ميكيلانجيلو بوناروتي (بالإيطالية: Michelangelo Buonarroti) كان رسام ونحات ومهندس وشاعر إيطالي، كان لإنجازاته الفنية الأثر الأكبر على محور الفنون ضمن عصره وخلال المراحل الفنية الأوروبية اللاحقة.
اعتبر ميكيلانجيلو أن جسد الإنسان العاري الموضوع الأساسي بالفن مما دفعه لدراسة أوضاع الجسد وتحركاته ضمن البيئات المختلفة. حتى أن جميع فنونه المعمارية كانت ولابد أن تحتوي على شكل إنساني من خلال نافذة، جدار، أو باب.[2]
كان ميكيلانجيلو يبحث دائما عن التحدي سواء كان تحديا جسديا أو عقليا، وأغلب المواضيع التي كان يعمل بها كانت تستلزم جهدًا بالغاً سواء كانت لوحات جصية أو لوحات فنية مرسومة، وكانميكيلانجيلو يختار الوضعيات الأصعب للرسم إضافة لذلك كان دائما ما يخلق عدة معاني من لوحته من خلال دمج الطبقات المختلفة في صورة واحدة، وأغلب معانيه كان يستقيها من الأساطير، الدين، ومواضيع أخرى. نجاحه في قهر العقبات التي وضعها لنفسه في صنع تحفه كان مذهلا إلا أنه كثيرا ما كان يترك أعماله دون إنجاز وكأنه يُهزم بطموحهِ نفسه.[3] اثنان من أعظم أعماله النحتية، تمثال داوود وتمثال بيتتا العذراء تنتحب قام بإنجازهما وهو دون سن الثلاثين.
رغم كون ميكيلانجيلو من الفنانين شديدي التدين فقد عبر عن أفكاره الشخصية فقط من خلال أعماله الأخيرة. فقد كانت أعماله الأخيرة من وحي واستلهام الديانة المسيحية مثل صلب المسيح.[4]
تعرف ميكيلانجيلو، خلال مسيرة عمله، على مجموعة من الأشخاص المثقفين يتمتعون بنفوذ اجتماعي كبير. رعاته كانوا دائما من رجال الأعمال الفاحش الثراء أو رجال ذوي المكانة الاجتماعية القوية بالإضافة لأعضاء الكنيسة وزعمائها، من ضمنهم البابا يوليوس الثاني، كليمنت السابع وبولس الثالث. سعى ميكيلانجيلو دائما ليكون مقبولاً من رعاته لأنه كان يعلم بأنهم الوحيدون القادرون على جعل أعماله حقيقة.[5]
من صفات ميكيلانجيلو أنه كان يعتبر الفن عمل يجب أن يتضمن جهدا كبيراً وعملاً مضنياً فكانت معظم أعماله تتطلب جهداً عضلي وعدداً كبيرا من العمال وقليلاً ما كان يفضل الرسم العادي الذي يمكن أداؤه بلباس نظيف.[6] وتُعتبر هذه الرؤية من إحدى تناقضاته التي جعلته يتطور في نفسه من حرفي إلى فنان عبقري قام بخلقه بنفسه.
قام ميكيلانجيلو في فترة من حياته بمحاولة تدمير كافة اللوحات التي قام برسمها ولم يبق من لوحاته إلا بضعة لوحات ومنها لوحة باسم "دراسة لجذع الذكر"، التي أكملها عام 1550 والتي بيعت في صالة مزادات كريستي بنحو أربعة ملايين دولار، وكانت هذه اللوحة واحدة من عدة رسومات قليلة للأعمال الأخيرة لميكيلانجيلو الذي توفي عام 1564، والتي تبدو أنها تمت بصلة إلى شخصية المسيح.[7]


