كان الإنسان يتلقى العلم منذ قديم الأزل في عصور ما قبل الكتابة مشافهة، عبر رواية القصص التي تتوارثها الأجيال، ثم عندما تعلّم الكتابة بدأ يسجل ما يتعلمه في بيئته على الجدران والأحجار وينقشها على الجلود والرقاع وورق البردي، وتوسعت المجتمعات وتطورت الحضارات فظهرت المدارس في مصر في عهد الفراعنة، وتأسست أكاديمية أفلاطون في أثينا، وأصبحت الإسكندرية المتأسسة في سنة 350 قبل الميلاد منارة للعلم خليفة لأثينا قديمًا.
تطورت الحضارات وارتقت المجتمعات وتنوعت أساليب التعليم لتشمل التعليم النظامي بصورته الحالية، وعددًا من التجارب غير التقليدية التي تسعى لتغيير الطريقة التي يتعلم بها الفرد للأفضل.. إليكم أمثلة عن طرق تعليم مختلفة من حول العالم:

ثقب في الجدار – Hole in the Wall



يُعرف سوجاتا ميترا، وهو أستاذ تقنية التعليم بكلية التربية والاتصال وعلوم اللغة في جامعة نيوكاسل بإنجلترا، بتجربته “ثقب في الجدار”. أطلق ميترا التجربة في عام 1999 بهدف أن ينقل العملية التعليمية من قيود المدارس التقليدية للملاعب، مشجعًا الأطفال على الاستكشاف والتعلم والاستمتاع.
بدأت التجربة في إحدى المناطق العشوائية الفقيرة بالهند بكشك في أحد الجدران بداخله جهاز حاسب آلي، وعلى الرغم من عدم تقديم مساعدة من أحد للأطفال في كيفية استخدامه عوضًا عن عدم معرفتهم باللغة الإنجليزية إلا أنهم استطاعوا استخدام الجهاز وتعلّم مهارات الكمبيوتر والإنترنت.
أثبتت تلك التجربة التي عُمّمت فيما بعد في عدد من المناطق بالهند وكمبوديا أن الأطفال يمكنهم أن يتعلموا في بيئات مفتوحة وغير منظمة ولا تخضع للرقابة، وأنهم عند إضافة التحفيز والتشجيع للأطفالطفالأ فإنهم يتخطون الأهداف المتوقعة.
هذا ما يُسمّى ببيئات تعليم ذاتية التنظيم – (Self-Organized Learning Environments (SOLEs
والتي يدعو ميترا لإنشائها داخل المدارس كمساحات للتعلم الذاتي التنظيم وليس كفصول اعتيادية، مشيرًا إلى أن هذا من شأنه أن يعزز ملكات القراءة والتفكير والإبداع والفهم والثقة بالنفس وغيرها.
يسهل تنفيذ هذه التجربة داخل المدارس عن طريق وضع جهاز كمبيوتر موصولًا بالإنترنت لكل مجموعة من أربعة أطفال، يتحدث الأطفال خلال المجموعة مع بعضهم البعض، ومع المجموعات الأخرى، ولديهم حرية الحركة في المكان وتغيير المجموعة.


المدرسة الجديدة – Escuela Nueva


في هذه المدرسة يجلس مجموعة من الطلاب، أعمارهم مابين 5 و13 سنة، في مدرسة من صف واحد بأحد حقول القهوة بكولومبيا، ينقسم الطلاب في مجموعات من اثنين حيث يقابل خلالها كل طالب شخصًا من نفس المستوى، يتحاورون ويقومون بوظائف مختلفة وبعد إنهائهم لها يراجع الطلاب عمل بعضهم البعض، ومن يواجه منهم صعوبة في أداء مهمته يقوم الآخرون بتقديم يد المساعدة له.
يمشي المُدرّس وسط المجموعات، مراجعًا أعمالهم ويكتب ملاحظاته عليها، ويربت على أكتافهم، ويحضر الطلاب للصف الأدوات التي يحتاجونها خلال الدروس.
في هذه المدرسة تجد طلابًا في المستوى الثاني يكتبون القصص القصيرة، أو يختبرون نظرية علمية في الهواء الطلق، كما قاموا بزراعة حديقة كبيرة بالخضروات والفاكهة حيث يستخدمها الطلاب في وجباتهم.
أتت التجربة بثمارها في كولومبيا وأشادت اليونسكو بانتشارها في أكثر من 20 ألف مدرسة بكولومبيا رغم افتقار مدرسيها للتعليم الجيد.

