بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
الجواب: يعيش السعداء والأشقياء في البرزخ حياةً جزائية لأن ما بعد الموت هو يوم الحصاد إن خيراً فخير وإن شراً فشر، بمعنى أن الإنسان يجازي على معتقداته وأفعاله منذ انتقاله من عالم الدنيا فيستقر في عالم البرزخ بأبدان مثالية، والبرزخ هو عالم وسطي بين الدنيا والآخرة، من هنا سمّي بعالم البرزخ، ولكنه يختلف عن عالم الدنيا من حيث لا تكليف في البرزخ بل هو مقدمة لعالم يوم القيامة فيعاقب فيه المرء أو يثاب بحسب ما كان عليه في دار الدنيا، من هنا قال النبيّ صلى الله عليه وآله: (من مات فقد قامت قيامته) فالمؤمن الصالح ينعم في البرزخ بشتى النعيم إلا الزواج، ونعيم البرزخ للمؤمن الصحيح الإعتقاد قليل بجنب نعم الآخرة، وأما الفاسق والكافر والمنافق فإنه يذوق العذاب الأليم من النار والعقارب والحيات تنهشه وتؤذيه فيستغيث فلا يُغاث ويدعو فلا أحد يجيبه، وأول ما يفتتن به المرء في قبره هو مجيء منكر ونكير إياه فيسألانه عن دينه ونبيه وإمامه، ففي خبر عن لكافي عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن عمرو بن عثمان ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام مثله . وزاد فيه : فما يفتر ينادي حتى يدخل قبره ، فإذا ادخل حفرته ردت الروح في جسده ، وجاء ملكا القبر فامتحناه ، قال : وكان أبو جعفر عليه السلام يبكي إذا ذكر هذا الحديث .
وفي بعض الأخبار أن المؤمن الموالي يجتمع مع إخوانه في جنة وادي السلام في العراق بجوار أمير المؤمنين علي عليه السلام، فيجلسون حلقاً حلقاً يتحدثون بفضائل أهل البيت عليهم السلام ويدخل عليهم من السرور ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر...بخلاف الفاسق المشكك والكافر والمنافق فإنهم يتلوون في العذاب ويتمنون الرجوع إلى الدنيا لكي يصلحوا اعتقاداتهم ويعملوا الأعمال الصالحة...وأهل البرزج يعلمون ما يجري على أهلهم في الدنيا، فيحزنون على ما يرتكبونه من معاصي ويسرون ويفرحون بما يرون أهليهم يعملون الصالحات، كما أنهم يزورون أهليهم بأجسامهم المثالية أو بصورة طير لطيف يسقط على جدرانهم ويشرف عليهم حسبما جاء في الأخبار الشريف، فمنهم من يزور أهله في الإسبوع مرة ، ومنهم في الشهر مرة ومنهم في كل سنة مرة ....وهكذا كلّ واحد يزور أهله في الدنيا من دون أن يشعر بهم الأحياء، والتفاوت بالزيارات راجع إلى التفاوت بالإيمان، فمن كان إيمانه أقوى تكون زيارته لأهله في الدنيا أكثر من غيره... فقد جاء في الأخبار الشريفة كما في الكافي عن سهل عن ابن محبوب ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال : سألته عن الميت يزور أهله ؟ قال : نعم ، فقلت : في كم يزور ؟ قال : في الجمعة وفي الشهر وفي السنة على قدر منزلته ، فقلت : في أي صورة يأتيهم ؟ قال : في صورة طائر لطيف يسقط على جدرهم ويشرف عليهم ، فإن رآهم بخير فرح ، وإن رآهم بشر وحاجة وحزن اغتم . " .
وفي الكافي : عن سهل ، عن إسماعيل بن مهران ، عن درست الواسطي عن إسحاق بن عمار ، عن عبد الرحيم القصير قال : قلت له : المؤمن يزور أهله ؟ فقال : نعم يستأذن ربه فيأذن له فيبعث معه ملكين فيأتيهم في بعض صور الطير يقع في داره ينظر إليهم ويسمع كلامهم . " .
وفي الكافي : عن سهل ، عن محمد بن سنان ، عن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام : يزور المؤمن أهله ؟ فقال : نعم ، فقلت : في كم ؟ قال على قدر فضائلهم ، منهم من يزور في كل يوم ، ومنهم من يزور في كل يومين ، ومنهم من يزور في كل ثلاثة أيام ، قال : ثم رأيت في مجرى كلامه يقول : أدناهم منزلة يزور كل جمعة ، قال : قلت : في أي ساعة ؟ قال : عند زوال الشمس ومثل ذلك ، قال : قلت : في أي صورة ؟ قال : في صورة العصفور أو أصغر من ذلك ، يبعث الله عز وجل معه ملكا فيريه ما يسره ، ويستر عنه ما يكره ، فيرى ما يسره ويرجع إلى قرة عين . ".
