الإسكندرية وروما: الاستقطاب والتبعية


إن ما حدث في مجمع خلقيدونية الزائف عام 541م من هزيمة كنيسة الإسكندرية على المستوى المسكوني، ومحاولة إذلالها بحرم ونفي البابا ديوسقوروس، لم يكن هو نهاية المطاف، بل كان هو البداية لمواجهة مستمرة مع الإسكندرية بهدف إخضاعها للإيمان الخلقيدوني. وكان الاضطهاد البيزنطي صورة من تلك الصور المشينة التي قامت بها السلطة الحاكمة بالتعاون في كنيستي روما والقسطنطينية.
وبالرغم من دخول الكنائس بعد خلقيدونية في الشرق والغرب في مفترق الطرق، وصارت لها اتجاهات مختلفة تبعًا لتطورات الأحداث المتلاحقة..
إلا أن كنيسة روما وأساقفتها لم يحولوا نظرهم عن كنيسة الإسكندرية، ولم تغمض لهم أعين عن تحقيق مأربهم في السيطرة على كنيسة الإسكندرية واستقطابها لروما وتبعتها لهم!!
ويرصد تاريخ الكنيسة محاولات الاستقطاب التي قامت بها كنيسة روما تجاه كنيسة الإسكندرية من أجل التبعية لها، مستخدمة كل الطرق والوسائل، حتى ولو بتفسير خاطئ ومغلوط للحقائق والوقائع التاريخية ليتفق مع أهدافها ومآربها وخططها. ويظهر هذا بكل وضوح في الكتابات التاريخية للكنيسة الكاثوليكية بخصوص تاريخ وجودها في مصر!!! (1)
ويمكن أن نتتبع هذه القصة منذ أحداث ما بعد خلقيدونية عام 541م، وإلى الوقت الحاضر على النحو التالي:
البطاركة الدخلاء الملكيين الخلقيدونيين

1- المساندة القوية من كرسي روما للبطاركة الدخلاء الملكيين الخلقيدونيين الذين عينهم الأباطرة على كرسي الإسكندرية رغم رفض ومقاومة المصريين لهم. حتى مع استخدام العنف وأشد أنواع العذاب والتنكيل، لأنه لم يوجد مصري وطني واحد كان موافقًا على خلقيدونية، بل أن الخلقيدونيين في مصر هم الأروام واليونان، تلك الطائفة التي كانت تتبع الخلقيدونية، والإمبراطور الخلقيدوني(2).. ويكفي هنا أن نذكر كيف أرسل لاون الأول إلى بروتيريوس البطريرك الدخيل يطلب منه في تملق ومكر أن يكتب الرسالة الفصيحة لتحديد عيد القيامة كعادة بابوات الإسكندرية طبقًا لقرارات مجمع نيقية عام 325م (3). فعمل هذا التصرف على زيادة هياج المصريين الذين أصروا على التخلص من هذا الدخيل. فقتلوه.

سرقة جسد القديس مار مرقس الرسول

2- لا يمكن أن نغفل سرقة جسد أبينا القديس العظيم مار مرقس الرسول بواسطة البنادقة بإيطاليا، وهم من أتباع كنيسة روما في القرن التاسع نحو عام 828م. ومن المعروف أن الكنيسة التي كان بها جسد أبينا مار مرقس كانت تحت سيطرة الروم الملكيين الخلقيدونيين والتي استولوا عليها بالقوة والاغتصاب منذ القرن السادس (4). ولاشك أن إتفاق روما والروم في معتقد خلقيدوني واحد، أعطى إمكانية سرقة الجسد.. وبالرغم من بناء كنيسة سان مارك لجسد ما مرقس والتي تعتبر بحق من أفخم وأعظم الكنائس في العالم. إلا أن جًرح سرقة جسد أبينا لم يندمل قط.. ولذلك كانت فرحة كنيستنا بعودة رفات مار مرقس، عام 1968م لا توصف (5).

