لا يعرف على وجه التحديد، بداية معرفة العراقيين بالتصوير الفوتوغرافي ولا توجد اشارات واضحة تعين الباحث على ذلك. غير انه من الواضح ان عددا من الرحالة الاجانب والدبلوماسيين الاوروبيين في الربع الاخير من القرن التاسع عشر قد التقطوا صورا مختلفة عن العراق ومواطنيه.
ولعل هؤلاء الاجانب هم الذين ادخلوا التصوير الى العراق، فتأثر بهم بعض الهواة العراقيين. ومن المهم في هذا ان الارسالية الدومنيكانية في الموصل. وهي الجماعة الدينية المسيحية التي لها اليد الطولى في النهضة الثقافية في الموصل التي سبقت مدن العراق الاخرى، بما فيها بغداد، كانت قد عرفت التصوير في هذه الفترة، وان هناك من هؤلاء الآباء من تدرب على التصوير الفوتوغرافي.
وذكر عدد من الكتاب الدومنيكان يحتفظون بـ (ألبومات) عديدة بالصور التي التقطوها في الموصل ووثقوا فيها الحياة في هذه المدينة. بل ان رائد التصوير الفوتوغرافي في العراق نعوم الصائغ، تعلم فن التصوير لدى هؤلاء الاباء.
وكان احمد عزة الفاروقي (1829-1892)، وهو سليل اسرة علمية وادبية شهيرة في الموصل (اسرة العمري) قد استهواه فن التصوير عند رحلته الى الاستانة، وادرك العملية الفيزياوية التي يجري التصوير وفقها، فألف رسالة في التصوير الشمي سماها (حسن التدبير في صناعة التصوير)، نسختها الخطية محفوظة لدى السيد ناظم العمري في الموصل. وقد ذكر في مقدمة الرسالة: لما وردت دار الخلافة حتى وقفت في بعض الايام على صناعة التصوير المسماة الفوطغرافي، فوكرت على قننها بالقوادم والخوافي، ولما احكمت اعمالها، حتى اجبت ان اشرح ذلك.. خدمة لأهل وطني من زمني.. ونود ان نذكر هنا ان احمد عزة الفاروقي، وهو ابن اخي الشاعر الكبير عبد الباقي العمري، عمل محررا للقسم العربي من جريدة الزوراء، كما تقلد مناصب ادارية رفيعة في الدولة العثمانية. ومن آثاره جمع ديوان الشاعر عبد الغفار الاخرس وسماه (الطراز الانفس).
كان العوام يسمون الصورة رسم وعكس وتصوير وغير ذلك، وذكر الشيخ جلال الحنفي البغدادي في العدد الاول من جريدته (الفتح) ليوم 28 شباط 1939، ان التصوير لم يكن معروفا قبل اكثر من خمسين سنة، وممن سعى الى ادخاله الى بغداد المصور الموصلي داود غزالة، فأتخذ له حانوتا بالقرب من جامع الخاصكي، ومنهم مصور ارمني يدعى ابكار دونتشيان وكان محله في رأس القرية بجوار بيت الجوربجي، ومنهم الحاج عبد الغني كبة. وذكر المرحوم قدري عبد الرحمن، المصور الاهلي (ت 1989) ان اباه عبد الرحمن محمد عارف، اسس اول محل للتصوير قبل سنة 1920 وان المصور محمد نورس هو اول من ادخل التصوير الكهربائي الى العراق.
ويذكر الدليل العراقي الرسمي لسنة 1936 ان صناعة التصوير اقتصرت في العهد العثماني على جماعة في بغداد، وهو قول غير صحيح بالمرة، فالتصوير عرف في الموصل قبل بغداد بسنوات طويلة.
وقد ذكرت عدة روايات عن ريادة التصوير، غير انها تتفق على ان الموصل شهدت ظهور فن التصوير في العراق. والمرجح ان (نعوم الصائغ) هو اول من ادخل التصوير كمهنة وهواية قبل غيره. غير ان المصور الكبير (حازم بك) ذكر ان جد والدته، يوسف الياس سنبل، هو الذي ادخل التصوير الفوتوغرافي الى العراق، ومما قاله حازم باك (كتب ذلك بتقرير قدمه الى المصور الراحل امري سليم في الخمسينيات من القرن الماضي) ان يوسف بن الخوري الياس بن ججو سنبل وزوجته فريدة ابنة الشماس جرجيس بن ججو خياط، ولداي عائلة (سنبل) العريقة في الموصل، وفي دارها في سوق الشعارين في شارع النبي جرجيس، وتلقى تعليما دينيا ثم درس العلوم الحديثة وانصرف الى العمل التجاري كأفراد اسرته الاخرين. وانشأ في بيته مكتبة عامرة وفيها كتب فرنسية عن التصوير الفوتوغرافي.
ويضيف حازم باك ان يوسف الياس سنبل احتفظ من (دار لوميرفي في باريس) بصور سالبة (نيكتف) زجاجية وجيلاتينية بعد سنة 1889 او قبل ذلك، وورقا فوتوغرافيا من (دار ماريون) التي اندثرت فيما بعد، واشتهر امره حتى اصبح يعرف (يوسف سنبل فوطغرافي الشمسي في الموصل)، وذاع صيته لدى الطبقة الاجتماعية الاولى اضافة الى الدوائر الحكومية في ولاية الموصل. وكان سنبل يحسن الطباعة بالألوان المتباينة ويستخدم في ذلك مركبات الذهب وغيرها. ولم يقتصر فنه على ضوء الشمس، بل استفاد من ضوء شعلة المغنيسيوم في اعماله، فهو اول من استخدم تلك المواد في اعماله. وتطور عمله الى تسويق الافلام واوراق الطباعة سنة 1922. ويضم ارشيفه صورا كثيرة لابناء الموصل وغيرها، مما تعد ثروة وثائقية مهمة.