بالرغم من قوتهم الاقتصادية الهائلة ، كثرة قومياتهم ، ثقافاتهم المتنوعة و دياناتهم المختلفة ! مازال الشعب الصيني يتوارث الفكر الصيني العريق جيلاً بعد جيل ، بعاداته و بتقاليده و بمعتقداته ، يحتفظون به و يقدسونه !
و في هذه الأيام التي تظنها أنت عادية ، يحتفل الشعب الصيني و بعض شعوب دول آسيا مثل اندونيسيا و كوريا و الفلبين و ماليزيا ، و تتزين بلادهم بقدوم عامٍ صيني جديد ، العام الصيني رقم ( 4713 ) أو كما أطلقوا عليه ” عام القرد الناري ” ، و في تقاويمنا سواء الهجرية أو الميلادية فإن العام الجديد قدأ بدأ منذ فترة ، أما في الصين فإن الوضع دائماً ما يختلف ، فما هي قصتهم إذاً ؟
التقويم الصيني .. بداية الأسطورة !
بدأ حساب التقويم الصيني ( و كما تقول الأساطير الصينية ) عندما طلب ” بوذا ” من جميع الحيوانات ( و كان عددهم 12 حيواناً ) مقابلته في ليلة ، فحضرت الحيوانات و أطلق بوذا على كل سنةٍ اسم حيوان منهم ، و نتجت دورة من 12 سنة ، تحمل كل سنةٍ منها اسم حيوان ( الفأر – الثور – النمر – الأرنب – التنين – الأفعى – الحصان – الخروف – القرد – الديك – الكلب – الخنزير ) ، كما يمكن أن تحمل صفة أخرى من صفات الماء أو النار أو المعادن وغيرها ، و أصبح كل شخصٍ يولد في أي سنة فهو ( و حسب الأبراج الصينية ) سيتسم بسمات شخصية الحيوان التي تسمى السنة على اسمه .
و وفقاً لحساباتهم فإن بداية و نهاية السنة الصينية تختلف من عام لآخر ، ولكنها غالباً ما تكون في أواخر يناير و بداية فبراير ، و في هذا العام وافقت بداية السنة الصينية تاريخ 8 فبراير 2016 و ستنتهي بتاريخ 27 يناير 2017 ، و هو عام الحيوان التاسع في الدورة أي أنه عام ( القرد ) أو كما يسمونه ( عام القرد الناري ) ، و في الثقافة الصينية القرد سريع البديهة ، مرح ، نشيط و مؤذي ، و من سيولد في عام القرد و حسب اعتقادهم سيتسم بنفس سمات القرد.
أما رأس السنة الصينية فليس كأي رأس سنة ، هو أهم أحداث السنة في الصين و أكبر مهرجان شعبي تقليدي متوارث لديهم ! و مع رن جرس بداية العام الجديد يستقبل الصينيون سنتهم باحتفالٍ هائلٍ يستمر لليوم الخامس عشر من السنة الجديدة و هو يوم ( مهرجان الفوانيس ) .
و القاعدة الأولى .. لم الشمل !
هو يوم عائلي قبل أي شيء ! فمن عادات الشعب الصيني في يوم العيد أن يجتمع الأهل و الأقارب في البيوت ، يتبادلون التحيات و التهاني و الهدايا ، يزينون الشبابيك و المنازل و الشوارع ،و يهدون أطفالهم الأموال في مظاريفٍ حمراء ، أما أهم ما في الأمر هو عشاء ليلة رأس السنة و الذي يعتبره الصينيون أهم وجبة في العام و تجتمع له العائلة بأكملها و يسمونه ( عشاء لم الشمل ) ، و الذي يجب أن يكون كبيراً و فاخراً و يضم المأكولات الشعبية التقليدية في الصين .
و يردد الصينيون دائماً أن يوم رأس السنة هو يوم للاسترخاء والاحتفالٍ بعام مضى من العمل الشاق ، و استقبال عامٍ مزهرٍ جديد !
ستستمر كما بدأَت !
الفكرة الرئيسية و المعتقد الأساسي لدى الشعب الصيني في يوم رأس السنة أن بداية العام ستؤثر على العام بأكمله ! و أن ما تفعله في أول يومٍ في السنة ستترتب عليه سنتك الجديدة كلها ! فكلما بدأت العام بشكل جيد ستصبح أكثر حظاً وسعادةً في العام الجديد ، والعكس صحيح .