أثارت عملية تنظيف تمثال داوود الشهير، في الذكرى الخمسمئة لنحته، بالمياه المقطرة، جدلا واسعا، حيث وافق وزير الثقافة الإيطالي "جوليانو أوروباني" على تنظيفه رغم احتجاج العديد من الخبراء على طريقة التنظيف،[8] حيث رأى البعض أن تلك الطريقة في التنظيف ستلحق أضرارا بالرخام وسط مخاوف من أن تصبح منحوتة داوود أشبه بمنحوتة عادية من الجص،[9] وطرح الخبراء فكرة التنظيف الجاف الذي رفضه وزير الثقافة جوليانو أوروباني.
بالرغم من اعتبار رسم اللوحات من الاهتمامات الثانوية عند ميكيلانجيلو إلا أنه تمكن من رسم لوحات جدارية عملاقة أثرت بصورة كبيرة على منحى الفن التشكيلي الأوروبي مثل تصوير قصة سفر التكوين في العهد القديم على سقف كنيسة سيستاين، ولوحة يوم القيامة على منبر كنيسة سيستايت في روما. ما يُعتبر فريدا في حياة فناني عصر النهضة إن ميكيلانجيلو كان الفنان الوحيد الذي تم كتابة سيرته على يد مؤرخين بينما كان على قيد الحياة حيث قام المؤرخ جورجو فازاري بكتابة سيرته وهو على قيد الحياة، ووصف الأخير ميكيلانجيلو بذروة فناني عصر النهضة.[10] مما لا شك فيه أن ميكيلانجيلو قد أثر على من عاصروه ومن لحقوه بتأثيرات عميقة فأصبح أسلوبه بحد ذاته مدرسة وحركة فنية تعتمد على تضخيم أساليبه ومبادئه بشكل مبالغ به حتى أواخر عصر النهضة فكانت هذه المدرسة تستقي مبادئها من رسوماته ذات الوضعيات المعقدة والمرونة الأنيقة.





ولد ميكيلانجيلو في قرية كابريزي قرب أريتسو بتوسكانا وترعرع في فلورنسا،[11] التي كانت مركز النهضة الأوروبية آنذاك، ومن محيطها المليء بمنجزات فناني النهضة السابقين إلى تحف الإغريق المذهلة، استطاع أن يتعلم ويستقي منها الكثير عن فن النحت والرسم. كانت أسرةميكيلانجيلو من أبرز المصرفيين الصغار في فلورنسا، لكن والده، "لودفيكو دي ليوناردو دي بوناروتي دي سيموني"، شذ عن باقي أفراد العائلة، وشغل عدّة مناصب حكومية خلال حياته،[12] أما والدته فهي "فرانشيسكا دي نيري دل مينياتو دي سيينا".[13] زعمت أسرة بوناروتي أن أبنائها يتحدرون من "ماتيلدي التوسكانية" وهي إحدى نبيلات إيطاليا القديمات، وعلى الرغم من أن هذا الزعم ما زال غير مؤكد، إلا أن ميكيلانجيلو نفسه كان مؤمنًا به.[14] بعد بضعة أشهر من ولادة ميكيلانجيلو، عادت أسرته إلى فلورنسا، حيث قضى سنوات صباه، وفي سنة 1481، أي عندما كان يبلغ من العمر ست سنوات فحسب، توفيت والدته بعد صراع طويل مع المرض، فانتقل ميكيلانجيلو ليعيش مع أسرة رجل يعمل في قلع الحجارة ببلدة "سيتيغنانو"، حيث كان ولده يملك مقلعًا للرخام ومزرعة صغيرة.[13] أفاد جورجو فازاري أن ميكيلانجيلوقال: «إن كان هناك بعض الخير والجمال في نفسي، فهذا لأنني ولدت في البيئة الرقيقة لبلدكم أريتسو. جنبًا إلى جنب مع حليب مرضعتي، شربت موهبة التعامل مع الإزميل والمطرقة، تلك الأدوات التي أصنع منها أعمالي».[11]