خدمة الفرنسيسكان

3- في القرن الثالث عشر وأثناء الحملة الصليبية الخامسة على مصر عام 1219م، وأيام بابا روما هونوريوس الثالث 177 (1216- 1227) جاء فرنسيس الأسيزى وبعض الرهبان الفرنسيسكان إلى مصر بناء على أوامر صادرة من البابا، وقد سمح لهم السلطان الكامل الأيوبي (1218-1238) -بعد تبادل الهدايا- بالإقامة والوعظ في البلاد المصرية (6). وكانت هذه بداية خدمة الرهبان الفرنسيسكان الكاثوليك في مصر وخاصة لأبناء القنصليات التجارية المختلفة لاسيما مّن هم من چنوا والبندقية والنمسا (7).
وفي القرن السابع عشر صارت للفرنسيسكان مراكز وكنائس في الموسكي بالقاهرة وإسكندرية وأسيوط وطهطا وأخميم وجراجوس ونقادة إلى جانب ديرهم بأخميم الذي تأسس عام 1666م (8).. وهذا يعني الخدمة والعمل في وسط الأقباط وخاصة في الصعيد. ألا يمثل هذا العمل استقطابًا وتبعية لكرسي روما؟!!




المبعوثين الكاثوليك إلى إثيوبيا التابعة لكنيسة مصر

4- حاولت كنيسة روما منذ القرن الخامس عشر الوصول إلى كنيسة أثيوبيا الأرثوذكسية والتي تتبع كرسي الإسكندرية إيمانيًا ورعويًا منذ عصر البابا أثناسيوس الرسولي الذي قام بسيامة أول أسقف لها عام 330م هو القديس الأنبا سلامة (9).. وذلك لاستقطابها وللتأثير بشكل أو بآخر على الإسكندرية الكنيسة الأم ونجحت بعض محاولاتهم وخاصة أيام بعض ملوك الأسرة السليمانية وبالأخص في عهد الملك سوسينوس (1607-1632) مما تسبب في قيام الحروب الأهلية هناك، حتى أقنع ولي العهد فاسيلاداس والد بفداحة ما أرتكب ضد كنيسته ودينه وشعبه وبلده. فأعتزل الحكم، وتولى فاسيلاداس العرش (1632- 1665) ليعيد إلى البلاد هدوئها وسكينتها. وطرد المبعوثين الكاثوليك وأتفق مع حاكم مصوع على أن يرقب السواحل الشرقية ليمنع دخول اليسوعيين ومن يماثلهم (10)..

