من المشرفين القدامى
تاريخ التسجيل: December-2013
الدولة: العراق
الجنس: ذكر
المشاركات: 13,777 المواضيع: 7,455
صوتيات:
391
سوالف عراقية:
0
موبايلي: جلاكسي
الصحفي القطري احمد علي يكتب وصف هزيمة بلاده على يد اسود الرافدين قصة لم ترويها شهرزاد
9-2-2016
الصحفي القطري احمد علي يكتب وصف هزيمة بلاده على يد اسود الرافدين بطعم عراقي.
ما أسفت على خسارة مباراة، مثلما شعرت بالأسف، بل الأسى من الخسارة المؤلمة لمنتخبنا «الأولمبي» لكرة القدم، أمام نظيره العراقي، بهدفين مقابل هدف قطري، التي تسببت في حرمانه من الحصول على البطاقة الآسيوية الثالثة، المؤهلة لدورة الألعاب «الأولمبية» الصيف المقبل، التي كانت في متناوله، بل كانت على مشارف البلعوم، وتم خطفها من الحلقوم!
.. ولا أبالغ عندما أقول إن شعوري بعد «المباراة الصادمة» كشعور شخص تأخذه إلى أعلى نقطة في «مئذنة سامراء» الملتوية، ثم تدفعه من فوقها ليسقط، ويواجه مصيره المحتوم!
.. ورغم أن «العنابي» كان سبّاقا بل سابقاً بإحراز هدفه عن طريق لاعبه المتألق «أحمد علاء الدين»، فقد خسر سباقه مع منافسه، في دقائق المباراة الأخيرة، وبالتحديد في الدقيقة الخامسة والثمانين، التي شهدت «انقلاباً دراماتيكياً» قلب الموازين رأسا على عقب، لصالح العراقيين، الذين أحرزوا هدف التعادل، ثم أضافوا هدف الفوز بعد تمديد المباراة إلى شوطين إضافيين!
لقد شكلت تلك الخسارة الموجعة صدمة لي، ولغيري من جمهور المشجعين، الذين كانوا يأملون في تأهل «العنابي» للمشاركة في الألعاب «الأولمبية» الحادية والثلاثين، المقرر أن تستضيف مبارياتها وفعالياتها ومنافساتها وتحدياتها «ريو دي جانيرو» في شهر أغسطس المقبل.
كانت المباراة بأحداثها المثيرة، وتقلباتها المريرة من نوعية المباريات الكبيرة، التي تسبب ارتفاعاً في الضغط، وتصلباً في الشرايين لدى أوساط المشجعين، عدا أنها كانت ساخنة في أمسية قطرية باردة، انخفضت فيها درجة الحرارة «هوايا» كما يقول العراقيين!
.. ورغم أنني لست خبيراً كروياً، أعتقد ــ ولعلي أكون مخطئاً» ــ أن مدربنا أخطأ في استبدال صاحب الهدف «العنابي» اليتيم، لأنه كان يشكل خطورة دائمة على المنافسين، سواء عندما يلعب بالكرة، أو دون أن يتلاعب بها، باعتباره من اللاعبين الموهوبين، الذين يشكلون تهديدا على مرمى الآخرين، حتى لو كان واقفاً بثبات في مكانه مثل تماثيل «الآشوريين» و«البابليين»!
.. ومثلما يفتح تمثال «كوركوفادو» البرازيلي ذراعيه مرحباً بضيوف «ريو دي جانيرو»، تعبيرا عن حفاوة استقبال البرازيليين لضيوفهم، فتحت دورة الألعاب «الأولمبية» أذرعتها ترحيباً بقدوم المنتخب العراقي العربي، المتأهل رسمياً للمشاركة في «أولمبياد» المدينة البرازيلية الأشهر، التي تشتهر بتنظيم كرنفالاتها المتنوعة، ومهرجاناتها المتعددة، وبذلك «الشاطئ الذهبي» المسمى «كوباكابانا»، المستلقى على سواحل المحيط الأطلسي، الذي يمتاز بأمواجه الفيروزية!
.. ومثلما يعد ذلك التمثال الضخم المصنوع من«الكونكريت» رمزاً «روحياً» ليس لمدينة «ريو» فحسب، بل لكل البرازيل، فإن وصول المنتخب العراقي إلى الألعاب «الأولمبية» يعد رمزاً لتطور الكرة العراقية، بل يؤشر إلى تفوقها على مستوى القارة الآسيوية.
