ينتمي فيلم "الحرام" إلى مدرسة الواقعية الاجتماعية وتناول غياب العدالة الاجتماعية
فيما خرج المصريون إلى الشوارع احتجاجا على حكومتهم، عزل الجيش رئيس الجمهورية وتولى شؤون البلاد، واعدا باحترام أمنيات الشعب. لكنه، وفي مسعى لكبح جماح الإسلاميين، قرر تولي سلطات واسعة.
تلقي ثورة 1952 بظلالها على الاحداث التي تبعت الربيع العربي بعد مرور ستين سنة على تلك الثورة، وتمثل نقطة بداية جديدة انطلقت منها السلسلة الوثائقية "فراعنة مصر المعاصرون"، وهو فيلم وثائقي من ثلاثة أجزاء من إنتاج بي بي سي وورلد. يستكشف الفيلم دورة حياة الثورة والقمع، والتي يستمر خلالها ظهور لاعبين جدد في المشهد السياسي يؤدون الأدوار التقليدية لسابقيهم.
ولاستدعاء الماضي، استخدمت المخرجة جيهان الطاهري مشاهد من أفلام مصرية مشهورة، وسوف نناقش فيما يلي ستة من تلك الأفلام.
"الحرام"
إخراج هنري بركات – 1965
أُنتج هذا الفليم في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، المعروف بتوجهاته القومية وقاد الانقلاب ضد الملكية المصرية عام 1952.
وأراد عبدالناصر أن يبني مصر حديثة، وأن يقضي على الفقر والأمية في البلاد. في إطار ذلك المشروع، أشرف الرئيس المصري على مصادرة الأراضي من الأثرياء لإعادة توزيع الثروات بمعرفة الدولة.
ويجسد فيلم "الحرام" عالما يحتاج إلى إصلاحات عبد الناصر، إذ يتحكم كبار ملاك الأراضي الأثرياء بالفلاحين الفقراء.
وتدور حبكة السيناريو حول اغتصاب فلاحة، ويشير اسم الفيلم إلى إثم الاغتصاب، لكنه في نفس الوقت إلى الإثم الأكبر، وهو "استغلال الأثرياء للفقراء"، وفقا للمخرجة جيهان الطاهري.
ويحتل فيلم "الحرام" مكانة متميزة بين أفضل الأفلام في تاريخ السينما المصرية، إذ ينتمي إلى مدرسة الواقعية الاجتماعية ويستخدم موضوعا يشغل اهتمام الفقراء.
"جمال عبد الناصر"
إخراج أنور قوادري – 1999
رأى مؤلف فيلم "جمال عبد الناصر" أن محمد نجيب كان منحازا لإقامة دولة ديمقراطية بعد ثورة يوليو/ تموز
استوحى الكاتب سيناريو الفيلم من بعض الأحداث الحقيقية التي تضمنتها السيرة الذاتية لعبد الناصر، إذ كانت البلاد في محاولة للتصدي للحكم العسكري الذي استمر لأمد طويل. كما صور الفيلم صداما بين محمد نجيب، الرئيس الأول لمصر الذي حظي بشعبية كبيرة، وزملاءه من الضباط في مجلس قيادة الثورة، على رأسهم جمال عبد الناصر.
وكان نجيب يدافع عن ضرورة أن تكون الجمهورية الجديدة ديمقراطية، لكن ناصر، الذي انتابه القلق من شعبية نجيب، وباقي الضباط أصروا على أن مصر دولة متخلفة تعج بالاضطرابات، وغير مؤهلة للديمقراطية.
وقالت مخرجة السلسلة الوثائقية إن "الطبقة الوسطى كانت صغيرةن وكان أغلب المصريين لا يعرفون القراءة والكتابة."
وأضافت أن "وجهة نظر عبد الناصر تضمنت أن الجيش هو القوة الوحيدة التي يمكنها إحداث التغيير."
ورجحت كفة وجهة النظر تلك بعد أن عُزل نجيب من منصبه كرئيس جمهورية، كما مُحي من ذاكرة التاريخ.
