الإنسان هو الكائن الاستثنائي الذي تغيرت شكل الكرة الأرضية بعد زيارته لها، الكائن غير المتوقع الذي يشعر بالعديد من المشاعر المتشابهة والمتناقضة للأشياء من حوله…. الكائن المسئول عن التطور وقيام الحضارات المختلفة وتدوينها لينتج العالم المتقدم الذي نعيشه الآن…. وهو في نفس الوقت المسئول عن الحروب التي أدت إلى القتل والخراب في نواحي العالم!
هذا التناقض الغريب داخل النفس الإنسانية أدى إلى العديد من الأسئلة الأساسية مثل: ما الإنسان؟ ما وظيفته في الحياة؟ وما هي طاقاته؟ وكيف يتم التحكم بها؟ وما هي المشاعر وكيف يتم خلقها في داخله؟
ومن هنا بدأت الاتجاهات الفكرية والفلسفية والدراسات النفسية في محاولة تفسير ماهية الإنسان وسنعرض في هذا المقال أشهر النظريات التي توصلت لها تلك الدراسات.

١- نظرية “العقل الباطن” لفرويد
فسر فرويد النفس الانسانية في تلك النظرية على أنها تتكون من شقين…. العقل الواعي (عالم الشعور) والعقل اللاواعي (عالم اللاشعور)…. وتوصل إلى أن العقل اللاواعي عند الإنسان هو الجزء الحقيقي منه وأن العقل الواعي هو الجزء المزيف الذي فرضته عليه البيئة والظروف الخارجية، كما أن الكوابت التي فرضها عليه المجتمع هي التي شكلت شخصيته ومشاعره .

٢- تفسير المدرسة التجريبية
و هي المدرسة التي اعتمدت في تفسيرها للنفس الإنسانية على المعامل والتجارب… ولكنها لم تتوصل إلا إلى حقائق جزئية بسيطة، وذلك لأن التجارب مهما كانت دقتها فإنها تقيس عالم المادة المحسوس، على عكس عالم المشاعر الذي لا يمكنك بأي حال من الأحوال أن تستدل عليه بالمحسوسات.
ببساطة يمكنك أن تقيس “التعب” أو “النشاط” لشخص ما ولكنك لا تستطيع قياس “الإحباط” أو “السعادة” لنفس الشخص.

٣- تفسير المدرسة الميكانيكية
فسرت المدرسة الميكانيكية النفس الإنسانية على أنها مثل الجهاز الآلي، الذي تتحكم به الضرورات لهذه الآلة حتى تستمر في العمل… وان الإنسان يمكن تفسيرة على هذا الأساس بكل سهولة عن طريق قوانين الطبيعة والكيمياء المتعارف عليها.

٤- التفسير الفلسفي للنفس
تعددت التفسيرات للنفس الإنسانية في عهد الفلاسفة قديماً فمنهم من فسر النفس على إنها جوهر مادي مستمد من النار مثل “هرقليطس”… ومنهم من قال إنها تتكون من العناصر الأربعة (الماء والأرض والنار والرياح) مثل “انبادوقليس”. ولكن التفسير للنفس أصبح مختلفاً بداية من عهد “سقراط” الذي قال بأن النفس هي ظل الله داخل الإنسان وأنه كلما عرف الإنسان نفسه استطاع معرفة الإله بطريقة أفضل.
ثم أكمل تلميذه “أفلاطون” نظريته بوصفه النفس إنها كانت تسكن في عالم قدسي تنعم فيه بالحياة السعيدة، ثم هبطت منه لارتكابها إثماً ما، بعدها استمرت تلك النفس في الانتقال بين الأجساد في ظاهرة تدعى “تناسخ الأرواح” حتى تتخلص من آثامها وتصبح جاهزة للعودة للعالم القدسي من جديد.

الدراسات النفسية للغرب غير كافية
معظم الدراسات والنظريات التي تم عرضها بالأعلى غير كافية لتفسير النفس الإنسانية، لأنها اعتمدت معظمها على الواقع فقط – اللهم إلا الفلسفة – وبذلك أهملت العديد من التفسيرات التي تعتمد على العلم الغيبي، مبررة ذلك بأن كل شيء يجب أن يتم إثباته بالمعمل والنظريات، مما أدى إلى تفسير الإنسان تفسيراً جزئياً لأن تلك النظريات تحاشت الأسئلة التي لا تجد لها إجابة واضحة مثل، كيف نشأ الخلق؟ ومن قام بالخلق؟ ولماذا تم الخلق؟
بالتالي أدي هذا التفسير الجزئي إلى انتشار المفاهيم الخاطئة للتعامل مع الاقتصاد والاجتماع والفنون والآداب والنشاطات المختلفة… وذلك أدي إلى ميراث مغلوط في شتي المجالات يتم تصحيحه كل فترة بميراث أخر خاطئ يصلح “للواقع” الذي يهبط فيه، وذلك بخلاف عدم وجود تفسير أو مرجعية لماهية النفس السوية وكيفية تفريقها عن النفس المنحرفة وذلك ببساطة لأن علم النفس الغربي قرر أن تكون مرجعيته “الواقع” وليس “الإنسان”!

دراسة النفس بمعزل عن الله
وهو الخطأ الثاني الذي تقع فيه الدراسات النفسية للغرب، ويرجع سبب ذلك أن الديانة الوثنية “الهيلينية” أو “اليونانية القديمة” التي يقدسها الغرب كانت تصور دائماً أن هناك حرباً بين الإنسان والإله، ويكفينا من ذلك قصة “زيوس” الذي عاقب “بروميثيوس” عندما أظهر تعاطفه مع البشر وقرر أن يسرق لهم النار المقدسة من السماء، وغيرها من القصص التي تمتلئ بها تلك الديانة.
بعدها أتت العصبية الكنسية قديمًا في الغرب الأوروبي، لتهدد الناس في أمنهم وتفرض عليهم الطاعة العمياء لرجال الدين وترفض أي اكتشاف علمي جديد بحجة أنه ضد كلمة السماء! وتقتل كل عالم وتحرقه بتهمة الكفر والبعد عن الدين.
وبالتالي كان هناك أثراً لتلك العوامل في علاقة الغرب مع الله كما يقول الدكتور محمد قطب:
“هذه العوامل مجتمعة أوجدت في الفكر الغربي – وفي اللاوعي كذلك – نفوراً من الدين ونفوراً من الله – سبحانه – ورغبة محمومة في البعد عن ذكر الله في كل مجال يتعلق بشئون الإنسان… ومن ثم لم تدرس النفس الإنسانية قط موصولة بالله خالقها!”.
وذلك الإهمال المتعمد لدراسة النفس الإنسانية بمعزل عن الله أدي لجملة من الأخطاء، لأنك ببساطة قبل أن تبدأ دراسة النفس الإنسانية يجب أن تجد جواباً حاسماً لتلك الأسئلة الثلاثة:
من خلقها؟ من ماذا خلقت؟ لماذا خلقت؟
هل وجد أجوبة مقنعة عن هذه الأسئلة بعد أم لا؟ هذا ما يجب أن تتأكد منه بعد قراءتك لهذا المقال.

المصادر
كتاب “دراسات في النفس الإنسانية”: مبحث فلسفي في مقارنة تفسير النفس بين أرسطو وابن سينا

المصدر
www.arageek.com