ما تمتاز به الكنيسة القبطية

فى الواقع إن كنيستنا القبطية امتازت عن كل كنائس العالم بميزات يثبتها الكتاب المقدس كما يثبتها التاريخ وسنتقدم هذا كله من حيث الواقع الملموس .

نبؤة عنها :

ان كنيسة مصر هى الكنيسة الوحيدة من بين كل كنائس الأمم التى وردت نبؤة عن تأسيسها فى العهد القديم .
وقد ورد ذلك فى الأصحاح التاسع عشر من سفر أشعياء النبى حيث قال الوحى الإلهى عن تأسيس كنيستنا : " فى ذلك اليوم يكون مذبح للرب فى وسط أرض مصر وعمود للرب عند تخمها ، فيكون علامة وشهادة لرب الجنود فى أرض مصر : فيعُرف الرب فى مصر وييعرف المصريون الرب فى ذلك اليوم ويقدمون ذبيحة وتقدمة " ( أش 19 : 19 – 21 )

هذا المذبح ليس هو مذبحاً وثنياً ، لأنه مذبح للرب ولا هو مذبح يهودى لأن اليهود لا يذبحون خارج أورشليم .
هو إذن المذبح المسيحى الذى قدم المصريون عليه ذبيحة للرب حينما عرفوا الرب وعُرف الرب منهم .. وهو علامة وشهادة لرب الجنود بنبؤة فى أشعياء النبى .
ولولا أهمية هذا المذبح ما وردت عنه نبؤة .
إن البروتستانت ينكرون المذبح عموماً فى عقيدتهم ولكن ما أكثر النصوص الكتابية عن وجود المذبح فى المسيحية ... ومع ذلك إن لم يوجد مذبح فى أى بلد مسيحى فعلى الأقل يذكر الكتاب أنه يوجد مذبح للرب فى أرض مصر حسبما تنبأ اشعياء ...
وقد بارك الرب مصر لهذا السبب .
فأختتم هذا الأصحاح من سفر أشعياء يقول الرب " مبارك شعبى مصر " ( أش 19 : 25) .
* ما أجمل عبارة " شعبى " هنا فنرد بها على اليهود الذين يدعون أنهم وحدهم شعب الله بينما " يبارك رب الجنود قائلاً : مبارك شعبى مصر ... "
وبالطبع لا يبارك الرب شعب مصر فى وثنيته وإنما فى إيمانه . فهنا يبارك الرب كنيسته فى مصر . الكنيسة القبطية ونختم هذا الجزء فنقول : لم تقتصر النبؤة على تأسيس كنيسة مصر ، وأنما شملت أيضا مباركة الرب لها .

2_ زيارة العائلة المقدسة لأرض مصر

البلد الوحيد الذى زاره المسيح – غير موطن مولده – هو أرض مصر فى اليوم الرابع والعشرين من شهر بشنس المبارك.
ولابد للرب حكمة فى هذا ، وهدف روحى ... وقد كانت هناك بلاد أخرى مجاورة وفى نفس القارة ولكن الرب اختار مصر بالذات ،هذه التى أراد أن يكون له مذبح فيها فيكون علامة وشهادة لرب الجنود .
وقد سجل انجيل متى حقيقة هذه الزيارة . وحدث هذا ، بناء على أمر إلهى ، وبواسطة ملاك الرب الذى ظهر ليوسف فى حلم ، وأمره أن يأخذ الطفل يسوع ويذهب إلى مصر ، ويبقى هناك حتى يقول له الرب ( مت 2 : 13 )
وبقى هناك حتى موت هيرودس ، ورجع لتتم النبؤة :
" من مصر دعوت إبنى " ( مت 2 : 15 ).

بل أن مجىء الرب إلى مصر ، وردت نبؤة فى سفر أشعياء النبى فى نفس الاصحاح الذى بدأ بعبارة : " وحى من جهة مصر : هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر " ( أش 19 : 1 ).

ويذكر الوحى الإلهى بعد ذلك زوال الوثنية من مصر ، فيقول بعد ذلك مباشراً " فترتجف أوثان مصر من وجهه ، ويذوب قلب مصر داخلها " ... وقد حدث هذا حرفياً ففى أثناء هذه الزيارة المقدسة ، كان الرب كلما يدخل بلد ، تسقط أوثانه فيطردون العائلة المقدسة فتنتقل إلى بلد آخر . وهكذا قدست أماكن كثيرة فى مصر .
وكان مع الرب فى مصر القديسة العذراء مريم والقديس يوسف النجار وسالومى القابلة ( أى الداية) .
أية بلد زارته العذراء غير مصر ؟! زيارة ذكرها الكتاب ، وتحدث التاريخ عن الاماكن التى زارتها العائلة المقدسة والتى فى مواضعها بنيت كنائس فيما بعد يأتى إليها السائحون من أقاصى الأرض لزيارتها .

