ليس لديك آلة زمن؟ لا تقلق أنا أمتلك واحدة، وسأصحبك معي في جولة إلى الماضي، إلى عام 1902 وبالتحديد اليوم الرابع من شهر أكتوبر، حيث عُرض فيلم A Trip to The Moon الصامت لأول مرة، (فيلم فرنسي) لكن لماذا سنتحدث عن فيلم قديم قدم السينما نفسها بينما يهتم الجميع بكل ما هو حديث؟ لدي أسبابي الوجيهة، التي أرغب أن اشاركك اياها، جاهز لننطلق؟
عن الفيلم
العنوان الأصلي للفيلم بالفرنسية هو Le voyage dans la lune (مدته 18 دقيقة إذا عُرض بتقنية 12 إطار في الثانية الواحدة) وتبدأ أحداثه باجتماع في نادي الفلك، يخرج عنه اقتراح بإطلاق رحلة إلى القمر، تظهر بعض المعارضة للقرار، لكن الاجتماع ينتهي بالموافقة على اقتراح رئيس النادي.
بعده يتم بناء كبسولة فضاء على شكل رصاصة، على ان يطلقها مدفع ضخم وقوي إلى الفضاء، تنطلق الكبسولة وفي مشهد عبقري (واحد من المشاهد الأيقونية في السينما) يظهر للقمر عينين، وتستقر الكبسولة في احداهما، ربما هي اشارة لانتصار الإنسان على القمر..
بعد الهبوط بسلام يخرج علماء الفلك من الكبسولة، (يفعلون ذلك دون ارتداء ملابس مناسبة للفضاء، لا تنس أن الفيلم انتاج عام 1902) تظهر خدع بدائية لكنها مُبهرة لعالم القمر، نجوم بوجوه بشرية، فطر عملاق، سكان للقمر اشبه بالقرود ينفجرون حين يتم ضربهم بقوة، يوثق الفيلم مغامرة شيّقة لعلماء الفلك على سطح القمر.
حين شاهدت فيلم A Trip to The Moon لم أفعل ذلك بمنطق مشاهدة فيلم ممتع وفقط، كنت أبحث داخله عن رسائل أعمق، عن ما رسخه فيلم يُعدّ رائداً لعالم الخيال العلمي، فيلم سبق عصره، ووثق إبداع خالقه الفرنسي Georges Méliès الذي كتب الفيلم وأخرجه وأنتجه، بل ومثل فيه أيضاً حيث قام بدور رئيس نادي الفلك في الفيلم، وهكذا يُعدّ Méliès أحد رواد مصطلح عرض الرجل الواحد أو رجل المهام المتعددة.
السينما خُلِقت لتتحدى الواقع
هذه أول حقيقة رسّخ لها فيلمنا، أنجح الأفلام في التاريخ هي تلك التي تقوم بدور صندوق الدنيا للجماهير، تجعلهم يرون ما هو أبعد من الواقع الذين يعيشونه، جعل الفيلم الناس ترى لأول مرة حكاية مدهشة تدور على سطح القمر، بعدما كانوا يقرأون عنه اشياء عدة في القصص ومقالات الصحف، وها هم يرون اخيراً روّاد فضاء يسافرون إلى القمر بكبسولة، يواجهون مخلوقات تعيش على سطحه.
لعب التقمّص الوجداني دوره مع المشاهدين، الذين تأثروا بالفيلم وصدقوه، خافوا على ابطال الفيلم وتمنوا لهم النجاة، ومن يدري ربما صفّق أول جمهور شاهد الفيلم لأبطاله حين تغلبوا على كل المخاطر على القمر وعادوا للأرض بسلام.
الخدع تحتاج لعقل مُبدع قبل الأموال
كم مرة شاهدت فيلم مبهر تكلّفت خدعه ملايين الدولارات لكنك لم تحبه وشعرت انها خدع فقيرة خالية من الإبداع؟ بالتأكيد حدث ذلك معك مثلما حدث معي، يثبت لك فيلم A Trip to The Moon أن الخدع تحتاج لعقل مبدع، فعام 1902 كانت السينما ضعيفة جداً من حيث الإمكانيات، لا توجد أجهزة حاسوب لفعل أي شيء، رغم ذلك استطاع صانعه أن يُقدّم خدعاً غير مسبوقة، نفذها بإبداع شديد، فعل ذلك لانه مبدع أكثر منه مجرّد صانع أفلام، احتوى الفيلم على عده مشاهد أذهلت الناس وقتها، نفذها Méliès بوضع كادر على كادر، فظهرت مبهرة، يعلمنا الفيلم أن الفقر هو فقر العقول وليس فقر الإمكانيات.
السينما هي البُعد الثاني للورق
على الورق أنت تستخدم خيالك لترى ما يريد المؤلفون لك أن تراه، لكن السينما ظهرت لتجعل المكتوب على الورق حقيقة، له بعد جديد، هي فَنّ تحويل الحبر إلى عالم مدهش كامل، يمكنك أن تراه بعينيك وتصبح جزء منه.
في العام 1930 وحين سُأِل مخرج الفيلم Georges Méliès عن ما الذي الهمه لصناعة هذا الفيلم قال إنه تأثر برواية شهيرة، هي حول القمر around the moon للعبقري جولي فيرن والتي تُعدّ تتمة لرواية أخرى سبقتها هي من الأرض إلى القمر لنفس المؤلف، كما أن بعض مشاهد الفيلم يظهر فيها تأثر المخرج بعمل ابداعي آخر هو رواية أول رجال على سطح القمر لهربرت جورج ويلز، جعلتنا السينما نرى الحروف التي تنقل صفحات الروايات إلى مشاهد متحركة.
الأفلام تعيش للأبد
أخيراً يُعلّمنا هذ الفيلم الرائع أن الأفلام تعيش للأبد، الفيلم عمره أكثر من قرن من الزمان، ومع ذلك هو بيينا ونتحدث عنه، على موقع IMDB حصل الفيلم على تقييم 8.2 وهو تقييم يجعله في قائمة الأفلام المميزة.. التي تستحق المشاهدة.
المصدر
www.arageek.com