قد ظهر ممّا ذكرنا أن الدنيا حظ نفسك العاجل الذي لا حاجة إليه لامر الآخرة ، ويعبّر عنه بالهوى وإليه أشار قوله تعالى : «ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى»ومجامع الهوى خمسة امور وهي ما جمعه الله عز وجل في قوله «إنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والاولاد» والاعيان التي منها تحصل هذه الامور الخمسة سبعة يجمعها قوله تعالى : «زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضّة والخيل المسومة والانعام والحرث ذلك متاع الحيوة الدنيا والله عنده حسن المآب» فهذه هي أعيان الدنيا إلا أن لها مع العبد علاقتين : علاقة مع القلب وهو حبه لها وحظه منها وانصراف همّه إليها حتى يصير قلبه كالعبد أو المحب المستهتر، ويدخل في هذه العلاقة جميع صفات القلب المتعلقة بالدنيا كالكبر والغل والحسد والرياء والسمعة وسوء الظن والمداهنة وحب الثناء وحب التكاثر والتفاخر ، فهذه هي الدنيا الباطنة .
وأما الظاهرة فهي الأعيان المذكورة والعلاقة الثانية مع البدن وهو اشتغاله باصلاح هذه الأعيان لتصلح لحظوظه وحظوظ غيره وهي جملة الصناعات والحرف التي الخلق مشغولون بها بحيث نسوا أنفسهم ومالهم ومنقلبهم ولو عرفوا سبب الحاجة إليها واقتصروا عليها لم يستغرقهم أشغال الدنيا ، وإنما استغرقهم لجهلهم بالدنيا وحكمتها وحظوظهم منها وتتابعت الاشتغال واتصل بعضها ببعض وتداعت إلى غير نهاية محدودة فتاهوا في كثرة الاشغال ونسوا مقصودها ، وكل ما ورد في ذم الدنيا يرجع إلى هذا .