أقدم والد ميكيلانجيلو، الذي كان قاضياً على بلدة كابريزي في ذلك الوقت،[15] على إرسال ولده إلى المعلّم "فرانشيسكو دا أوربينو" في فلورنسا، حتى يتعلّم قواعد اللغة،[11][16] لكن الفتى لم يُظهر ميلاً نحو العلم، بل كثيرًا ما كان يُفضل نسخ اللوحات في الكنائس، ويميل إلى صحبة الفنانين والرسامين.[16] في النهاية وافق الأب على رغبة ولده وسمح لهذا الصبي ذو ثلاثة عشر ربيعاً بأن يعمل لدى رسام جص يدعى دومينيكو غرلاندايو،[1][17] وعندما بلغميكيلانجيلو عامه الرابع عشر، كان والده قد أقنع دومنيكو بأن يُعلن تلميذه رسامًا.[18] يُعرف أن ميكيلانجيلو لم يستطع التوافق مع معلمه وكثيرًا ما كان يصطدم معه مما حذا به لينهي عمله لديه بعد أقل من سنة.[19] في عام 1489، طلب لورينزو دي ميديشي، حاكم فلورنسا بحكم الأمر الواقع، طلب من دومينيكو غرلاندايو أن يُرسل إليه أفضل طالبين في عهدته، فأرسل إليه الأخير كلاً من ميكيلانجيلو وفرانشيسكو غراناسي.[20] خلال الفترة الممتدة من عام 1490 حتى عام 1492، التحق ميكيلانجيلو بالمدرسة الإنسانية التي أسستها أسرة ميديشي لتدريس الفلسفة الإفلاطونية المحدثة، حيث تعلّم النحت على يد "بيرتولدو دي جيوفاني"، وتأثرت نظرته إلى الحياة وأنماط فنّه بآراء ونظريات الكثير من الفلاسفة والكتّأب المعروفين في ذلك الزمن، مثل: مارسيليو فيسينو، بيكو ديلا ميراندولا، وأنجلو بوليزيانو.[21] خلال هذه الفترة، أتمّميكيلانجيلو العمل على نقش "سيدة الأدراج" (1490–1492) ومعركة القناطرة (1491–1492)، وقد كانت الأخيرة مبنية على فكرة اقترحها أنجلو بوليزيانو، وكلّفه بها لورينزو دي ميديشي.[22] أدّى إعجاب بيرتولدو دي جيوفاني بعمل تلميذه أشد الإعجاب، إلى تولّد شعور بالغيرة عند زميل ميكيلانجيلو المدعو "بيترو توريغيانو"، فضربه على أنفه ضربةً قوية شوهت شكله، ويظهر هذا التشوه بشكل واضح في كل الرسومات الشخصية لوجه ميكيلانجيلو.[23]



رسم لرأس ميكيلانجيلو يظهر فيه أنفه المشوه بشكل واضح، من سقف كنيسة سيستاين.


على الرغم من إنكار ميكيلانجيلو لفضل غيرلاندايو في تعليمه أي شيء إلا أنه من الواضح أنه تعلم منه فن الرسم الجداري حيث أن رسومه الأولية كانت قد أظهرت طرق ومناهج اتبعها غيرلاندايو. في الفترة الممتدة بين عاميّ 1490 و1492 أمضى وقته في منزل لورينزو دي ميديشي المعروف بلورينزو العظيم الراعي الأهم للفنون في فلورنسا وحاكمها. حيث كان المنزل مكان دائم لاجتماع الفنانين الفلاسفة والشعراء. ومن المفترض أن ميكيلانجيلو قابل وتعلم من المعلم الكهل بيرتولدو الذي كان قد تدرب مع دوناتلو فنان القرن الخامس عشر في فلورنسا.[24]
أخذ ميكيلانجيلو ينخرط في معتقدات مجموعات النخبة الثقافية التي كانت تجتمع في منزل لورينزو شيئا فشيئا ويتبناها، فتزايد اهتمامه بالأدب والشعر، كما اهتم بأفكار تدور حول "النيوبلاتونيسم"، وهو نظام فلسفي يجمع ما بين الأفكار الإفلاطونية والمسيحية واليهودية ويدور حول فلسفة تعتبر أن الجسد هو مخزن الروح التي تتوق العودة إلى بارئها، وكثيرا مافسر النقاد أعمال ميكيلانجيلو على أساس هذه الأفكار وخصوصا أعماله التي تصور الإنسان وكأنه يسعى إلى أفق حر يخلصه من السجن أو الحاجز الذي يعيشه.[25]
كانت أمنية لورينزو دي ميديشي هي إحياء الفن الإغريقي واليوناني وهذا ما جعله يجمع مجموعة رائعة من هذه التحف التي أصبحت مادة للدراسة لدى ميكيلانجيلو، ومن خلال هذه المنحوتات والرسوم، استطاع ميكيلانجيلو أن يحدد المعايير والمقاييس الحقيقية للفن الأصيل وبدأ يسعى ليتفوق على نفسه من خلال الحدود التي وضعها بنفسه، حتى أنه قام مرة بتقليد بعض الأعمال الكلاسيكية الرومانية بإتقان لدرجة أنه تم تداولها على أنها أصلية.[26]