و سادت التقاليد و سنت القوانين و القواعد الخاصة بيوم رأس السنة ، فلا تتحدث في ذلك اليوم سوى بكلمات التفاؤل و الأمل و السعادة ، ولا تصرخ في وجه أحد ، و لا تنطق بالألفاظ البذيئة ، و احذر كلمات الموت أو المرض ، استيقظ مبكراً و لا ترتدي الملابس التالفة و لا الملابس البيضاء أو السوداء ، فكلٌ منهما يدل على الحداد ! و أفضل ما يمكن ارتداؤه في ذلك اليوم هو لون العلم الصيني و هو اللون الأحمر الذي لطالما زين احتفالات الصين لأنه في ثقافتهم هو ” لون السعد ” .
أما تناولك للدواء في أول يوم فيعني و بالنسبة إليهم أنك ستظل مريضاً طوال العام ! و أي حادثٍ أو جرحٍ مهما كان بسيطاً في أول يوم في السنة هو شيء مشؤوم ، لذا فإنهم يبتعدون عن استخدام السكاكين و المقصات و الآلات الحادة في ذلك اليوم ، كما يبتعدون عن استخدام أدوات التنظيف و خاصة المكانس لأنه في الثقافة الصينية استعمال المكنسة في ذلك اليوم ” يكنس الحظ السعيد ” ، و إذا تناولت ” النودل ” فلا تقطع حبالها الطويلة لأن قطع حبال ” النودل ” في ثقافتهم ” يقصر العمر ” !
فبكل الأحوال يريد الصيني دائماً أن تكون بداية عامه ” مثالية ” بكل المقاييس ، وحتى في تلك التفاصيل الصغيرة ، و الجدير بالذكر أنه أيضاً لا يجوز التداين في يوم رأس السنة و أن الديون جميعاً يجب أن ترد قبل ذلك اليوم !
عيد الفوانيس الصيني
خمس عشرة يوماً من الاحتفالات المستمرة و المهرجانات و المعارض و العروض الترفيهية و المواكب التقليدية التي تتميز بالرقصات الشعبية الصينية مثل ” رقصة التنين ” و ” رقصة الأسد ” ، تختتمها الصين بأسطورة ” عيد الفوانيس ” التي تقول انه في فترة أسرة ” هان ” الغربية عندما علم الإمبراطور أن الرهبان البوذيين يشعلون النار احتراماً لبوذا ، أمر الامبراطور بإشعال النار أيضاً في القصر الإمبراطوري و في بقية المعابد احتراماً لبوذاأيضاً ، فأصبحث عادة رسمية ثم عيداً شعبياً فعيدٌ رسميٌ في الصين ، عيد الفوانيس !
و لطالما اشتهرت مدن وقرى الصين بصنع الفوانيس الورقية الملونة و الزاهية بمختلف الأشكال و الأحجام و تزيينها بالأوراق و الزهور و أشكال الطيور و الحيوانات و بعض الحروف الصينية ، و في يوم العيد يحملونها في كل مكانٍ و يعلقونها في الشوارع و البيوت و المعابد و حتى على الشجر !
و من الجدير بالذكر أن حسب الأساطير الصينية فإن إشعال النار يدفع الحظ السيء بعيداً ، فدائماً تبدأ ليلة رأس السنة الصينية بسلسلة من الألعاب النارية ، كما أن البعض مازالوا يمارسون العادة الصينية القديمة جداً وهي إشعال النار في الخيرزان لدفع الحظ السيء و طرد الأرواح الشريرة .
و مع كثافة السكان في الصين و كثرة القوميات لديهم و بالرغم من أنهم لا يعتنقون ديانةً معينة ، فهم جميعاً يستقبلون سنتهم الصينية الجديدة بروحٍ واحدةٍ و بهجةٍ واحدةٍ و عاداتٍ مشتركةٍ و ثقافةٍ عريقةٍ توارثوها من آبائهم و أجدادهم ، قد تظن أنت أنها بضع ” تخاريفٍ ” و ” أساطير ” ، ولكنها تظل أفكاراً ومعتقداتٍ صنعت هوية الشعب الصيني و حضارته ، هم يصدقونها و يحترمونها و يقدسونها و يورثونها لأبنائهم جيلاً بعد جيل !
المصدر
www.arageek.com