التصادم بين الطوائف والكنيسة القبطية
في أيام البابا كيرلس الخامس بدأت مرحلة مُرَّة من التصادم، حيث بدأ الكهنة الأرثوذكس الشعور بالغيرة على أولادهم الذين يتركون الكنيسة القبطية ويذهبون إلى كنائس الطوائف الأخرى لمجرد أنه يوجد بها ترتيلة أو عِظة حلوة، ولكن في المقابل لا يوجد لدى هذه الكنائس كهنوت، أو اعتراف.. فبدأ الكهنة الأقباط ينتهرون ويحرمون كل ابن من أبناء الكنيسة القبطية يذهَب إلى كنائس الطوائف الأخرى. وكان هؤلاء الأبناء يدافعون عن تصرفهم بأنهم في كنائس الطوائف الأخرى يستمتعون بالترانيم الروحية الجميلة ويفهمونها لأنها باللغة العربية، فلا يكون رد الكاهن القبطي إلا بكلمة "محروم"! فبدأ التصادم.. وللأسف لم تكن الكنيسة في ذلك الوقت قوية بالدرجة الكافية لكي تستوعب أبنائها؛ فلم يكن هذا التصادم لصالحنا، حيث ترك البعض الكنيسة القبطية لأن هناك خدمات تقدمها الكنيسة الكاثوليكية غير موجودة في الكنيسة القبطية، وهناك وعظ وترتيل تقدمه الكنيسة الإنجيلية غير موجود في الكنيسة القبطية. كان بعض هؤلاء الأقباط الذين اتجهوا للطوائف الأخرى لديهم شعور داخلي أن هناك شيئًا ما في كنيسته القبطية يفتقده في كنائس الطوائف الأخرى فكانوا يشعرون بالخوف وهذا الخوف جعلهم يتمسكون بثلاث أشياء في الكنيسة القبطية: المعمودية – المناولة قبل الموت – الجنازة. فيقول: "أتعمد ارثوذكس – قبل ما أموت أتناول أرثوذكس – ولما أموت يصلوا عليًّ أرثوذكس"!



ظهور الأستاذ/ حبيب جرجس المعروف بغيرته الشديدة على الكنيسة الأرثوذكسية

خلال مرحلة التصادم هذه لم تقم الكنيسة القبطية بأي دور سوى مهاجمة الطوائف الأخرى وحِرْمان كل مَنْ يذهب إليها، إلى أن أراد الرب وظهر في الكنيسة القبطية إنسان مهم جدًا هو "الأستاذ/ حبيب جرجس". وكان إنسانًا غيورًا جدًا على الكنيسة، فبدأ ينظم الأشعار الكنسية (كتابة ترانيم)، ومنها الترنيمة التي نعرفها جميعًا ونحفظها "كنيستي القبطية كنيسة الإله"، وواضح جدًا من الترنيمة إنها ترنيمة انتمائية،ويتضح ذلك من كلماتها التي تحكي عن مارمرقس والشهداء: كَم قُتِلوا، كَمْ حُرِقوا، كَمْ أُلْقُوا في النيران، آبائنا الكِرام، لم يثنهم عذاب أو شدة ونار، بل قالوا بافتخار للخلف لا رجوع.. إلخ. كلام يجعلنا نشعر بتاريخ الكنيسة وانتمائنا للكنيسة. كما بدأ الأستاذ/ حبيب جرجس يتصادم مع الطوائف الأخرى، حيث بدأ بكتابة بعض الكتب التي تفضح الخلل العقيدي والخلل الإيماني الموجود لديهم. فكتب كتاب مشهور جدًا وهو كتاب "الصخرة الأرثوذكسية"، والذي يمتلك هذا الكتاب ويقرأه يجد فيه أسلوب هجومي، لأنه كتبه في مرحلة الصراع. فعندما تزايدت أعداد البروتستانت وصل هذا الصراع إلى أنهم هجموا على مطرانية أسيوط وخلعوا كل أيقوناتها وحرقوها وسط الكنيسة! أترون إلى أي درجة وصل العنف والتصادم؟!
أنا هنا أتكلم عن عصر التصادم، فحبيب جرجس لم يفعل مثل الكهنة الذين حَرَموا كل مَنْ ذهب للطوائف الأخرى، لكنه عَمِل عملًا إيجابيًا حقيقيًا. كان القديس حبيب جرجس هو أول من أقام مدارس الأحد بالكنيسة القبطية، وذلك عندما وجد أن أبناء الكنيسة القبطية يذهبون للطوائف الأخرى لحضور ما يُسَمَّى “Sunday School” - “English Mission” - American Mission. ولا يخفى على حضراتكم أن كهنة الجيل القديم الذين كانوا يرعون الكنيسة في أوائل القرن العشرين وحتى سنة 1930 أو 1935 مثلًا كانوا يقاومون مدارس الأحد على أساس أنها بدعة بروتستانتية وكثيرًا ما طردوا البعض بسبب هذا الموضوع. ويحكي لنا نيافة الأنبا باخوميوس مطران البحيرة أنه لما كان تلميذ في مدارس الأحد كثيرًا ما وجد الكنيسة مغلقة، وكانوا يأخذون دروس مدارس الأحد على سلالم الكنيسة لأن أبونا كان يمنع أولاد مدارس الأحد أن يدخلوا الكنيسة!
وقد كتب حبيب جرجس كتابين هامين جدًا وهما: "الصخرة الأرثوذكسية" والكتاب الثاني يُسمَّى: "أسرار الكنيسة السبع". والذي يقرأ هذين الكتابين يجد أن هدفهما ليس فقط تثبيت العقيدة الأرثوذكسية وإنما أيضًا الرد على الطوائف الأخرى. وخصوصًا كتاب "الصخرة الأرثوذكسية" فهو كتاب قوي يبادلهم الحجة بالحجة وبطريقة تتسم بالشدة.
شكرًا للرب أنه بعد ذلك بدأت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عصر آبائنا الذين ذهبوا من كنيسة الأنبا أنطونيوس شبرا إلى الدير ليترهبنوا، وبدأ دخول فكر جديد في الكنيسة القبطية، حيث بدأت الكنيسة تحتضن مدارس الأحد وبدأت مدارس الأحد تكبر وتكبر وتكبر. وبدأت الكنيسة القبطية تواجه حربًا جديدة وهي "اللاطائفية".
تكلمنا فيما سبق عن كيفية دخول الطوائف الأخرى مصر في العصر الحديث، ثم تكلمنا عن فترة التصادم التي حدثت بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والطوائف الأخرى وحتى الدور الذي قام به الأستاذ/ حبيب جرجس، وسنتكلم فيما يلي عن اللاطائفية وتعريفها.