.. وتقديراً لذلك «الإنجاز الأولمبي» العربي، سوف «أحجي» لكم أحداث المباراة في شكل رواية لم تروِها «شهرزاد»، التي كانت حاضرة في ملعب جاسم بن حمد في نادي السد، برفقة «شهريار»، تلملم ذكرياتها معه، وتجمع فصول رواياتها المشوقة له، عندما كانت تتوقف كل ليلة عند نقطة التشويق في القصة، مما اضطر الملك الذي اشتهر بقتل واحدة من زوجاته كل أمسية إلى الإبقاء على حياتها، أملا في أن تكمل له بقية الحكاية في الليلة التالية!
.. ولأن «شهرزاد» أجادت صناعة الحدث من رحم الحديث، فقد واصلت على مدى «ألف ليلة وليلة» تروي رواياتها الخيالية، وتسرد قصصها الخرافية، لكي تبقي الإثارة حاضرة في نفس «شهريار»، على غرار التشويق الذي كان حاضراً بقوة في مباراة المنتخبين القطري والعراقي!
.. وبعيداً عن «السرد الشهرزادي» انطلقت المباراة على إيقاعات «المقام العراقي» بصوت «محمد القبنجي»، المخلوط بالشجن المتدفق من أوتار «الجوزة»، ونغمات «السنطور»، وإيقاعات «الدنبك»!
.. ورغم طرقات «الدنابك» العراقية، كان «العنابي» يطرق أبواب شقيقه «الأولمبي» مراراً وتكراراً، ولا أنسى الدقيقة الخامسة عشرة التي شهدت ركلة ركنية قطرية، تهيأت خلالها الكرة إلى المتألق أحمد علاء، سددها رأسية، حولها بعيداً عن منطقة الخطر الحارس العراقي «فهد طالب» الذي كان واقفاً في مرماه مثل نخلة من «نخيل البصرة»!
.. وخلال هجماته المتلاحقة على المرمى العراقي مرّ «العنابي» بالعديد من «الشناشيل» البغدادية، التي تجعلك تبقي رأسك مرفوعاً وأنت تتطلع إليها، متأملاً جمالها، وهي الشرفة الخشبية المزخرفة بقطع زجاجية، يتم تركيبها على الجدران الخارجية، في بيوت بغداد القديمة، التي ما زالت تعاند الزمن، وتقف شاهداً على مختلف تحولات العاصمةالعراقية عمرانياً، واجتماعياً، وثقافياً، وسياسياً، ورياضياً، وشاعرياً، وشعرياً!
حتى أن الشاعر «بدر شاكر السياب» من فرط إعجابه بها أصدر ديواناً يحمل اسم «شناشيل ابنة الجلبي»، أفاض في قصائده ما ينساب في داخله من ذلك الحب المنساب لوطنه وأهله.
.. ولأن أهلنا العراقيين يبدأون حواراتهم مع غيرهم بطرح سؤالهم التقليدي «شكو .. ماكو»، الذي لا يعرفون حتى الآن من الذي نطق به أولاً على وجه التحديد:
هل هو الملك البابلي «نبوخذ نصر» صاحب أعجوبة «حدائق بابل المعلقة»، التي تختلط في قصتها الحقيقة مع الأسطورة؟
أم الملك الآشوري «أشور بانيبال»، الذي كان مهتماً بالعلم والأدب والثقافة والفنون، ومن خلالها رفع بلاده إلى «ذروة العظمة» التي لم تشهدها في تاريخها، فأصبحت عاصمته «نينوى» في أوج ازدهارها؟
أم هو القائد الأموي «الحجاج بن يوسف الثقفي»، الذي كان واحداً من «دهاة العرب»، ومن أبرز حماة «الدولة الأموية»، الذين ثبتوا أركانها في «بلاد الرافدين»، ودامت ولايته على العراق 20 عاماً، اشتهر خلالها بقوته وقسوته، وخطبته الشهيرة، التي حدد خلالها ملامح سياسته الحازمة، التي أثارت الرعب في قلوب من سمعوها عندما استهلها بقوله:
«أنا ابن جلا وطلاع الثنايا، متى أضع العمامة تعرفوني، إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وإني صاحبها، والله لكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى»!
.. ولأنه من النادر أن تقابل عراقياً ــ سواء كان يرتدي العمامة أم لا يرتديها ــ لا يسألك ذلك السؤال الشائع، فقد وجه أفراد المنتخب العراقي خلال مواجهتهم مع أشقائهم القطريين سؤالهم قائلين: بصوت واحد:
«شكو .. ماكو»؟!
.. وجاءهم الرد القطري سريعاً في الدقيقة السادسة والعشرين، عندما نجح «أكرم عفيف» في اختراق الدفاع العراقي، بعد انطلاقة عنابية رائعة، وهيأ الكرة بكل «كرم» إلى زميله المتألق «هوايا» أحمد علاء، صاحب الأداء الهجومي الكريم، الذي لم يجد أي صعوبة في تحويل «الهدية الكريمة» داخل الشباك العراقية محرزاً هدف «العنابي».
