أربعة أمثال ليسوع مازلنا نفهمها بطريقةٍ خاطئة
بقلم الأب جيمس مارتن اليسوعيّ
نقلتها إلى العربية حلا بصّال
قيل: "وُضع الدين ليُعزّي المتألّمين وليُحزن المُرتاحين". وهذا ما ينطبق على أمثال يسوع، فببساطتها هي قصصٌ قصيرة تحمل قيَم أخلاقيّة - لكنّها وُضعت بطريقةٍ مماثلة: لتُحزن. فهي تأسر قلوبنا بعذوبتها، ولكنّها تُقلقنا في الوقت نفسه. بالتأكيد يمكن قراءة هذه الأمثال على أنّها الحبّ الإلهيّ وسبيل خلاصنا. ولكنّها كانت رسائل تحدٍّ لِمَن رويت لهم في القرن الأوّل، يهود الجليل واليهوديّة. فقط عندما نضع أنفسنا مكان أتباع يسوع ومستمعيه، نختبر عمق هذه الأمثال، ونجد أنفسنا مندهشين أمام التحدّي الّذي تضعه أمامنا في يومنا هذا. ولبلوغ هذا الغرض، سنعرض أربعة أمثال ليسوع:
مثل الابن الضال:
يروي لنا هذا المثل قصّة أبانا الّذي يحبّنا مهما بلغت أفعالنا من حقارة، إنّها فكرة مُحبّبة لدى الجميع، ولا أريد أن أنفيها. ومع ذلك، فلم تكن هذه الفكرة ما رغب يسوع إيصاله لمستمعيه، فهم يعلمون مُسبقًا أنّ أباهم الّذي في السماوات، مُحبّ وغفور ورحوم. لكنّ لوقا يُحضّر في إنجيله لهاتين الفكرتين (التوبة والمغفرة) بالطريقة التالية: إذ استهلّ هذا المثل بمثلَين قصيرين هما: مثل الخروف الضائع، ومثل الدرهم المفقود. ويُنهيهما الإنجيليّ بحقيقة أنّه سيكون في السماء فرحٌ بخاطئ تائب أكثر من تسعة وتسعين صالحين لا يحتاجون إلى التوبة".
ولكن، أهذا بالفعل ما ترغب الأمثال أن تقوله لنا؟ لم يتكلّم المسيح عن خطيئة الخروف أو عن جشع النقود؛ فالخروف لا يشعر بالذنب والنقود لا تتوب. أكثر من ذلك، الراعي يفقد الخروف؛ والمرأة تفقد نقودها. ولكن الله لا يفقدنا بل يتفقّدنا. فالمثلَين الأوّلَيّن ليسا عن التوبة والمغفرة. بل عن العدّ: لاحظ الراعي خروفًا مفقودًا من أصل مئة، ولاحظت المرأة فلسًا مفقودًا من أصل عشرة.
بحثوا، وجدوا، فرحوا، فاحتفلوا. وبعدها نصل إلى المثل الثالث. فتبدأ قصّة الابن الضّال: "كان لرجلٍ ابنان..." إذا ركزنا على الابن الضال، سنفهم البداية بشكلٍ خاطئ. كلّ يهوديّ مثقّف في الكتاب المقدّس يعلم أنّه في حال وجود ابنان، الله يرجّح كفّة الابن الأصغر: هابيل على قايين، اسحق على اسماعيل، يعقوب على عيسو، افرايم على منسى.
ولا تسير الأمور في المثل كما نظنّ. لا يمكننا أن نعتبر الأمر مماثل مع الابن الأصغر هنا، الّذي "بذّر كل ما أخذه من أموال أبيه على حياة الفسق". وبعد ذلك إذا تأمّلنا في دهشة الأبّ وترحيبه بعودة ابنه الأصغر إلى المنزل، سنفهم بشكلٍ خاطئ الهدف من المثل مرةً أُخرى. ابتهج الأبّ ببساطة لمجرّد عودة ابنه: ابتهج وأقام وليمة، اذا توقّفنا هنا، فهذا يعني أنّنا فشلنا في العدّ. فالابن الأكبر ذكّر أباه عندما سمع صوت الموسيقى والرقص بأنّه كان يملك الوقت ليقيم احتفالاً ووليمة، ولكنّه لم يفكر بأبنه الأكبر أبدًا. هو لديه ابنان، ولكنّه لم يدخل في مسألة العدّ. مَثَلنا هذا هو أقلّ عن المغفرة وأكثر عن العدّ، والتأكّد من أنّ الجميع موجود ومعدود.
مثل السامريّ الصالح:
عادةً ما يتيه بنا فكرنا ومعلوماتنا عن الكتاب المقدّس عن الغاية الّتي ضرب يسوع من أجلها هذا المثل بالتحديد، وسنكتفي هنا باثنتين:
إمّا أن يفترض القرّاء بأنّ اللاويّ والكاهن تجاهلا الشخص الجريح كي لا يتجنّسا. لكن هذا ليس له معنى، فكلّ هذه التفسيرات تُظهر الشريعة اليهوديّة بصورةٍ سلبيّةٍ. فلم يكن الكاهن ذاهبًا صعودًا إلى أورشليم، المكان الّذي يهتمّ فيه الشخص لطهارته، بل كان نازلاً إلى أريحا. والشريعة لا تمنع اللاويّ من لمس الجثث، وهناك العديد من الأسباب الأُخرى التي تبيّن أنّ طقوس الطهارة هنا ليس لها علاقة بالموضوع. يذكر المسيح الكاهن واللاويّ ليبيّن الفئة الثالثة. أن نذكر الفئتين الأوليّتين يعني بأنّ الحديث موّجه للفئة الثالثة أيضًا، على مبدأ: "الحكي إلك يا كنّة… اسمعي يا جارة".