محاولة استقطاب الإسكندرية لتتبع روما

5- وجه بابوات روما نظرهم إلى الإسكندرية لأجل استقطابها وتبعيتها لهم تحت دعوى الإتحاد بين الإسكندرية وروما منذ المحاولة الفاشلة البابا أوجينوس الرابع 207 (1431- 1447) في مجمعهم الكاثوليكي بفلورنسا والذي يسمى "المجمع الفلونتيني" وذلك عام 1442م (11)..
ثم أرسل البابا بيوس الرابع 224 (1560-1565) وفدًا لمقابلة بابا الإسكندرية غبريال السابع 95 (1525-1568) يطلب إليه الانضمام لروما، فأعلمُهم غبطته أنه لا يمكن أن ينحرف قيد شعرة عن التمسك بعقائد وطقوس كنيسته المقدسة.. وعاد الوفد في خذلان شديد (12).
وجاءت المحاولة الثالثة من بابا روما جريجورى الثالث عشر 226 (1572-1585) على البابا الإسكندري يؤانس الرابع عشر 96 (1571- 1586) عام 1583م، الذي مال إلى الموافقة على عقد اتفاقية الإتحاد ظنًا منه بكل بساطة أن هذا سيعود بالفائدة لأبناء كنيسته كما أوهموه مبعوثو البابا الروماني.. إلا أن إرادة الله أفسده كل تدابيرهم بنياحة البابا يؤانس الرابع عشر في تلك الليلة. بل قام والي مصر العثماني بالقبض على هؤلاء المبعوثين الغرباء واتهامهم بإلقاء الفتنة بين الرعايا فزجهم في السجن، حتى أطلق سراحهم بفدية 5 آلاف قطعة ذهب دفعها بعض الأغنياء الأقباط، وعادوا إلى بلادهم (13).
وفي عهد بابا روما سيكستوس الخامس 227 (1585- 1590) ومن بعده أكلمنضس الثامن 231 (1592-1605) كانت المحاولة الرابعة لإخضاع البابا غبريال الثامن 97 (1587- 1603) ولكنها لم تنجح إذ لم يروق لقداسة البابا الإسكندري وكبار أساقفته وكهنته ووجهاء الأقباط أن يبيعوا استقلالهم الديني ويصبحوا تابعين لكرسي روما (14).. وللأسف يزعم الكاثوليك أن هناك اتفاقًا قد تم وأن البابا غبريال الثامن كتب إقرارا بذلك ووقع عليه مع أساقفة الكنيسة وعدد كبير من الآباء الكهنة وأفراد الشعب القبطي (15)!!!
ثم كانت المحاولة الخامسة مع البابا مرقس الخامس 98 (1603- 1619) وأخرى سادسة مع البابا مرقس السادس 101 (1646-1656) وفشلت كل من المحاولتين..
ثم تأتي المحاولة الجديدة من بابا روما إينوشينسيوس الحادي عشر 240 (1676- 1689) مع بابا الإسكندرية يؤانس السادس عشر 103 (1676-1718) عندما قام رئيس الأرسالية الفرنسيسكانية بالصعيد الراهب فرانسوا ماريادي ساليم عام 1694م بطبع ترجمة عربية لكتاب: مجمع خلقيدونية" عن النص اللاتيني المحفوظ بمكتبة الڨاتيكان بروما، وأعلن فيه تبرئة واضحة للبابا القديس والمجاهد العظيم دوسقوروس من كل ما نسب إليه من تهم باطلة, قد قدم هذا الراهب نسخة من الكتاب لقداسة البابا يؤانس وكتب عليه إهداء شيقًا ورقيقًا، لعل غبطته يعلن الولاء لبابا روما، الذي أمر في نفس السنة بتأسيس الأرسالية اليسوعية في مصر.. ومن العجيب أن المسئولين الكاثوليك عندما فطنوا إلى وثائق هذا الكتاب الخطيرة والتي تدين البابا لاون الأول أسقف روما، جمعوا الكتاب من الآسواق والمكتبات بأثمان باهظة، وأحرقوه، ولكن هناك بعض النسخ أفلتت من أيديهم، مازالت تحتفظ بها كنيستنا القبطية، لتكون شاهدة على الافتراءات الموجهة إلى البابا ديوسقوروس، وما نسجوه من تهم باطلة من خيالهم(16).