هل تستطيع كنيسة أخرى أن تفخر بهذا الذى تفخر به كنيسة مصر ؟!

نقول لعل العذراء قد أشتاقت إلى أرض مصر مرة أخرى ، فظهرت على قباب كنيسة الزيتون عام 1968 م ، فقد أراد الله استمرار نبؤة اشعياء ، أو تذكرة الناس بها فيعود يقول عبارته المحببة إلى نفوسنا " مبارك شعبى مصر ، من مصر دعوت ابنى " ...

3 – تأسيس أول مدرسة لاهوتية

أول مدرسة لاهوتية فى العالم كانت مدرسة الاسكندرية التى أسسها القديس مارمرقس . كان ذلك فى منتصف القرن الأول الميلادى لكى تقف ضد مدرسة الاسكندرية الفلسفية الوثنية ، التى كانت لها شهرة عريضة هى ومكتبتها المعروفة . تلك المكتبة التى كانت تحوى أكثر من ثلاثمائة ألف مخطوط ...

وفى تلك المكتبة تمت ترجمة العهد القديم إلى اليونانية ، الترجمة المعروفة بأسم السبعينية .
وهكذا قدمت مصر إلى العالم الذى انتشرت فيه الثقافة اليونانية أول ترجمة يونانية للعهد القديم ، تحمل كل ما فيه من نبؤات ورموز .

ومدرسة الاسكندرية اللاهوتية قدمت للعالم المسيحى مجموعة كبيرة من العلماء ومجموعة أكبر من أقوال الآباء ... ونذكر من بين علمائها القديس بنتينوس وأكليمنضس الاسكندرى وأوريجانوس والقديس ديونسيوس ( البابا الرابع عشر من بطاركة الاسكندرية ) والقديس ديديموس الضرير أول من أخترع الكتابة على البارز قبل برايل بخمسة عشر قرناً من الزمان وكان مديراً للكلية اللاهوتية فى عهد القديس أثناسيوس الرسولى .
ولعظمة هذه المدرسة اللاهوتية أشتهر آباء الاسكندرية بالنبوغ العجيب فى العلوم اللاهوتية وفى الجدل اللاهوتى .

4- كنيستنا القبطية هى أم الرهبنة فى العالم

أول راهب فى العالم هو القديس الانبا أنطونيوس الكبير وهو قبطى من صعيد مصر . ولد عام 251 م وتنيح عام 305 م وتتلمذ على يديه كل آباء الرهبنة الأول . وقد كتب سيرته القديس البابا أثناسيوس فى كتابه المعروف باسم " حياة أنطونيوس " وأرسله إلى روما فكان سبب لأنتشار الرهبنة فيها وكان سبباً لأهتداء القديس أوغسطينوس وعٌرف القديس أنطونيوس بأنه " أبو جميع الرهبان " كل رهبان العالم من أولاده يدينون له بالأبوة وقيادة هذا الطريق النسكى منذ عام 305م.

أول أب أسس الأديرة فى العالم هو القديس الأنبا باخوميوس منذ عام 315 م وهو أول من وضع القوانيين الرهبنية وقد نقلها يوحنا كاسيان إلى فرنسا وعلى أساسها وضعت قوانيين الأديرة البندكتية الكاثوليكية وقد انتفع بها أيضا القديس باسيليوس الكبير فى وضع قوانينه الرهبانية .

ونحب هنا أن نورد حقيقة تاريخية وروحية هامة وهى : " إن رهبان مصر الأول عاشوا الرهبنة ولم يكتبوا عنها ، فكتب سيرهم وأقوالهم السائحون الذين زاروهم " ولعل من أهم القديس بلاديوس الذى وضع كتابه المشهور الذى ترجم فيما بعد باسم “ Paradise of The Fathers “ وترجم إلى العربية باسم بستان الرهبان وكان له تأثيره الكبير فى نقل قصص هؤلاء الرهبان الأقباط وسيرهم الملائكية إلى أقطار العالم فأشتاق الكل لرؤيتهم ...
وبعد ذلك كتب روفينوس عن آباء الصحراء وكتب يوحنا كاسيان كتابيه المشهورين ( المعاهد والمقابلات ) فشرح الحياة الرهبانية فى حياة رهبان مصر وسجل لقاءه مع الكثير من الآباء ونقاشه معهم فى موضوعات روحية متعددة .

وكتب القديس جيروم سير بعض الآباء الأقباط مثل القديس الأنبا بولا السائح والقديس يوحنا الاسيوطى وآخرين وبواسطة كل هذه الكتابات انتشرت الحياة الرهبانية فى العالم وتتلمذ كثيرين من الآباء على الرهبان الاقباط فى مصر : من بين هؤلاء الأميران مكسيموس ودوماديوس إبنى الإمبراطور فالنتينوس والقديس أرسانيوس معلم أولاد الملوك والأميرة إيلارية أبنة الملك زينون وغيرهم كثيرون ...