كان الترحيب القطري الحار بالأشقاء كافياً ليطلق «حضيري بو عزيز» موجة غنائية من صوته الساحر، من مدرج العراقيين الهادر، صادحاً بذلك «الصوت الريفي» النادر، الذي يمتاز بتموجاته اللحنية، وموجاته الطربية، مردداً أغنيته الشهيرة:
«سلم علي بطرف عينه وحاجبه»
«رد التحية زين ويعرف واجبه».
.. ويقتضي الواجب أن نقول إن منتخبنا ترجم خلال الشوط الأول تفوقه الميداني، مثلما كان ذلك المطرب الراحل يترجم أحاسيسه في شكل لوحات غنائية ناطقة بالجمال، نابضة بالأصالة، التي رسمها بصوته، محافظاً على أصالته، عاكساً أجواء بيئته الريفية، وسحرها، وعبق «الريف العراقي» وعمقه».
.. ووسط تلك «الأرياف» كان هجوم العنابي «يرفرف» بأجنحته في الأجواء العراقية، ويتدفق في عمقها مثل تدفق نهر «دجلة»، الذي يأتي من «زاخو» مرورا بمدينة «دهوك» حاضرة حواضر الحضارة الآشورية، ثم ينساب النهر متباهياً بجماله، باتجاه «نينوى» عاصمة «أشور» المعروفة، ويستمر في تدفقه نحو مدن البابليين و«السومريين» في الجنوب العراقي!
.. وبين تلك الأرجاء، ووسط تلك الأجواء، وبعيداً عن الالتواء، الذي يميز «مئذنة سامراء»، كان «العنابي» متفوقاً في الأداء، مستحوذاً على الكرة بمهارة، مثل استحواذ شاعر العراق الكبير «محمد الجواهري» على ملكة الشعر بجدارة، لدرجة أن قصائده تثير «لواعج وطنية»، بعدما عاش قرناً من الزمان، قبل أن يودع الحياة منفياً في دمشق، بعيداً عن «دجلة الخير»!
.. ولو توقفنا عند عطاء المنتخب العراقي نجد أنه كان متقلباً خلال المباراة، متأرجحاً بين جفاف الشوك الدامي، ونعومة الورد «الجوري»، مما دفع مطرب «الريف العراقي» ليردد مجدداً أغنيته الشهيرة:
عمي يا بياع الورد»
.. وبينما كان العراقيون يبحثون عن «بائع الورد»، ويسعون للوصول إلى المرمى القطري لقطف «الورود»، كان أداء «العنابي» يتصاعد خلال الشوط الأول كالرعود، قبل أن يعود ليتهادى كجناحي طائر محلق في السماء، يستعد للهبوط بعد رحلة صعود إلى الفضاء!
.. وبين شوطي المباراة الكبيرة كان «غوري» الشاي «السنكين» يدور في مدرجات العراقيين، مع صينية تصطف فوقها «الاستكانات»، وتنويعات وتشكيلات من «البغصم»، وسط أجواء غنائية صدحت خلالها «سليمة مراد» بأغنيتها الشهيرة، التي غناها بعدها آخرون:
«خدري الشاي خدري .. عيوني لمن أخدره»؟!
«مالك يا بعد الروح .. دومش مكدرة»؟!
.. وبعيداً عن الكدر، الذي يسبب القهر، بسبب خسارة منتخب قطر، كانت «ليلى المريضة» في العراق تتعافى من مرضها، وتتابع مباراة منتخبها «الأولمبي» مثل غيرها من المشجعات، في حين كان شاعرها «المجنون» قيس بن الملوح، «المفتون» بحبها ينشد مجلجلاً في المدرجات قصيدته الرائعة:
«ألا يا حمامات العراق أعنني»
«على شجني وأبكين مثل بكائيا»
«يقولون ليلى في العراق مريضة»
«فيا ليتني كنت الطبيب المداويا».
كان العراقيون يبحثون عن وصفة دواء، تعالج ذلك الداء الذي أصاب خط دفاعهم، وجعله مكشوفاً بل مفتوحاً، انفتحت خلاله «شوارع» عديدة سالكة نحو مرماهم، نجح «العنابي» عبرها في الوصول إلى عمق المرمى العراقي مرات عديدة، مروراً بشارع «أبو نواس» الذي يحمل اسم الشاعر العباسي «الحسن بن هاني»، نديم «هارون الرشيد»، حيث استرخى هناك شعراء العراق الكبار وغيرهم، لإطلاق العنان لخيالهم الشعري، في ذلك المكان الشاعري، الذي يمتد محاذياً لنهر «دجلة».
