بين من يحمل الحكومة الاتحادية مسؤولية الأزمة المالية المطبقة في كُردستان وبين من يحملها وزر بعضها ملقياً اللوم على "غياب الشفافية"، تستفحل هذه المشكلة في محافظات الإقليم، لكن السؤال هنا، لماذا عجزت حكومة الإقليم ذات الحكم شبه المستقل عن بغداد أيضا في دفع الرواتب، وتسخير موارد النفط المصدرة لحسابها في معالجة أزمة غير مسبوقة.
تبدو مشكلة الرواتب وركود الاقتصاد في كُردستان مستعصية على الحل، كونه إقليم فتي تبلغ نسبة الشباب والموظفين فيه أكثر من نصف عدد السكان، وسارع الخطى لنيل الاستقلال وتصرف بندية مع بغداد، بحسب مراقبين، ومما يعنيه ذلك معاناة أعداد كبيرة من قوة العمل من عدم تسلم رواتبها نتيجة شح السيولة النقدية في الإقليم، الأمر الذي أثار مخاوف مواطني كُردستان وهز ثقتهم بمستقبل الإقليم المالي، خاصة مع الحديث عن وجود "فضائيين"، وآخرين يتسلمون أكثر من راتب.
تذمر واضح للعيان
"الأوضاع المعيشية أصبحت صعبة، لا يمكنني تأمين مصاريف أسرتي المتواضعة"، هكذا يقول سردار يوسف ذو الـ41 عاماً يعمل موظفاً حكومياً في كردستان، ويؤكد في حديثه لـ السومرية نيوز، إن "فرص العمل بدأت تتضاءل يوما بعد آخر وفي المقابل ترتفع أسعار البضائع في كردستان".
ويضيف يوسف، "لا يمكنني الآن دفع فاتورات الكهرباء والمياه بسبب سوء أوضاعي المالية"، مبينا أنه "لم يتسلم راتبه منذ من أربعة أشهر، وأضطر للبحث عن عمل إضافي لإعالة أسرته، لكنه لحد الآن لم يحصل عليه".
أما دلدار حسين ذو الـ38 عاماً، فهو يشاطر يوسف الرأي، إذ يقول، إن "الأزمة الاقتصادية الحالية سببت تراجعاً في جميع القطاعات في الإقليم"، لافتا إلى أن "العديد من المواطنين اضطروا لبيع ممتلكاتهم من أجل دفع الديون والأقساط المترتبة عليهم".
وأضاف حسين في حديثه لـ السومرية نيوز، "في حالة استمرار الأزمة، قد تحصل مشاكل اجتماعية"، داعيا الجهات المعنية إلى "اتخاذ خطوات جدية لمعالجة الأزمة".
جدل متواصل حول مسبب الأزمة
عضو اللجنة المالية النيابية سرحان سليفاني يعزو السبب الرئيس للأزمة المالية والاقتصادية في إقليم كردستان الى الحكومة الاتحادية، مبينا أن "قطع بغداد موازنة الإقليم منذ العام 2014 أحدث حدث فراغاً مالياً واقتصادياً فيه".
ويضيف سليفاني في حديثه لـ السومرية نيوز، أن "إقليم كردستان حاول عدة مرات إجراء المفاوضات مع بغداد تمخضت عنها توقيع اتفاقية بين الجانبين في نهاية العام 2014 وتمت إدراجها في الموازنة العامة للعام 2015"، مشيرا إلى أن "بحسب قانون الموازنة حدد حصة إقليم كردستان بـ 1 تريليون و200 مليار دينار شهرياً مقابل تسليم إقليم كردستان 550 ألف برميل من النفط يوميا إلى شركة سومو".
ويتهم سليفاني بغداد بأنها "لم تلتزم بهذا الاتفاق، ما دفع إقليم كردستان الى اللجوء إلى بيع نفطه مباشرة إلى الشركات العالمية"، موضحا أن "بيع إقليم كردستان لنفطه بشكل مستقل لم يؤدي إلى تنمية اقتصاده بسبب دفع مستحقات الشركات النفطية الأجنبية العاملة في الإقليم".