الذهاب لروما

 طالع أيضًا: تمثال بيتتا




بيتتا العذراء تنتحب، يجسد العمل تصويرًا للسيد المسيح وهو في حضن أمه مريم العذراء بُعيد إنزاله عن الصليب.


وصل ميكيلانجيلو إلى روما بتاريخ 25 يونيو سنة 1496، وقد بلغ من العمر 21 عامًا.[31] وفي 4 يوليو من نفس العام، بدأ العمل على منحوتة جديدة كلّفه بها الكاردينال رافائيل رياريو، ألا وهي منحوتة ضخمة لإله الخمر الروماني باخوس. غير أنه بعد الانتهاء منها، رفضها الكاردينال، فاشتراها أحد المصرفيين، واسمه يعقوب غالّي، ليضافها إلى تماثيله المعروضة في حديقته الخاصة.
في شهر نوفمبر من عام 1497، طلب السفير الفرنسي لدى الكرسي الرسولي، طلب منميكيلانجيلو الشروع في نحت تمثال أصبح فيما بعد أشهر أعماله، ألا وهو تمثال بيتتا، وأبرم معه عقدًا بذلك في شهر أغسطس من العام اللاحق. عاش ميكيلانجيلو في روما على مقربة من كنيسة "سيدة لوريتو"، وتفيد بعض القصص أنه أغرم بفيتوريا كولونا خلال هذه الفترة، والأخيرة كانت مركيزة بسكارا المعروفة بحبها للشعر. يعتقد البعض أنه خلال هذه الفترة أيضًا شرعميكيلانجيلو في العمل على منحوتة لاوكون وأبناؤه، الموضوعة اليوم في متاحف الفاتيكان.[32]









حياته الشخصية




النبيّة الليبية، كنيسة سيستاين.




كان ميكيلانجيلو شخصًا متواضعًا غير مسرف في حياته الشخصية، فقد قال لتلميذه "أسكانيو كونديفي" في إحدى المرّات: "مهما بلغ ثرائي من حد، فإني لطالما عشت، وسأعيش كالفقير".[48] وقد قال كونديفي عن معلمه أنه كان لا يُبالي بالطعام أو الشراب، وإنه كان يأكل "بدافع الحاجة للغذاء عوض الشعور باللذة"،[48] وغالبًا ما كان ينام بملابسه وحذائه حتى.[48] يُحتمل أن تكون هذه العادات قد جعلت من ميكيلانجيلو شخصًا يتجنبه الناس. يقول مؤرخ سيرته "باولو جيوفيو" أنه كان غريب الأطوار وسلوكه غير مألوف، وأن عاداته في المأكل والملبس تبعث على الاشمئزاز.[49] يُحتمل أن ميكيلانجيلو نفسه لم يُبال بما قاله الناس عنه، بما أنه كان شخصًا متوحدًا سوداويًا عُرف عنه تجنبه الاختلاط مع الأشخاص.[50