يتابع الإغارة على الموقع المستهدف، في نية مبيته لاستكشاف الوضع عن قرب، عبر قوات استطلاع ترصد تحركات العدو؛ استعدادا لأي هجوم مضاد وكأنه على يقين أنه لو امتلك جاسوس واحد فانه يعادل في شأنه جيشا بأكمله.
نتحدث هنا عن جيش استطلاع من النمل العسكري وليس عن قوات استطلاع عسكرية لجيش نظامي لدولة ما!
تتشابه الأسباب التي تخاض من أجلها الحروب، وربما يرجعها البعض لنواحي اقتصادية بحته بينما يرى البعض الآخر أنها حرب وجود.
ولكن لا أحد يعرف تحديدا متى بدأت لعبة الحرب، ربما تم استخلاص قواعدها من ممارسات النمل الغازي، أو حتى من لعبة الشطرنج، باعتبار أنها من اللعب القديمة التي عرفها الإنسان منذ آلاف السنين لكن المعروف أن الجيش الروسي هو من قام بإعداد أول لعبة حرب واقعية؛ لغرض التدريب والتخطيط للعمليات العسكرية، واستمرت لعبة الحرب في التطور التدريجي وصولاً للحرب العالمية الثانية.
تتشابه الاستراتيجيات العسكرية لفن الحرب عند كلا من النمل والبشر فكلاهما يتماثلان في الدموية والبشاعة.
حيث تتميز معارك النمل بالدموية والشراسة الشديدة، فقد رأى أحد العلماء الإنجليز طابورًا من النمل يهاجم ثعبانا طوله عدة أقدام، ولم تهدأ إلا وقد مزقته إلى قطع صغيرة، وبقرة تؤكل حية من قبل مستعمرة من النمل الجرار.
وهنا السؤال… لماذا تهزم الجيوش المنظمة أمام المجموعات القتالية قليلة العدد والعتاد؟ من حرب فيتنام إلى طالبان ” أفغانستان” مرورًا بتنظيم القاعدة وحزب الله إلى أن نصل في النهاية إلى “داعش”.
النمل المسترق وحرب العصابات
حرب العصابات: هي في الأصل صراع بين مجموعات قتالية صغيرة وجيش نظامي، وهي مدعمة بسلاح أقل عددًا ونوعية من تلك التي يمتلكها الجيش النظامي، ولكنها تمتلك سلاح المعرفة الجيدة بالتضاريس لذلك موقعها الأمثل للدفاع يكون من تحت الأرض، وذلك لخلق الظروف المناسبة لاستنزاف الجيش المهاجم، حيث تجمع بين صد الهجمات وشن هجوم مباغت، لذا فهو لا يتوقع من أي جهة قد يتلقى الضربة فيضطر إلى تحصين جميع مواقعه ويشتت جهوده.
يسرق بعض مسترقي النمل صغار المستعمرات المستهدفة؛ ليقوموا بتنشئتهم كعبيد، وبرغم أن مسترقي النمل خبراء في فن الحرب، إلا أن أعدادها أقل كثيرًا من النمل في المستعمرات التي يتم الإغارة عليها ولتحاشي الإبادة تقوم بإطلاق مادة كيميائية تسمى “حامض الفورميك”؛ لتمنع شغالات المستعمرة من الهجوم المضاد وهي بذلك تتبع استراتيجية عسكرية متبعة أيضا عند البشر أي إنه في حالة الاشتباكات الفردية يكون النصر للمقاتلين الأقوياء حتى ولو كانوا الأقل عددًا.
إذا كنت في خضم مشاكلك مستعد لانتهاز أي فرصة قد تتاح لك فيمكنك أن تخرج نفسك من أي مأزق
يملك النمل وسائل دفاعية تجعله دائمًا مستعد للهجوم، متى كانت الفرصة سانحة، فللنمل السنغافوري “فَكَّان”، يمكن أن تفتحهما على اتساع 280 درجة، وبينهما شعرتان طويلتان للإنذار، وما تكاد تمسهما الفريسة حتى يندفع الفكان إلى الأمام ويذبحانها.
كما أن كتيبة محكمة من النمل الغازي، قد تشن غارات للتخريب وجمع الطعام، وتقضي على كل ما تقابله بداية من العناكب والعقارب إلى الطيور والحيوانات الضخمة، فهي تستطيع بكل سهولة أن تشل حركة فريسة تفوقها وزنا بآلاف المرات.
الحرب لا تكسب بالقوة بل بالخداع
على خطى القدر تعلم كيف تباغت حيث لا يتوقع أحد، بطيء عندما ينتظرون وصولك، سريع حينما لا يبدو عليك أي استعداد للهجوم.
يفرز النمل الأحمر مادة كيميائية تسمى “الفورمونات” للتمويه على المدافعين عن المستعمرة من أجل أسرهم ثم استعبادهم بعد ذلك، فهي ترش أجسامها برائحة يتم جمعها من على أجسام الشغالات الأسرى؛ كي تنخدع وتخضع للخدمة داخل المستعمرة.
تعلم من أخطائك
لا تكرر الإستراتيجية نفسها فحتماً ستقودك إلى نفس النتائج لذا عليك إما بتعديلها أو ابتكار غيرها.
قد لاحظت سيدة إيطالية، بعضا من النمل يتخذ طريقاً إلى بيتها، عبر النافذة، فوضعت ورقا لزجا على حافة النافذة لتعوقه، بالفعل وقع النمل في المصيدة، لكنه في الصباح وجد طريقاً للدخول إلى المنزل عبر رمى أجزاء من الطين على الورقة اللزجة، برغم أن الأمر يكشف عن الذكاء المذهل للنمل إلا أنها تظهر أيضا عامل المثابرة والحيلة.
لا يوجد صراع مستمر إلى ما لا نهاية
لا تكن مثل ” نملة البولدوج الأسترالية”
فمجرد سعيك الدائم نحو تأكيد وجودك الخاص، عبر الإزالة المستمرة لوجود الآخر، مهما كانت شكل تلك الحرب ونوعها وأسبابها، فالدائرة ستأخذ دورتها وسيأتي دورك…
وكأن النمل البولدوج الأسترالية خلق لينتزع وجوده حتى من نفسه، وهي تقدم لنا أعظم الأمثلة على هذا الصراع؛ لأنها حينما يتم قسمتها إلى نصفين، تنشب عندئذ معركة بين الرأس والذيل، فالرأس يهاجم الذيل بأسنانه، والذيل يدافع عن نفسه بشجاعة بلدغ الرأس.
وعادة ما تستمر هذه المعركة لمدة نصف ساعة، حتى يموت كلاهما أو يجرهما نمل آخر. وهذا الأمر يتكرر حدوثه في كل مرة.
المصدر
1، 2، 3