غاندي وفلسفة المقاومة
يمثل الزعيم الهندي المهاتما غاندي قيمة بارزة في تاريخ الهند والعالم بأسره، وقد سطر التاريخ أعماله بأحرف من نور، وأضاءت مواقفه الطريق لكل من يبحث عن السلام والحرية والاستقلال. وإذا كانت قيمة الرجال والعظماء تستمد من المواقف الجليلة التي قاموا بها فان غاندي أو الروح العظيمة بالسنسكريتية يحتل مكانة باسقة في التاريخ المعاصر لما قام به من أعمال غيرت وجه التاريخ الهندي علي وجه الخصوص. فهو الذي أسس فلسفة اللا عنف أو فلسفة المقاومة السلمية. ولقد وهب المهاتما غاندي حياته لنشر سياسة المقاومة السلمية، واستمر علي مدي خمسين عاما يبشر بها ويدعو إليها. ويعتبر غاندي الزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلال الهند، كما كان رائدا للساتيا غراها وهي مقاومة الاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل، التي تأسست بقوة عقب أهمسا أو اللا عنف الكامل، والتي أدت إلي استقلال الهند، وألهمت العديد من حركات الحقوق المدنية والحرية في جميع أنحاء العالم.و قام غاندي باستعمال العصيان المدني اللا عنفي حينما كان محاميا مغتربا في جنوب أفريقيا.و بعد عودته إلي الهند عام 1915قام بتنظيم احتجاجات من قبل الفلاحين والمزارعين والعمال في المناطق الحضرية ضد ضرائب الأراضي المفرطة والتمييز في المعاملة . وقاد غاندي حملات وطنية لتخفيف حدة الفقر وزيادة حقوق المرأة، ومحاولة بناء وئام وطني ووضع حد لنبذ العنف وكان يهدف من وراء ذلك زيادة الاعتماد علي الذات اقتصاديا، وتحقيق استقلال الهند من سطوة المستعمر. وقاد غاندي أيضا حركة احتجاج واسعة وهي المشهورة باسم مسيرة الملح والتي كانت مسافة 400 كيلو متر، والغرض من هذه المسيرة التقليل من سيطرة المستعمر البريطاني من السيطرة علي الملح الذي يعتبر من الأعمدة الاقتصادية للهند. وبفلسفة المقاومة السلمية يضع غاندي سياسة انتشرت بعده وهذه السياسة السلمية أرهقت بل أحرجت المستعمر البريطاني وعجلت بخروجه من الهند. وتتمثل سياسة اللا عنف في مجموعة من المبادئ تقوم علي أسس دينية وسياسية واقتصادية في آن واحد. وملخص وجوهر سياسة اللا عنف أو فلسفة المقاومة السلمية هي الشجاعة والحقيقة واللا عنف، وتهدف إلي إلحاق الهزيمة بالمحتل عن طريق الوعي الكامل والعميق بالخطر، كما أنها تمثل قوة تكون قادرة علي مواجهة هذا الخطر باللاعنف أولا ثم بالعنف إذا لم يوجد خيار آخر. وتتخذ سياسة اللا عنف أو فلسفة المقاومة عدة أساليب وطرق لتحقيق أغراضها منها الصيام والمقاطعة والاعتصام والعصيان المدني والقبول بالسجن وعدم الخوف من أن تقود هذه الأساليب في النهاية إلي الموت. ويشير غاندي إلي أن سياسة اللا عنف لا تعني السلبية والضعف كما يتبادر إلي الذهن ويتسلل إلي الخاطر، بل هي كل القوة إذا امن بها من يستخدمها، ولذا يقول أن اللا عنف هو أعظم قوة متوفرة للبشرية، أنها اقوي من اقوي أي سلاح دمار صنعته براعة الإنسان. ويشترط غاندي شروط لنجاح هذه السياسة وهي تمتع الخصم ببقية من ضمير وحرية تمكنه في النهاية من فتح حوار موضوعي مع الطرف الآخر . ولقد تميزت مواقف غاندي من الاحتلال البريطاني لشبه القارة الهندية في عمومها بالصلابة المبدئية التي لا تلغي أحيانا المرونة التكتيكية . نستطيع القول أن سياسة اللا عنف أو ما نسميه فلسفة المقاومة الناعمة تعطي دروس عميقة وعظات كثيرة علي أن اللا عنف ممكن أن يمثل سلاح فعال ونافذ لتحقيق الأهداف بشرط أن يقتنع من يستخدم هذا السلاح ويصمم علي المضي قدما في تنفيذه وألا يستسلم لليأس والقنوط، وهذا ما فعله غاندي الذي ترك بصمة لا يمكن للتاريخ أن يمحوها في تبني اللا عنف كسلاح مقاومة. ولعل في الختام نشير الي مقولات لغاندي تمثل درر من ياقوت أقوال من حروف ذهبية في عقد من الماس مثل أن ما يسلب بالعنف لا يحتفظ إلا بالعنف. أيضا أن ساعة الغضب ليس لها عقارب. وأن طريق الاستقلال يجب أن تمهده الدماء.
الدكتور عماد الدين ابراهيم