جلينجاري – التعلم في الهواء الطلق


“وليس أَجَلُّ وأنفع وأبقى من «الإفراج» عن الأطفال الذين سُجِنوا إلى اليوم بين الجدران، يتعرفون الحياة في رموز الكتب العبوسة بدلًا من التعرف إليها في حدائقها ورياضها، وفي مخالطة خصائصها مخالطة الكائن الحي للكائن الحي.” – مي زيادة
تُحدّثنا مي زيادة قبل قرابة المائة عام عن فوائد تعليم الطفل في الهواء الطلق التي تشمل الجسد والعقل والروح، فتثير داخله عاطفة الفرح وتنبه فيه حاسة الجمال وترهف حواسه وتقوي مهارات الملاحظة والمقابلة والتمييز فيستطيعون من دقة التمييز معرفة نوع الأشجار دون رؤيتها من سماع صوت الهواء وهو يداعب أوراقها.
وكيف تتحسن أخلاق الأطفال وتطهر في أحضان الطبيعة بشهادة العديد من المربين، وأن ما كان طيش وصخب وحدة الأطفال إلا بسبب كبت هذه النفوس الجامحة داخل فصول وجدران، فما إن درسوا في الهواء الطلق حتى تحولوا من الطيش والحدّة إلى الهدوء والرشد وصاروا أقرب إلى الترتيب والذوق وحسن التصرف وانتظم نشاطهم بما يوافق سنهم.
وتحولت قسوة بعضهم ممن يدوسون الأزهار ويعذبون الطير ويؤلمون الحيوان إلى رأفة وحنو، وظهرت طبيعة الطفل الحانية العطوفة على الحيوان والطيور والأزهار، وأظهرت داخله فضائلًا كثيرة كانت حبيسة المدارس الضيقة المقفلة.
ولعل هذا ما دعا مدرسة جلينجاري، وهي تجربة تعليمية في الهواء الطلق بوادي الكنجارو –أستراليا، لتنتهج هذا الأسلوب عبر تعريض الأطفال للبيئة الطبيعية ومنحهم فرصًا لتحديهم في المناحي العقلية والجسدية والروحية والاجتماعية والأكاديمية. تتكون المدرسة من فصلين في الهواء الطلق.
يتعلّم خلالها الطلاب جميع مجالات المناهج الدراسية عبر التعلم التجريبي، والتعامل مع البيئة الغنية هناك بالتنوع الحيوي من نباتات وحيوانات تشكل للطلاب بيئة مثالية لتعلم العلوم والرياضة والأكل الصحي، وتوسيع آفاقهم للعالم من حولهم بعيدًا عن صخب أجهزة التلفاز وتشويش المحمول و أجهزة الألعاب.
كما تساعدهم هذه البيئة على إقامة الصداقات وفهم أعمق للقيم والتعاليم الدينية، وخوض التحديات المختلفة، وتحسين سبل التواصل مع أهاليهم عبر كتابة الرسائل لهم، فمثل تلك البرامج تَعدُّ الطلاب كي يغدو قادة وتعلمهم قوة التحمل والمثابرة على الأهداف طويلة المدى وإقامة علاقات تعيش مدى الحياة.

المدرسة الخضراء – The Green School


نشأت في جنوب شرق أسيا عدد من النماذج التعليمية المتميزة التي تربط الطلاب ببيئتهم وحياتهم وتُقدّم تعليمًا يجمع بين المستهدفات المتوقعة من المدارس والمؤسسات الأكاديمية العالية المستوى، وبين مميزات التعلم التجريبي.
فنشأت المدرسة الخضراء في عام 2008 وسط حقول الغاب والأرز لتستمر في النمو وازدياد عدد طلابها. وتمزج المدرسة بين الاستدامة والتعليم وتُقدّم التدريب العملي ومناهج دراسات خضراء وفنون إبداعية جنبًا إلى جنب مع المواد الأساسية كالرياضيات واللغة الإنجليزية والعلوم، وتضيف إليها مجالات مفتوحة للتعلم وفقًا للمهن التي يختارها الطلبة.
بُنيَت المدرسة على طراز غير اعتيادي، حيث تعتمد في بنائها وأساسها بالكامل على أحبال البامبو المتجددة محلياً. وتعدّ المدرسة الطلاب لتغيير الطريقة التي يُدار بها الكوكب عبر تعزيز صلتهم بالبيئة والتزامهم بمبدأ الاستدامة.

تلك كانت رحلتنا القصيرة أثناء سرد طرق تعليم مختلفة .. ترى كيف تريد أن ترى التعليم في بلدك؟ شاركنا أفكارك وتطلعاتك..

المصدر
www.arageek.com