وعندما تبوأ البابا يؤانس الثامن عشر 107 (1769- 1796) عرش القديس مار مرقس الرسول، أرسل إليه بابا روما بيوس السادس (1775- 1799) قسًا لاتينيًا يدعى برثلماوس، يحمل رسالة يدعوه فيها للإتحاد مع كنيسة روما، وخضوعه للأحبار الرومانيين،ولكن قداسة البابا يؤانس تحدث بكل وداعته المعروفة عنه، وبكل قوة الإيمان وروح الآباء العظام أثناسيوس وكيرلس وديوسقوروس، مع هذا المبعوث، وأعلمه أنه من المستحيل أن يتخلى عن عقيدته الأرثوذكسية، التي دافع عنها الآباء الأولون، أو أن يستبدل تقاليد كنيسته المجيدة بأوضاع أخري ثم طلب منه الانتظار لحين كتابة الرد المناسب على رسالة الحبر الروماني.
ثم أستدعى قداسة البابا العالم اللاهوتي العظيم أنبا يوساب الأبح أسقف أخميم وجرجا، وقدم له رسالة أسقف روما، وطلب منه أن يكتب ردًا قويًا على إدعاءات كنيسة روما، وتفنيد دعواها بالأدلة والبراهين. فقام أنبا يوساب بكتابة رد مفصل، ناقش فيه أهم القضايا الإيمانية المختلف عليها، والتي تسببت في انقسام الكنيسة الأولى في مجمع خلقيدونية، مثل طبيعة السيد المسيح بعد تجسده من الروح القدس والعذراء مريم، ومعنى الإتحاد بين الطبيعة اللاهوتية والطبيعة الناسوتية، وموضوع انبثاق الروح القدس من الآب فقط.. وغيرها من الموضوعات الهامة.. وذلك عن لسان البابا يؤانس. ثم سلم رسالته للقس برثلماوس الذي حملها إلى بابا روما، فلما أطلع عليها ووجد فيها الحجة اللاهوتية وقوة المنطق، توقف عن إرسال المبشرين للعمل بين صفوف الكنيسة القبطية. ولكنه عاد بعد فترة وتناسى كل شيء ليستأنف نشاطه من جديد,
ومن ثم طلب البابا يؤانس الثامن عشر من نيافة أنبا يوساب، أن يقوم بحمله تعليمية في الأقاليم المصرية، لتثبيت المؤمنين على الإيمان الأرثوذكسي القويم، والتمسك بالكنيسة.. فقام قداسته بهذه الجولات في أغلب الإيبارشيات وسط فرح وابتهاج أساقفة الكنيسة وشعبها، لوجود هذا الأسقف العظيم، الذي فيه روح البابا أثناسيوس الرسولي، وفكر البابا كيرلس الكبير الثاقب، وقوة البابا ديوسقوروس الغالبة (17).
هكذا تبين تلك الصور السابقة وغيرها مدى المحاولات التي قامت بها روما من أجل استقطاب الإسكندرية وتبعيتها لها. ولكن آباء كنيسة الإسكندرية خلفاء القديس العظيم مار مرقس الرسول رفضوا كل هذه المحاولات. وتمسكوا بإيمانهم، وثبتوا في أرثوذكسيتهم ولم يحيدوا عنها قيد أنملة..
ولكن هل تسكت روما؟! هل تحول روما نظرها عن الإسكندرية، وتنظر فيما يحدث بداخلها؟! هل تفقد روما رغبة السيطرة، ورغبة تواجدها في مصر حيث كرسي القديس العظيم ما مرقس الرسول؟!