وخلفه ناصر في رئاسة البلاد ليبدأ في تأميم المؤسسات الصناعية، وتطبيق عدد من الإصلاحات الطموحة من أجل رفاهية البلاد، وإقامة دولة بوليسية.
منذ ذلك الحين، يحكم الجيش مصر دون منازع. وحتى يومنا هذا لا زال مؤيدو القوات المسلحة ومعارضوها في جدل مستمر أطلق شرارته البدء فيه صدام نشب بين نجيب وناصر منذ ستين سنة.
"الرصاصة لا زالت في جيبي"
إخراج حسام الدين مصطفى – 1974
ركز فيلم "الرصاصة لا تزال في جيبي" على قدرة المصريين على استرداد سيناء والكرامة
أُنتج الفيلم في وقت عاشت فيه مصر أجواء احتفالية بنصر أكتوبر 1973 التي حسمت الصراع مع إسرائيل، والتي تُعرف أيضا بحرب العاشر من رمضان أو حرب يوم الغفران.
ويعظم الفيلم "إرادة المصريين التي دفعتهم إلى القتال من أجل أراضيهم" وفقا لجيهان الطاهري.
ويصور المشهد الذي استعانت به من الفيلم لحظة عبور القوات المصرية قناة السويس إلى شبه جزيرة سيناء، التي كانت محتلة من قبل إسرائيل منذ حرب الستة عام 1967.
وطارد شبح "النكسة"، هزيمة 1967، جمال عبد الناصر في السنوات الأخيرة من عمره. وعين ناصر مستشارين عسكريين روسيين وأعطى الأوامر لقواته بسحق إسرائيل.
لكن ناصر تُوفي عام 1970، وجاء أنور السادات خلفا له بعقيدة راسخة بداخله تتضمن أن مصر لا تتحمل صراعا طويلا مع إسرائيل. وفاجئت هجمته المباغته إسرائيل عام 1973 لتستعيد مصر سيناء وتسترد كرامتها.
وسمح نصر أكتوبر للسادات بعد سنوات من بداية الحرب بالجلوس على مائدة مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي وتوقيع معاهدة كامب دايفيد التاريخية، وهي الخطوة التي جعلته عدوا للإسلاميين المسلحين.
"القطط السمان"
إخراج حسن يوسف – 1978
حمل فيلك "القطط السمان" رجال الأعمال وقت الانفتاح مسؤولية الفساد دون أن يذكر أي دور في ذلك لمؤسسات الدولة
يتناول الفيلم الفساد الذي استشرى في البلاد في عهد السادات في حين يشير عنوانه، "القطط السمان"، إلى بعض الأشخاص الوضيعين المستفيدين من السياسات الاقتصادية للرئيس السادات.
ويظهر المشهد الذي استعانت به مخرجة السلسلة الوثائقية من هذا الفيلم مجموعة من رجال الأعمال يتآمرون بوجوه مبتهجة، للاستيلاء على المال العام.
ويتعرف المشاهدون المصريون على هؤلاء الرجال كمنتمين لطبقة الأثرياء الذين أفرزتهم سياسة "الانفتاح الاقتصادي" التي عمل بها السادات.
وتضمنت تلك السياسة الاقتصادية تعزيز القطاع الخاص، بالإضافة إلى تعويض الإهدار الهائل لأموال الدولة الذي خلفته السياسة الاقتصادية الاشتراكية التي كان ناصر يعمل بها.
ولكن الثروات التي نتجت عن تلك السياسة لم تُمرر إلى الطبقات الدنيا وظلت معلقة بين أيدي الأثرياء.
وعانت الطبقة المتوسطة كثيرا من الانفتاح، بينما ازداد رجال الأعمال، من ذوي الصلة القوية بالسياسيين، ثراء.
تقول جيهان الطاهري، مخرجة السلسلة الوثائقية، إن "صناع الفيلم أراد أن يسلط الضوء على هذا الفساد"
وأضافت أنهم نسبوا الفساد بعض الأشخاص، بدلا من أن ينسبوه إلى النظام، على النقيض من الواقع في ذلك الوقت، ولم يُنسب التدهور الاقتصادي في أي جزر من الفيلم إلى مؤسسات الدولة.