وتؤكد سليفاني، أن "إقليم كردستان جزء من العراق وشعب كردستان شعب عراقي ولا يجوز ربط مستحقات شعب كردستان بالسياسة النفطية"، مشيرا إلى أن ا"لسياسة التي انتهجتها بغداد مع الإقليم كأنما تتعامل مع دولة أخرى وليس مع أحد المكونات العراقية".
وحمل سليفاني بغداد مسؤولية الأزمة الاقتصادية في الإقليم"، مطالبا الحكومة الاتحادية بـ"الإيفاء بالتزاماتها ودفع مستحقات إقليم كردستان للعامين 2015 و2016 كما ورد في القانون".
في المقابل تصدر مواقف مختلفة في بغداد تدحض الموقف الكُردي، ومنها دعوة النائب عن ائتلاف دولة القانون عبد السلام المالكي، الحكومة والبرلمان الى إلغاء نسبة كردستان من الموازنة، وتشكيل حكومة تضم "العراقيين فقط" وليس من يتعاملون على أساس الدولة داخل دولة، عازيا السبب الى تنصل الإقليم عن الاتفاق النفطي، فيما طالب رئيس الإقليم مسعود بارزاني بإجراء استفتاء لتقرير المصير بعيدا عن ثروات وسط وجنوب العراق، كون الأخير "فاقد للشرعية".
شفافية مفقودة
من جهته يقول رئيس اللجنة الاقتصادية ببرلمان إقليم كردستان عزت صابر في حديث لـ السومرية نيوز، إن "البرنامج الإصلاحي الذي أعلنته حكومة إقليم كردستان مؤخرا سيعالج مشاكله المالية في حال تم تطبيقه"، مبينا أن "البرنامج الإصلاحي يستند إلى إتباع الشفافية وزيادة الواردات وتقليل المصاريف".
ويضيف صابر، أن "الوضع المالي لإقليم كردستان يعاني من غياب الشفافية حتى اللحظة"، لافتا الى أن "منظمة الشفافية العالمية أبدت استعدادها لدعم الإقليم في تطبيق الشفافية بشرط الانضمام إليها، لكن المشروع لم ينفذ".
وأشار صابر إلى أن "أبرز المشاكل الاقتصادية في الإقليم، هي وجود نسبة كبيرة تتسلم أكثر من راتب، وهناك أيضا من يتسلمون الرواتب من الحكومة ولا يمارسون عملهم كموظفين"، في إشارة الى وجود ما يصطلح عليه تسمية "الفضائيين" الذي شاع في العراق مؤخراً، مؤكدا "عدم وجود شفافية في واردات النفط والجمارك، فضلا عن إعفاء الشركات الكبيرة من دفع الضرائب والرسوم الجمركية".
من جهته يدعو الخبير الاقتصادي كاوة عبد العزيز حكومة كردستان الى "اتخاذ خطوات سريعة للحد من الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية على الطبقات من ذوي الدخل المحدود للتخفيف عن معاناتهم"، مشددا على "أهمية السيطرة على أسعار السلع والبضائع الأساسية والضرورية".
وطالب عبد العزيز حكومة الإقليم بـ"عدم إهمال أوضاع الطبقات ذات الدخل المحدودة"، محذرا من أن "سوء الأوضاع الاقتصادية قد تحول الإقليم من أزمة اقتصادية إلى أزمة سياسية واجتماعية".
ويعاني إقليم كردستان من أزمة مالية حادة، إذ لم تتمكن حكومة إقليم كردستان دفع متأخرات رواتب موظفيها منذ شهر أيلول الماضي، ويعزو مسؤولو الإقليم الأزمة المالية إلى تراجع أسعار النفط والمشاكل العالقة بين بغداد وأربيل بشأن ملفات النفط والموازنة والحرب ضد "داعش" وإيواء أكثر من مليون ونصف نازح ولاجيء.
المصدر
www.alsumaria.tv