مجمع الدعاية الروماني والإرسالية لمصر

6- في الحقيقة أن روما لم تهدأ أبدًا، وكانت تفكر كيف تنجح في اختراق الإسكندرية، وتحقق لنفسها التواجد الدائم المطلوب في مصر.. فكان لابد أن تكون هناك خطة محكمة كي لا تطيش أسهمها كما طاشت السهام السابقة,,, فقام بابا روما أكلمنضس الثاني عشر 146 (1730-1740) بتكوين ما يسمى "مجمع الدعاية" وهو مدرسة لاهوتية في روما يُلّقًّن فيها الطلبة وسائل الدعاية والإعلام إلى جانب الدراسات اللاهوتية.. ثم بعث بخريجي هذا المجمع إلى بلاد الصعيد المصري مثل أسيوط وأبوتيج وصدفا وأخميم وجرجا والأقصر وحتى إلى النوبة في آن واحد.. وقبل مغادرتهم روما صدرت إليهم التعليمات بالبحث عن الصبية القبط الأذكياء وإدخالهم في المدارس الكاثوليكية التي كان يقيمها الفرنسيسكان والچيزويت. تمهيدًا لإرسالهم إلى روما للدراسات العليا وقد تم تمويل هذا المشروع بأموال طائلة (18).
وبالفعل نجح المرسلون والمبشرون الكاثوليك في هذه المهمة وأنضم إلى الكنيسة الكاثوليكية عدد لا بأس به من الأقباط، مما أحدث نوع من القلق والنزاع بين العائلات والأفراد في ذلك الوقت من القرن الثامن عشر وصلت إلى حد القضاء (19). وهكذا حدث الاختراق من العمق!!!! (20)