.. ويمكن القول إن ذلك الشارع سمع ما سمع من أسرار الناس، بحكم ثباته في مكانه مثل ثوابت بغداد رغم شيخوخته، ورغم النكبات التي مرت عليه، فقد ظل محافظاً على خصوصيته الثقافية والترفيهية، السياحية والسياسية، وحتى «الغذائية» أيضاً، حيث تتمدد فوقه مطاعم «المسكوف».
.. وفي إطار بحث العنابي المتواصل عن ذلك السمك المشوي على الحطب، الذي يصعب أن تجد له مثيلاً في كل بقاع الدنيا، انفرد «أكرم عفيف» بالمرمى العراقي في الدقيقة السابعة والخمسين، وسدد كرة قوية اصطدمت في جسم الحارس وارتطمت في وجهه!
بعدها شهدت المباراة إيقاعاً سريعاً، جعل أنفاسنا تتلاحق بين شهيق وزفير، وصفير و«نفير»، تخللته صولات، وجولات، وهجمات، ومرتدات متبادلة بين الفريقين، في غمرة التنافس الكبير بين المنتخبين.
.. ومع ارتفاع منسوب الصد، وتصاعد وتيرة الرد، كان العراقيون يبحثون عن «الشهد»، ويواصلون «الحشد» الكروي، ولا أقول «الشعبي»، ويشنون هجماتهم على مرمى العنابي!
.. ولا أنسى الدقيقة «70» عندما سدد العراقي «علي حسني» كرة «صاروخية» من ركلة مباشرة تصدى لها ببراعة الحارس «مهند نعيم»، بعدما كادت أن تنفجر في مرماه مثل انفجار «سيارة مفخخة»!
ثم شهدت الدقيقة الخامسة والثمانون ذروة لحظات «الدراما» عندما أحرز «مهند العراقي» هدف التعادل، بكرة رأسية في مرمى «مهند القطري»، لتشتعل المباراة، وتتحول إلى اللون «الرمادي» الذي لا يستطيع أحد من خلال ملامحه الضبابية أن يتنبأ ماذا سيحدث خلال اللحظات الباقية!
.. وبعد التمديد نجح العراقيون في إضافة هدف جديد، عن طريق لاعبهم «أيمن حسين»، لتنتهي المباراة بفوز العراق على قطر، وتأهل منتخبها للمشاركة في دورة الألعاب «الأولمبية» في «ريو دي جانيرو».
.. وما من شك في أن هذا الفوز أطلق موجات من العواصف، أثارت الكثير من العواطف في ملعب جاسم بن حمد بنادي السد، بين فرح عراقي وحزن عنابي!
.. ورغم أن «الحزن» جزء من التراث العراقي!
.. ورغم أن «الطابع الحزين» هو السيد المتسيد في الشخصية العراقية، التي يختلط فيها الأنين والحنين وحزن السنين!
.. ورغم أن الحزن تحول عند العراقيين إلى «جواد جامح»، لم يستطع غيرهم ترويضه، وامتطاء صهوته، والاستماع له، والاستمتاع بصهيله!
.. ورغم أنهم في «بلاد الرافدين» برعوا في «التعايش» مع الحزن، فقد نجحوا في تصديره إلى قلوبنا، بعد فوزهم الصادم على منتخبنا «الأولمبي»، الذي يمثل جيلا «ذهبياً» من أجيال الكرة القطرية، تم إعداده وتأهيله ــ على أكمل وجه ــ وقامت الدولة بتجهيزه وفق أرقى القواعد الاحترافية، ليقطف ثمار مشاركاته الدولية، الأمر الذي يدفعني لإطلاق «موال» من مخزون «المواويل» العراقية، التي تختلط فيها البحة المكتومة، مع الحشرجة المكبوتة، مع الدمعة المكلومة!
.. وإليكم «الموال» الذي اختم به المقال، ليعكس الأحوال، ويجسد صدمة الخسارة المريرة، في تلك المباراة المثيرة التي شهدت فتراتها الكثير من الأهوال:
«دكتور بيا ألم، ما تنعرف حالتي، القلب فيا انكوى، وغير الحزن ما روى، ظلمة حياتي أصبحت، وما بيها ومضة ضوى».
.. وعندما لمع ضوء الصباح، تم إطفاء المصباح، وتوقف الصياح، ولم تحكِ «شهردزاد» قصة المباراة المليئة بالنواح، وفضلت السكوت عن الكلام المباح، ليشهد «شهريار» ليلة أخرى مع الليالي التي تتسم بعدم الارتياح!