أو يُنظر عادةً إلى هذا المثل على أنّه قصّة الأقليّة المضطهدة: المهجّرون، الشاذّون،السامريّون. ولكنّهم ليسوا الأقليّة المضطهدة، بل الأعداء. ونحن نعلم هذا ليس فقط من المؤرّخ يوزيفوس، وإنّما من لوقا الإنجيليّ. في فصلٍ واحدٍ فقط قبل هذا المثل، نرى المسيح يعبر بمدينة السامرة، ولكنّهم رفضوا حسن ضيافته. علاوة على ذلك، السامرة كان لها اسم آخر: شكيم. في شكيم، اغتصب شيخها دينا ابنة يعقوب. وكان مركز أبيمالك القاتل.
لذا، إذا كنّا عند البئر لحظة وصول يسوع إليه، ورأينا السامريّة، فأوّل ما يتبادر في ذهنها: "سيغتصبني. سيقتلني". ثم نُدرك: أنّ عدوّنا قد يكون أوّل شخص قد ينقذنا. وأعمق من ذلك، إذا سألنا ذواتنا ببساطة " أين السامرة اليوم؟"
مثل عمال الساعة الأخيرة:
يروي لنا هذا المثل قصّة مجموعة من العمّال أتوا ليعملوا في الحقل بأوقاتٍ مختلفة من النهار، لكنّ المالك دفع لهم الأجرة ذاتها. يُقرأ هذا المثل في بعض الأحيان من نظرة مُعادية لليهود، وبالتالي فإنّ الأجير الأوّل هو "اليهوديّ" الّذي يُعيد إرسال الوثنيّ والخاطئ إلى حقل الرّب، وهذا سوء فهم آخر.
لم يستقبل مستمعي يسوع هذا المثل على أنّه توجيه للخلاص إلى الحياة الأبديّة، بل قصّة تتناول حالتهم الاقتصاديّة في وقتها. درسًا عن كيفيّة مطالبة العمّال بحقوقهم. وكيف لأصحاب الأموال والموارد أن يتيقّظوا لحالة البطالة في بلادهم. لم يطرح يسوع فكرة محاربة البطالة أو مشاركة الموارد من عدم. فالمشكلة عينها كانت منذ أيام داوود الملك. ولكن، إن كنّا لا نعلم المصادر التوراتيّة والإنجيليّة، مرةٍ أخرى سنقع في سوء فهمٍ للمثل.
مثل اللؤلؤة الثمينة:
يروي هذا المثل قصّة رجلٍ باع كلّ ما يملك للحصول على لؤلؤة ثمينة. عادةً ما يفسر المثل مجازيًا بأنّه يخبرنا عن مركزيّة الإيمان، أو الكنيسة، أو يسوع، أو الملكوت. ولكنّ هذا التفسير يتجاهل ما الذي تمثّله اللؤلؤة. لن نستطيع فهم روح السخرية الكامنة في هذا المثل من منظورنا اليوم، فالمثل أقرب للفكرة التالية: التاجر (بائع بالجملة) الّذي يبيعنا بالعادة ما لا نحتاجه بسعر لا نتحمّله… يبيع كلّ أمواله من أجل لؤلؤة، مهما علا ثمنها يبقى بخسًا بالنسبة للتاجر. لا يمكن للتاجر أن يأكل اللؤلؤة، ولا أن يجلس عليها، ولا أن تكسي عريه، لكنّه كان يؤمن أنّ هذه اللؤلؤة تُتمّم مشاريعه الاقتصاديّة (غايته من هذه الحياة).
والسؤال ماذا لو كان المثل يتحدّانا لنحسم أمرنا تُجاه لؤلؤتنا الثمينة؟ إذا كنّا نعرف طموحنا المطلق، عندها سنصبح أقل اكتنازًا. فنحن لن نكدح من أجل أشياء صغيرة. وعلاوةً على ذلك، سنصبح قادرين على محبّة جيراننا بشكلٍ أفضل، لأنّنا سنعلم ما هو الأكثر أهميّة بالنسبة لهم.
إنّ أمثال يسوع تستفّزنا، لأنّها تخبرنا بطريقةٍ ما، ما نعلمه مسبقًا بأنّه صحيح، ولكن لا نريد أن نعرفه. والسؤال الأخير: ماذا لو كنت غير مسيحيّ؟ ألا أجد معاني عميقة في هذه الأمثال؟ إذا كان الغريب تحرّكه أمثال يسوع لهذه الدرجة، فكم بالحريّ الأشخاص الذين يسبّحونه إلهًا ومخلّصًا؟