أسقف ونائب رسولي لطائفة الأقباط الكاثوليك بمصر

7- لم تقف روما عند هذا الحد في خطة اختراقها للإسكندرية استقطاب أولادها وشبابها.. بل تجاوزت الحدود، وتجاوزت اللياقة عندما قام باب روما بندكت الرابع عشر247 (1740- 1758) في عام 1741م برسامة أول أسقف ونائب رسولي لطائفة الأقباط الكاثوليك بمصر باسم الأنبا اثناسيوس. ولكنه لم يستطع المجيء إلى مصر خوفًا من أقباط مصر الأرثوذكسيين فعين نائبًا عنه يدعى يسطس (صالح) المراغي (21). وللأسف يزعم الكاثوليك أن أثناسيوس هذا كان الأسقف القبطي في أورشليم، ثم انضم إلى روما فَعَيَّنهُ البابا نائبًا رسوليًا!!!(22).
وتوالى بعد ذلك تعيين المديرين والنواب الرسوليين لطائفة الأقباط الكاثوليك وصل عددهم إلى 18 نائبًا حتى عام 1895 م.. (23).

تأسيس الكنيسة الكاثوليكية في مصر

8- وجاءت الخطوة الجريئة من روما من أجل تواجدها واستقرارها في مصر، وهذه الخطوة تعتبر اخطر ما فعله بابوات كرسي روما على مدى العصور السابقة من لاون الأول وخلقيدونية، إلى لاون الثالث عسر 256 (1878-1903) الذي عمل بقراره البابوي وإجراءاته على تأسيس الكنيسة الكاثوليكية في مصر وتكوينها كمؤسسة ثابتة. بقيام بطريكية الأقباط الكاثوليك وتأسيس أول إيبارشيتين كاثوليكيتين في المنيا والأقصر..
والقصة تبدأ كما هو معروف أن المعلم غالي سرجيوس أحد المباشرين الكبار في عهد حكم محمد على (1805-1848) والذي انضم مع أسرته إلى الكنيسة الكاثوليكية وتبعة روما (24).. قد طلب من البابا بيوس السابع 251 (1800-1823) بضرورة تعيين بطريرك للأقباط الكاثوليك في مصر.. فاستجاب بابا روما لطلبه -رغم موت المعلم غالي مقتولاُ عام 1822م- بتعيين النائب الرسولي مكسيموس جويد (1824-1831) بطريركًا للكنيسة في مصر. ولكن هذا التعيين لم يتم؟!! (25)



ثم جاءت خطوة البابا لاون الثالث عشر بقراره الصادر من 26 نوفمبر عام 1895 م. بتأسيس البطريركية الكاثوليكية بالقاهرة وتعيين الأنبا كيرلس مقار أسقفًا ونائبًا رسوليًا لها. وصار لقبه "أسقف قيصرية فيلبس والنائب الرسولي على الكنيسة المرقسية بالإسكندرية.. وتتبعه إيبارشية المنيا ومقرها المنيا، وإيباشية الأقصر ومقرها طهطا.. وبعد عدة شهور تم في مايو عام 1896م سيامة أول أسقفين للإيبارشيتين هما الأنبا مكسيموس صيدفاوي (1896-1925) للمنيا، والأنبا أغناطيوس برزى (1896-1925) للأقصر (26)..
وفي 19 يونيو عام 1899م عين البابا لاون الثالث عشر الأنبا كيرلس مقار بطريركًا لكرسي الإسكندرية. وتم تجليسه في 31 يوليو من نفس العام. ليكون أول بطاركة الأقباط الكاثوليك.. واعترفت به الحكومة المصرية في يناير عام 1900م رسميًا بعد أن تخلي بعد أن تخلى عن الحماية النمساوية المجرية لطائفته، أسوة بالبابا كيرلس الخامس بطريرك الأقباط الأرثوذكس 112 (1874-1829) (27).
وهكذا بدأت الكنيسة الكاثوليكية الرسمية في مصر مع بداية القرن العشرين.. بينما كان تواجد الكاثوليك قبل هذا التاريخ هو مجرد تواجد لطائفة أجنبية تحت الحماية الأجنبية وفي ظل التبعية لكرسي روما (28).. وكان عددهم وقتئذ نحو 6 آلاف قبطي كاثوليكي (29).
ولكن نعود ونتساءل.. ما علاقة هذا النائب الرسولي أو البطريرك فيما بعد بالكنيسة المرقسية مار مرقس الرسول وكرسي الإسكندرية؟! هل يتبع هذا الرجل وطائفته إيمان مار مرقس الرسول وخلفاء مار مرقس البابوات أثناسيوس الرسولي وكيرلس الكبير وديوسقوروس؟َ!! في حين أنه وطائفته من أتباع كرسي روما أو كرسي بطرس الرسول كما يزعمون،وحتى لو أخذنا بهذا الرأي، فهل هو وطائفته على إيمان القديس بطرس الرسول..؟!! أنه وطائفته من المصريين التبع لكرسي روما ولإيمان روما الجديد الذي أخذ به لاون الأول منذ عام 440م, ولا علاقة بهم على الإطلاق بمار مرقس الرسول مؤسس كرسي الإسكندرية العظيم...
وعمومًا.. إستعاد البطريرك كيرلس مقار ذاكرته الأرثوذكسية من جديد، وواجه مسألة سلطان وعصمة بابا روما واصطدم بها، فاستدعاه بابا روما بيوس العاشر 257 (1903-1914) إلى روما في مايو 1908م. وقد استقالته. ويُذكر أنه عاش سنوات الأخيرة في لبنان. ألف خلالها كتابه المشهور "الوضع الإلهي في تأسيس الكنيسة" الذي يكشف فيه كل الحقائق والأسرار بخصوص كنيسة روما وتأسيسها وسلطانها.. وقد ترجم هذا الكتاب العلامة الأسقف إيسوذورس أسقف دير البراموس (1897-1942) (30), وأخيرًا توفى في عام 1921م.

