علمياً: هل هناك سنٌ مثالي لتعلم لغة ثانية؟
تشير أبحاثٌ جديدة إلى أن القدرة على تعلم لغة جديدة تتقلص تدريجياً مع التقدم في العمر.
فإذا كنت ترغب في تعلم لغةٍ أجنبية، هل يجب أن تبدأ قبل سنٍ معينة لإتقانها؟ يعتقد الكثيرون أن الأطفال الصغار يجدون الأمر أسهل من البالغين لأن الطفولة هي “الفترة الحاسمة” لتعلم اللغة.
وقد واجه العلماء صعوبات في تلك النظرية، إلا أن الأبحاث الجديدة التي نشرتها الباحثة مونيكا شميدت في صحيفة The Independent البريطانية، تشير في الواقع إلى أن قدرتنا على تعلم لغة جديدة تتقلص تدريجياً مع التقدم في السن.
ولا تعد المعزوفة القديمة بأن الأطفال المنغمسين في تعلم لغة “يمتصونها مثل الإسفنج”، في حين أن البالغين لا يفعلون ذلك، دليلاً على وجود فترة حاسمة لتعلم اللغة.
وثمة أسباب كثيرة تبرر سهولة تعلم الأصفال للغة جديدة، إذ يمكنهم أن يقضوا المزيد من الوقت ويبذلوا المزيد من الجهد في التعلم أكثر من البالغين الذين لديهم العديد من المشاغل؛ كما أن الحافز لدى الأطفال للانسجام هو أكبر بكثير، وعادات النطق والقواعد في لغتهم الأم أقل تأصلاً، وبالتالي يسهل التغلب عليها. وبطبيعة الحال، يزداد التعلم صعوبةً مع التقدم في السن.
بالإضافة إلى هذه الميزة للصغار، فإن هناك فارقاً نوعياً ملحوظاً: فحتى متعلمي اللغة الكبار الجيدين جداً يختلفون عن الأصغر سناً عندما يتعلق الأمر باستخدام قواعد اللغة بشكل صحيح ومنهجي.
ففي كل مرة كانت شميدت تصحح نصوص طلابها الكبار - ومعظمهم من خلفيات غير ناطقة بالإنكليزية -، “كنت أجد أنهم غالباً ما يرتبكون ببعض القواعد النحوية البسيطة، رغم مهارتهم المدهشة في استخدام مجموعة واسعة من المفردات والأسلوب المناسب والقواعد المعقدة”.
وبحسب شميدت، فلا يتقن العديد من المتعلمين الكبار أبداً التمييز بين "he walks" و"they walk". كما أنهم غالباً ما يفشلون في إدراك أن القول "I have lived in Colchester for two years" يعني أنني لا أزال أعيش هناك، في حين أن القول "I lived in Colchester for two years" يعني أنني لم أعد أعيش هناك.
لماذا يبدو إتقان قواعد بسيطة ومتكررة مستحيلاً؟ في حين يتم استيعاب كلمات لا نصادفها سوى بضع مرات بسهولة؟
ويبدو أن هناك بعض “خبايا” القواعد التي يفشل الكبار باستخدامها بشكل صحيح، في حين أن الأطفال يتقنونها في وقت مبكر، وبكل سهولة.
هذه الملاحظة هي في صميم فكرة “الفترة الحاسمة”، والمتمثلة في وجود إطار زمني محدود - يستمر عادةً حتى سن البلوغ -، ويكون الدماغ البشري خلالها حساس للمدخلات اللغوية، بما في ذلك قواعد اللغة. وبعد أن ينتهي هذا الإطار الزمني، من المفترض أن تدرس القواعد النحوية على نحو واضح ويصبح من الصعب استيعابها.
طريقة الدراسة الحديثة
تقول شميدت إن الدراسة الأخيرة، استخدمت أسلوباً جديداً نسبياً في التحليل، يطلق عليه “النمذجة المضافة المعممة”، وهو أسلوب فعال في تقييم نتيجة تعلم اللغة عبر الفئة العمرية بدقة، مع مراعاة عوامل أخرى، مثل مقدار الوقت الذي يقضيه المتعلم في استخدام اللغة.
قام الباحثون بتحليل نشاط الدماغ، مُقاساً بواسطة إشارة الرسم الكهربائي للدماغ (EEG)، لـ 29 من الناطقين الأصليين بالألمانية و66 من متعلمي اللغة الثانية عندما سمعوا جملاً ألمانية صحيحة تحتوي على خطأ توافقٍ قواعدي.
ففي تركيبات أداة الاسم (مثل "الحديقة the garden" أو "المنزل the house") تتطلب الألمانية أداة تناسب جنس الاسم، بحيث يأخذ الاسم المذكر (Garten) أداة المذكر (der)، في حين يتطلب الاسم المحايد (Haus) أداة المحايد (das).
أظهر الناطقون الأصليون بالألمانية استجابة ًدماغيةً قويةً للأخطاء، لدى سماع تناقضات مثل das Garten أوder Haus، وهو أمر نموذجي لكشف الأخطاء القواعدية. لم يكن لدى متعلمي اللغة الثانية الـ 66 في كثير من الأحيان أي رد على الإطلاق، أو ظهر أنهم يتعاملون مع الأمر وكأنه خطأ في اختيار الكلمات، وليس في القواعد.
كان هذا هو الحال بصفة خاصة بالنسبة لأولئك الذين قد تعلموا اللغة في وقت لاحق من حياتهم. بيد أن التغيير كان تدريجياً عبر الفئة العمرية بأكملها، ما يشير إلى عدم وجود “فترة حاسمة” للبدء بالتعلم.
ما مدى أهمية سن البلوغ؟
كان للدراسة بعض العوامل المقيدة، التي تُبرز مدى الحاجة إلى المزيد من الأبحاث. فأولاً، كل المتعلمين الذين تم اختبارهم يتحدثون إما البولندية أو الروسية لغةً أولى، وكلا هاتين اللغتين، مثل الألمانية، تحتويان تمييزاً جنسياً في القواعد.
وقد مكنهم تعلم قواعد لغتهم الأولى من الاستخدام الصحيح لها في اللغة الثانية.
ثانياً، كانت أعمار صغار المتعلمين الذين تم إدراجهم تبلغ 7 سنوات عندما جاؤوا إلى ألمانيا. ففي حين أن النظرة التقليدية للفترة الحاسمة هي أنها تنتهي عند سن البلوغ تقريباً، تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن العمر قد يكون لا يتجاوز الـ 5.
لذلك، فمن الممكن أن تكون الدراسة فشلت في كشف الفترة الحاسمة، كون أصغر المشاركين فيها كان قد تجاوزها بالفعل عندما بدأ تعلم اللغة الألمانية.
لذلك نحتاج إلى مزيد من الدلائل، وكذلك استخدام الأساليب الإحصائية الجديدة، للإجابة على سؤال ما إذا كان هناك فترة حاسمة لتعلم لغة ثانية.
- هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة The Independent البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.