بغداد- غيداء البياتي
لا تجلس سمر الا وهي تضع ساقا فوق ساق، ولا تتحدث إلا بطريقة ذكورية تتناقض تماما مع تكوينها الجسدي، على الرغم من انها فتاة في الثامنة عشرة من عمرها، وتتمتع بجمال جذاب، لكنها مع هذا ترتدي زيا أقرب إلى زي الرجال. تعلن سمر رغبتها بالذهاب الى بيت جدها على دراجة اخيها الهوائية، فهي لطالما شاركته في اشيائه حتى انها تقلد طريقة أكله وترتدي بعض الاحيان ملابسه، على حد قول والدتها وتضيف:
« ان ابنتي تشعرني بقلق مستمر فهي تقلد الرجال في سيرهم وجلوسهم وبزيهم،
حتى انها ذات يوم حملت عصا
كبيرة وخرجت لضرب احد المتشاجرين
مع ابن خالتها ما عرض العائلة
للاحراج}.
تعشق ألعاب الأولاد
بينما حاولت ام مريم مرارا في ان تجعل ابنتها الوحيدة من بين اربعة اولاد متميزة بأنوثتها لكن دون جدوى، فمريم البالغة من العمر تسعة عشر عاما، لا تحب اللون الوردي والشعر الطويل وارتداء الفساتين كباقي الفتيات، على حد قول والدتها وتضيف: «ابنتي منذ صغر سنها ترغب في اللعب مع اخوتها وزملائهم فهي تعشق ركوب الدراجة الهوائية وألعاب الاولاد مثل المصارعة، وكرة القدم،
واصطدام السيارات، حتى يومها هذا تتصرف بخشونة وترتدي الألوان الداكنة ، كما تكثر من ارتدائها لبنطلون الجينز، حتى انها تشارك اخوتها في ملابسهم بعض الاحيان، ام مريم تتعرض
للانتقاد من قبل اقربائها ، كونهم يوجهون اصابع الاتهام نحوها لسوء تربيتها وعدم معرفتها في التعامل مع الفتاة .
رياضة الكونفو
نهال علي تبلغ من العمر تسعة عشر عاما، لم تترك لي فرصة للحيرة او السؤال عندما دخلت الى حمامات احد المولات واخرجت علبة السجائر من حقيبتها الصغيرة، وسحبت باصابعها الناعمة سجارة ، ودون استئذان من احد اشعلتها واخذت تدخن بينما تنظر الي بحدة لكوني استغربت من تصرفها، وللمجاملة ابتسمت بوجهها، ما فتح مجال الحديث بيننا، فقالت نهال بنبرة واثقة: انا ادخن منذ سنتين واشعر برغبة كبيرة في ان اجلس بأحد المقاهي واطلب الاركيلة، كما اتمنى لو اني خلقت ذكرا واكره اهلي حينما يعاملونني كفتاة .
تؤكد نهال ان لديها ميولا ذكورية فهي تعشق غسل السيارات كما انها متابعة جيدة لجميع منتخبات كرة القدم، وتمارس رياضة الكونفو في احد النوادي حيث تقول: نظرا لسوء تعامل الشباب في الشارع مع الفتيات قررت ان اتدرب على الكراتيه والكونفو لادافع عن نفسي ضد المتحرشين، ولا اكترث لاحد طالما اقتنع بتصرفاتي.
ظروف المجتمع
الدكتورة في علم الاجتماع بكلية الاداب فوزية العطية تؤكد، رغبة الفتاة في ان تصبح ذكرا سببه التنشئة الاسرية التي تتم من خلال الابوين ، فمثلا كثرة اهتمام الوالدين بأخيها الذكر اكثر منها يجعلها تقلده، فتقوم بارتداء ملابسه واللعب بألعابه وقد تستمر هذه الحالة الى فترة المراهقة ما يجعل الفتاة ترغب في ان تكون ذكرا كي تجذب اليها الانظار ، وفي بعض الاحيان يلعب المجتمع والظروف المحيطة بالفتاة دورا كبيرا في جعلها تأخذ دور الرجل، كما يحدث لنا الان من قسوة وعنف ضد المرأة، فالتي تفقد والدها او اخاها او زوجها بسبب اعمال العنف، مؤكدا انها ستعتمد على ذاتها لاكمال مسيرة الحياة لذا تتحول من فتاة رقيقة هادئة الى رجل كادح شجاع بشكل وجسد انثوي.
للحد من هذه الظاهرة تقول عطية: «يجب على الوالدين الاهتمام بأولادهم دون تمييز بين الذكر والانثى ، كما ان عليهما ان يركزا على التثقيف الصحي والتوعية بأمور الحياة ، والتعامل مع الفتاة برقة وحنان اكثر من الذكر ، ايضا قبول وجود البنت في الأسرة كإنسانة لها حقوق وواجبات وعدم إجبارها على أن تكون مسترجلة في الملبس والكلام بدعوى حمايتها من الأولاد، وتعريفها بعادات وتقاليد مجتمعها والاهم منه الوعي التربوي والديني لقبول فطرة الله التي فطر الناس عليها وتهيئة العقل لقبول الصورة التي أرادها الله لها، كما ان التربية المدرسية تلعب دورا كبيرا في توعية الطالبات وتنشأتهن ، فعلى ادارات المدارس والكادر التدريسي الاهتمام بهذا الجانب، ذلك من خلال اقامة الندوات التي تعرف الفتيات بمهامهن ودورهن في الاسرة، ايضا توعيتهن بعادات وتقاليد المجتمع الذي ينتمين اليه ، وتحبيب الفتاة بزيها المحتشم، كونها تمثل نصف المجتمع وان اصلاحه يكون
باصلاحها .