ووفرت سياسات السادات الاقتصادية دعما للإخوان المسلمين، الذين تولت مدارسهم وعياداتهم الطبية بعض المهام التي تخلت عنها الدولة.
"الضائعة"
إخراج عاطف سالم – 1986
انتقد فيلم "الضائعة" الواقع الاقتصادي والاجتماعي لصعب الذي خلفته سياسة الانفتاح التي تبناها السادات
كان لسياسة الانفتاح التي طبقها السادات أثرا في اتجاهات مختلفة، إذ تدفقت الاستثمارات الأجنبية بغزارة إلى مصر في حين غادرت العمالة المصرية الرخيصة البلاد طمعا في الحصول على عمل في دول الخليج الغنية بالنفط.
ويتناول المشهد الذي اختارته جيهان الطاهري لسلسلتها الوثائقية من هذا الفيلم حال زوجين من الطبقة الوسطى وهما يحاولان اللحاق بركب السفر للعمل بالخارج.
والزوجان من حملة المؤهلات التعليمية، ما دفع الزوج إلى رفض الاشتغال بوظيفة مهينة بينما سافرت زوجته للعمل بالخارج من أجل الأسرة.
ويستدر الفيلم دموع المشاهدين، إذ يتعامل مع مخاوف وآلام الناس حيال السفر إلى دول الخليج.
تقول مخرجة"فراعنة مصر المعاصرون" إن "المصريين كانوا يُباعون بثمن بخس، وكانت الحكومة تحثهم على أن يكونوا لبنات في تستخدم في بناء دول الخليج، حتى ولو كان بعضهم حاصلا على درجة الدكتوراة."
وكان سفر المصريين للعمل بالخارج يدر الكثير من العملة الأجنبية التي يحولونها إلى مصر.
لكن الكثير من المغتربين جلبوا معهم فهما متطرفا للإسلام عند عودتهم إلى البلاد تحمل في طياتها مباديء السلفية السعودية.
وكانت الدولة قد توقفت عن حث المصريين على السفر للعمل في الخارج وقت إنتاج هذا الفيلم بعد تولي حسني مبارك حكم البلاد خلفا لأنور السادات.
"الإرهابي"
إخراج نادر جلال - 1993
فيلم "الإرهابي" من أوائل الأعمال السينمائية التي تناولت ظاهرة الإرهاب في مصر
ربما استوحى مخرج الفيلم مشهد الهجوم الإرهابي على حافلة تقل سائحين من العناوين الرئيسية للصحف في مصر في التسعينيات من القرن العشرين.
فكان العنف هو السمة الأساسية لتلك الحقبة الزمنية، إذ كانت مصر في صراع مع تدفق هائل للعناصر المتشددة العائدة من الحرب في أفغانستان ضد القوات السوفيتية.
وكان بطل الفيلم سلفيا مسلحا يشن حربا على المجتمع العلماني. لكن أثناء إصابته، حظي برعاية أسرة مصرية من الطبقة الوسطى، لم تكن على علم بأنه إرهابي، حتى استرد عافيته.
وبعد أن غمرته تلك الأسرة بحنانها وكون صداقة مع جار مسيحي، بدأ في مراجعة معتقداته.
تقول جيهان الطاهري إن الفيلم انطوى على رسالة تدعو إلى الوحدة بين المصريين في وقت ساد فيه الخوف. وكانت المخرجة اللبنانية متحمسة أثناء وصفها لجماع مسلحة نوعية وكيف تعكس تجاهل قوات الأمن في ذلك الوقت للتمييز بين الأزياء الإسلامية المتنوعة، إذ كانوا يسمون كل من يرتدي أي منها بالإرهاب.
وأضافت أن "أي شاب يطلق اللحية كانت قوات الأمن تلقي القبض عليه وتحق معه لأنه لم يكن هناك تمييزا."
وأشارت إلى أنه بينما كان الإرهاب يشكل تهديدا أمنيا، كان أيضا يستخدم كذريعة جيدة لتقوية دعائم الدولة البوليسية.
المصدر
www.bbc.com/arabic