وأكثر المؤمنين بهجة في البرزج هم المؤمنون العارفون بأهل البيت عليهم السلام والمتبرؤون من أعدائهم لأن ولايتهم والبراءة من أعدائهم من أهم الإعتقادات التوحيدية بعد معرفة الله تعالى، فقد جاء في خبر الفضل بن شاذان عن الأصبغ بن نباته في حديث طويل يذكر فيه أنّ أمير المؤمنين « صلوات الله عليه » خرج من الكوفة ومرّ حتّى أتى الغريّين فجازه فلحقناه وهو مستلق على الأرض بجسده ليس تحته ثوب . فقال له قنبر : يا أمير المؤمنين ! ألا أبسط ثوبي تحتك ؟ فقال ( عليه السلام ) : لا ، هل هي إلاّ تربة مؤمن أو مزاحمته في مجلسه . قال الأصبغ : فقلت : يا أمير المؤمنين ! تربة مؤمن قد عرفناها كانت أو تكون فما مزاحمته في مجلسه ؟ فقال ( عليه السلام ) : يا بن نباته ! لو كشف لكم لألفيتم أرواح المؤمنين في هذا الظهر حلقاً يتزاورون ويتحدّثون ، إنّ في هذا الظهر روح كلّ مؤمن وفي وادي برهوت نسمة كلّ كافر.
وفي الكافي عن علي بن محمد ، عن علي بن الحسن ، عن الحسين بن راشد ، عن المرتجل بن معمر ، عن ذريح المحاربي ، عن عباية الأسدي ، عن حبة العرني قال : خرجت مع أمير المؤمنين عليه السلام إلى الظهر فوقف بوادي السلام كأنه مخاطب لأقوام فقمت بقيامه حتى أعييت ، ثم جلست حتى مللت ، ثم قمت حتى نالني مثل ما نالني أولا ، ثم جلست حتى مللت ، ثم قمت وجمعت ردائي فقلت : يا أمير المؤمنين إني قد أشفقت عليك من طول القيام فراحة ساعة ، ثم طرحت الرداء ليجلس عليه فقال : يا حبة إن هو إلا محادثة مؤمن أو مؤانسته ، قال : قلت : يا أمير المؤمنين وإنهم لكذلك ؟ قال : نعم ولو كشف لك لرأيتهم حلقا حلقا محتبين( أي يلبسون ثياباً جميلة ويعتمرون العمائم على رؤوسهم) يتحادثون ، فقلت أجسام أم أرواح ؟ فقال : أرواح ، وما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض إلا قيل لروحه : الحقي بوادي السلام ، وإنها لبقعة من جنة عدن .
وعن الفضل بن شاذان عن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن زيد الشحام ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن أرواح المؤمنين يرون آل محمد عليهم السلام في جبال رضوي فتأكل من طعامهم ، وتشرب من شرابهم ، وتحدث معهم في مجالسهم حتى يقوم قائمنا أهل البيت عليه السلام فإذا قام قائمنا بعثهم الله وأقبلوا معه يلبون زمرا فزمرا ، فعند ذلك يرتاب المبطلون ، ويضمحل المنتحلون ، وينجو المقربون .
وعن النبي صلى الله عليه وآله أن لله تعالى ملكين يقال لهما : ناكر ونكير ينزلان على الميت فيسألانه عن ربه ونبيه ودينه وإمامه ، فإن أجاب بالحق سلموه إلى ملائكة النعيم ، وإن أرتج عليه سلموه إلى ملائكة العذاب .
وفي تفسير النعماني : عن كتاب القرآن بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : وأما الرد على من أنكر الثواب والعقاب في الدنيا بعد الموت قبل القيامة فيقول الله تعالى : " يوم يأتي لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض " الآية " وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك " يعني السماوات والأرض قبل القيامة ، فإذا كانت القيامة بدلت السماوات والأرض ، ومثل قوله تعالى : " ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون " وهو أمر بين أمرين ، وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة ، ومثله قوله تعالى : " النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة " والغدو والعشي لا يكونان في القيامة التي هي دار الخلود ، وإنما يكونان في الدنيا ، وقال الله تعالى في أهل الجنة : " ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا " والبكرة والعشي إنما يكونان من الليل والنهار في جنة الحياة قبل يوم القيامة ، قال الله تعالى : " لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا " ومثله قوله سبحانه : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتيهم الله من فضله " الآية .
وفي تفسير علي بن إبراهيم : " فيومئذ لا يسئل عن ذنبه ، قال : منكم يعني من الشيعة " إنس ولا جان " قال : معناه : إنه من تولى أمير المؤمنين صلوات الله عليه وتبرأ من أعدائه وأحل حلاله وحرم حرامه ثم دخل في الذنوب ولم يتب في الدنيا عذب لها في البرزخ ، ويخرج يوم القيامة وليس له ذنب يسأل عنه يوم القيامة .
ما تقدم هو نبذة يسيرة من الأخبار تبيّن لنا أهمية الإيمان والعقيدة الصحيحة بالله وبالنبي وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام وأن لهذا الإيمان أهمية كبرى للنجاة من عذاب القبر وأهواله وشدائده...نرجو الله تعالى بحق النبي وآله الأطهار عليهم السلام أن يجعلنا وإياكم في الجنة معهم وأن يعفو عنا ويغفر لنا ويجعلنا في الدنيا من خيرة خدامهم وأعوانهم وأنصارهم...وهو حسبنا ونعم الوكيل؛