كذلك تتلمذ على القديس الانبا أنطونيوس القديس إيلاريون الذى نشر الرهبنة فى فلسطين ، وتتلمذ على الآباء الأقباط القديس أوكين الذى نشر الرهبنة فى العراق وزار أديرة مصر القديس مار أفرام السريانى وتتلمذ فى برية شيهيت أيضا القديس مارأوغريس من بلاد البنطس .
من كل هذا نستطيع أن نسجل حقيقة تاريخية هامة وهى : " إن رأيت راهباً فى العالم تستطيع أن تقول له : لابد أن لك فى الرهبنة أصلاً قبطياً "


5- أبطال الإيمان الأول

كنيستنا هى كنيسة أبطال فى الإيمان
قانون الإيمان المسيحى الذى وضعه مجمع نيقية المسكونى هو من صياغة الشماس أثناسيوس الاسكندرى . أنه القبطى العبقرى الذى دافع عن الإيمان ضد آريوس الهرطوقى وأفحمه ورد على كل أدعاءاته فحرمه المجمع المسكونى المقدس عام 325 م فكان أثناسيوس هو العقل اللاهوتى القيادى وسط 318 أسقف يمثلون كنائس العالم أجمع .
ولما صار بطريركاً وضع كتابه الشهير " ضد الأريوسية " من أربعة أجزاء رد فيه على المفهوم الخاطىء لبعض الآيات التى أحتج بها الأريوسيون .
وفى سبيل دفاع أثناسيوس عن الإيمان عقدت ضده مجامع ووقف ضده أباطره ونفى عن كرسيه أربع مرات وقيل له " العالم كله ضدك يا أثناسيوس ، فقال : " وأنا ضد العالم " ...
وبصموده حفظ لنا الإيمان وفى ذلك قال القديس جيروم : " مر وقت كاد فيه العالم أن يصبح أريوسياً ، لولا أثناسيوس "
القديس أثناسيوس بابا قبطى ، ولكنه أصبح ملكاً للعالم المسيحى كله ، أبا لجميع علماء اللاهوت .
وكتابه " تجسد الكلمة " الذى كتبه وهو شماس صغير ربما فى العشرين من عمره ، هذا الكتاب هو الأساس الوطيد لهذه العقيدة المسيحية ، يعتمد عليه كل علماء اللاهوت كمرجع قوى موثوق به كتبه معلم المسكونة : القديس أثناسيوس بطل الإيمان ...
وصمود أثناسيوس شجع باقى الآباء على الصمود للدفاع عن الإيمان ، ونذكر أن القديس إيلارى أسقف بواتيه ، لما وضع ضد الأريوسيين كتابه De Trinitate سموه لشهرته أثناسيوس الغرب فصار أثناسيوس رمزا ومثالاً .
نذكر مثالاً آخر هو البابا تيموثاوس الثانى والعشرون من بطاركة الإسكندرية هذا البابا القبطى الذى حضر مجمع القسطنطينية المسكونى عام 381 م وعندما سألوه عن بعض المسائل الكنسية فكانت كل إجابة أجاب بها اعتبرت قانوناً كنسياً للكنيسة الجامعة الرسولية .

6- الكنيسة القبطية كنيسة شهداء

حقاً إن الاستشهاد شمل كل كنائس العالم ولكن الكنيسة القبطية تميزت بأمرين أساسيين :
استشهاد شمل أحياناً مدناً بأسرها ، مثل شهداء أخميم ، وشهداء أسنا أو آلافاً مثل استشهاد الكتيبة الطيبية .
استشهاد على مدى العصور ، بينما كنائس أخرى عاشت فى سلام بعد العصر الوثنى ، أو عاشت فى سلطة جبارة .

ومن عنف الاستشهاد الرومانى فى مصر وبخاصة منذ عهد الملك دقلديانوس غيرت الكنيسة تقويمها السنوى من سنة 284 م بتقويم جديد يبدأ من تلك السنة ، عُرف باسم تقويم الشهداء .

وقاست الكنيسة استشهاداً آخر من أخوتها المسيحيين بعد الانقسام الخلقيدونى من عام 451 م حتى عام 644 م قدمت فيه عشرات الآلاف من الشهداء كما شمل الاضطهاد الآباء البطاركة الذين استولى الروم على كنائسهم ، وعينوا بدلاً منهم بطاركة ملكانيين ، أعطوهم السلطة المدنية إلى جوار السلطة الكهنوتية كما حدث بالنسبة للمقوقس الحاكم الرومانى الذى عاصر دخول العرب مصر وكان البابا بنيامين البطريرك القبطى الأرثوذكسى منفياً عن كرسيه 13 عام .
واستمر الاستشهاد وبخاصة فى عصر الحاكم بأمر الله وفى أيام المماليك والعثمانيين .


إن الكنيسة القبطية لها تاريخ مجيد مميز نستطيع أن نفخر به على مر الأزمان