجتمع عن المدرسة
فأفضل مناخ لتعلّم شيء ما أن تعيش في بيئة تؤمن به. وإلا ستبدو غريب الأطوار ولن تتمكن من التأقلم معهم. يتأكد العزل بعدم مبالاة المسؤولين عن توفير بيئة مناسبة لنمو الصغار خارج المدرسة، وبسبب الفجوة بين الواقع وما يتم تدريسه.
في الواقع تعمل هذه الأشياء معاً وبشكل متصل جداً لتخرج لنا في النهاية “مواطن سيء”. ولا يُعاقَب القانون على تلك الجرائم لكونها: طويلة المدى ويصعب تحديد المتسبب فيها، كما أنه يشترك فيها العديد من الجهات والأشخاص حتى أنها لتبدو غير مقصودة.
فإن تحدثنا عن أن الوزارة والحكومة مسؤولتان بتجاهلهما للتعليم وبقوانينهما الغير مناسبة، وأن كليات التربية تُقصّر في إعداد المعلمين، وأن المجتمع والإعلام لا يساهمان في إيجاد بيئة جيدة لإحتضان قضية التعليم، هذا جنباً إلى جنب مع تقصير المعلم والطالب في أداء دورهما – ففاقد الشيء لا يعطيه – فإننا بذلك نحمل المسؤولية معاً.
وإن لم نستطع تحديد من يقوم بالجريمة فربما يمكننا تحديد الممارسات التي تؤدي لها، ولو أنه قد وضع لكل منا دور دقيق في المنظومة لأمكن إصلاح الأوضاع ومحاسبة كل متسبب وإيقافه في الوقت المناسب.. لكننا تحكمنا العشوائية.
المصدر
www.arageek.com