إيبارشيات كاثوليكية في مصر

9- منذ استقالة الأنبا كيرلس مقار عام 1908م، لم تٌقدم روما على تعيين بطاركة آخرين حتى عام 1947م، عندما قام البابا بيوس الثاني عشر 260 (1939-1958) بتعيين الأنبا مرقس خزام بطريركًا (1947-1958).. وإثر وفاته اختير الأنبا أسطفانوس الأول (1958-1986) ليكون البطريرك الثالث للأقباط الكاثوليك في عهد بابا روما يوحنا الثالث والعشرين 261 (1958-1962)..
وبعد أن قدم البطريرك أسطفانوس الأول استقالته لمرضه وتقدمه في السن عام 1986م اختير البطريرك الحالي الأنبا أسطفانوس الثاني ليكون البطريرك الرابع..
من ناحية أخرى تأسست إيبارشيات جديدة للأقباط الكاثوليك بعد المنيا والأقصر. وهي (31): إيبارشية أسيوط (1947م) وإيبارشية سوهاج (1982م) - إيبارشية الإسماعيلية (1983م).

كنائس كاثوليكية في مصر لغير أقباط

10- الكاثوليك في مصر ليس هم الأقباط فقط، ولكن هناك طوائف أخرى ببطركيات أخرى وجميعها تتبع بابا روما وهي (32):
- كنيسة الروم الكاثوليك.. وتتبع البطريك الحالي مكسيموس الخامس حكيم (1967 م.).
- كنيسة الموارنة الكاثوليك.. وتتبع البطريرك الحالي مار نصر الله بطرس صفير ومقره لبنان.
- كنيسة الأرمن الكاثوليك.. تتبع البطريرك الحالي نرسيس بدروسيان (1982 م.) ومقره لبنان.
- كنيسة السريان الكاثوليك.. تتبع البطريرك الحالي مار أغناطيوس موسى (1995 م.) ومقره لبنان.
- كنيسة الكلدان الكاثوليك.. تتبع البطريرك الحالي مار روفائيل بداويد ومقره العراق.
هذا هو تواجد روما في مصر. وهذا هو تواجد روما في مصر. وهذا هو دور بابا روما مع الإسكندرية كرسي القديس مار مرقس الرسول.. فهل من جديد؟(33).
_____
الحواشي والمراجع:
(1) راجع كتابنا: الكنيسة تواجه الهراطقة ج4 عصر البابا ديسقوروس [تحت الإعداد والطبع].
(2) القس منسي يوحنا: تاريخ الكنيسة القبطية.
(3) إيريس صليب المصري: قصة الكنيسة القبطية ج2.
(4) البابا شنوده الثالث: ناظر الإله مرقس الرسول.
(5) راجع كتابنا: قراءة في حياة أبونا البراموسي المتوحد.
(6) الأب لويس برسوم الفرنسيسكاني: سيرة القديس فرنسيس الأسيزي.
+ أديب نجيب سلامة: الكنيسة الكاثوليكية في مصر.
(7) مجموعة من المؤلفين: دليل إلى قراءة تاريخ الكنيسة. ج2 الكنائس الشرقية الكاثوليكية.
+ مركز الدراسات السياسية والاستراتيچية بالأهرام: تقرير الحالة الدينية في مصر 1995م.
(8) أديب نجيب: المرجع السابق.
(9) راجع كتابنا: الكنيسة تواجه الهراطقة ج2 عصر البابا أثناسيوس الرسولي.
(10) د. زاهر رياض: تاريخ أثيوبيا.
(11) مجموعة من المؤلفين: المرجع السابق. مقال مساعي الإتحاد بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
(12) كامل صالح نخله: سلسلة تاريخ البابوات بطاركة الكرسي الإسكندري الحلقة الرابعة.
(13) كامل صالح نخله: المرجع السابق.
+ الأنبا أندراوس غطاس مطران الأقصر وسوهاج للأقباط الكاثوليك [حاليًا البطريرك أسطفانوس الثاني]: مقال بعنوان "مآسي الإنشقاق ومساعي الإتحاد". بمجلة صديق الكاهن عام 1971م العدد 4.
(14) كامل صالح نخله: المرجع السابق.
+ إيريس حبيب المصري: قصة الكنيسة القبطية الجزء السابع.
(15) الأنبا أندراوس غطاس: المرجع السابق.
(16) راجع كتابنا: القديس أنبا يوساب الأبح.
(17) راجع كتابنا: المرجع السابق.
(18) إيريس حبيب المصري: المرجع السابق.
(19) كامل صالح نخله: المرجع السابق. الحلقة الخامسة.
(20) للأسف ما زالت المدارس التي بها الراهبات الكاثوليك حتى اليوم تعمل على التأثير الكاثوليكي على أبناء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الذين يتلقون التعليم فيها وعندي الشواهد كثيرة على ذلك!!!
(21) المرجعان السابقان.
(22) مجموعة من المؤلفين: المرجع السابق. مقال سيرة الكنيسة القبطية الكاثوليكية مع النواب والمديرين الرسوليين للبطريرك أسطفانوس الثاني.
(23) المرجع السابق.
+ الأنبا يوحنا كابس: لمحات تاريخية عن النواب الرسوليين لطائفة الأقباط الكاثوليك في القرن التاسع عشر.
+ أديب نجيب: المرجع السابق.
(24) يتهم المؤرخون الأقباط المعلم غالي بخيانة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بانضمامه إلى الكاثوليكية، وطلبه الذي به بدأت الكنيسة الكاثوليكية في مصر. ولكن الكاثوليك تختلف رؤيتهم ورواياتهم عنه. وخاصة الدراسة التي قدمها الأنبا يوحنا كابس في العدد الثاني من مجلة صديق الكاهن عام 1976.
(25) أديت نجيب: المرجع السابق.
(26) الأنبا يوحنا كابس: الأنبا كيرلس مقار.
(27) المرجع السابق.
(28) مجلة المشرق: مقال الكنيسة القبطية الكاثوليكية في مئويتها الأولى. الهوية والرسالة للآب موريس بيارمارتان اليسوعي. العدد 2 يوليو 1998م.
(29) أديب نجيب: المرجع السابق.
(30) للأسقف إيسوذورس المواقف الإيجابية في الدفاع عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مواجهة الباباوين والأقباط التبع، ومنهم كيرلس مقار قبل وجوعه لأرثوذكسيته.. راجع كتابنا: في الدفاع عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ج1.
(31) المرجع السابق.
(32) المرجع السابق.
(33) سوف تٌعد بإذن الله دراسة تاريخية وثائقية بالتفصيل عن العلاقة بين كرسي الإسكندرية وكرسي روما في هذه المرحلة الهامة من تاريخ الكنيستين.